لم يكن يخطر ببال أي مواطن بمدينة أولاد عياد أن قضية القاصر "خديجة" ذات ال 17 ربيعا التي اغتصبت من قبل أزيد من 14 شخصا بضواحي مدينتهم، سينقلها من مدينة مهمشة معزولة لا يعرف عنها المغاربة شيئا، إلى مدينة مشهورة عالميا وأصبح اسمها متداولا على منابر إعلامية عالمية من باب قصة خديجة "المغتصبة"، ولم يكن أكثرهم تفاؤلا يظن أن "أولاد عياد" يمكن أن يلتفت إليها العالم في يوم من الأيام حتى من باب الفضائح، بعد ان تخلت عنها الجهات المعنية وتركتها تعيش في إقصاء وتهميش. احتجاز واغتصاب بدأت قصة خديجة منتصف شهر غشت الجاري عندما تقدمت بشكاية لدى مصالح الدرك الملكي بأولاد عياد تتهم فيها 15 شخصا باحتجازها واغتصابها بشكل متكرر لمدة تجاوزت الشهر والنصف، فضلا عن حرق أماكن متفرقة شملت الأماكن الحساسة من جسدها بواسطة السجائر ووضع "أوشام" على جسدها. وبغية معرفة المزيد عن تفاصيل قضية خديجة، قصدنا بيت أهلها المتواجد بالقرب من السوق الأسبوعي لأولاد عياد، استقبلنا والد خديجة الذي كان رفقة عون سلطة، بابتسامة تخفي حزنا بليغا. سألنا الأب عن قصة خديجة، فأخبرنا أن البنت غادرت المدرسة منذ ثلاث سنوات ومنذ ذلك الوقت وهي تعيش في أجواء عادية ويرسلها بين الفينة والأخرى إلى أفراد من عائلته ل "تغير الجو". وأضاف محمد المريض بداء السكري أن خديجة كانت لحظة اختطافها تجلس أمام بيت خالها، قبل أن يباغتها شخصان، كانا على متن دراجة نارية، وضع أحدهما آلة حادة على عنقها لارغامها على ركوب الدراجة النارية متوجهين بها بعد ذلك إلى مكان مجهول، مشيرا إلى أنه قام بإبلاغ الجهات المعنية باختفاء ابنته. نفس الرواية أدلت بها خديجة "المغتصبة" لجريدة العمق، مضيفة أنها تعرضت لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي طيلة مدة احتجازها بمكان مليء بأشجار الزيتون بضواحي أولاد عياد، مشيرة إلى أن أزيد من 14 شخصا تناوبوا على اغتصابها، وزادت "كل ما أطلبه الآن هو أن تأخذ العدالة مجراها وأن يتدخل أطباء أخصائيين لتنظيف جسمي من الأوشام التي وضعها المعتدون". اعتقالات واسعة لم تمر إلا ساعات من وضع خديجة شكايتها لدى الدرك الملكي بأولاد عياد حتى أعلن عن توقيف 5 أشخاص من بينهم المتهم الرئيسي الملقب ب "كريطي" حيث جرى وضعهم رهن تدابير الحراسة النظرية لفائدة البحث الذي تجريه مصالح الدرك الملكي تحت إشراف النيابة العامة. أيام قليلة بعد ذلك ارتفع عدد الموقوفين إلى 9 أشخاص، ثم توالت الاعتقالات إلى أن وصل العدد حاليا 12 موقوفا، تم تقديمهم أمام أنظار الوكيل العام للملك باستئنافية بني ملال وتقرر متابعتهم في حالة اعتقال بالسجن المحلي ببني ملال، بتهم الاغتصاب، واحتجاز قاصر، وتكوين عصابة إجرامية، والتحريض على الفساد وإعداد منزل للدعارة. مصادر خاصة صرحت لجريدة "العمق" أن اللائحة التي تضم 15 اسما والتي تقدمت بها خديجة في البداية لم تكن أسماء معتقلين ثلاثة واردة فيها، وأشارت المصادر ذاتها أن عائلة خديجة لم تبلغ الجهات المعنية عن اختفائها. متابعة وتضامن حظيت قصة خديجة المحتجزة والمغتصبة بمتابعة كبيرة، كما حظيَّت خديجة بتعاطف واسع من لدن رواد المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي في كل انحاء العالم، بعد أن تداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للوشوم على جسدها، مطالبين بتوقيع أقسى عقوبة على المعتدين. جمعيات حقوقية محلية أعلنت تضامنها مع خديجة ونظمت وقفة احتجاجية امام مقر جماعة أولاد عياد انتهت بمسيرة في اتجاه بيت الطفلة خديجة، وطالبوا المسؤولين بالعمل على فتح مقر مفوضية الشرطة الذي يكلف كراؤه 30 مليون سنتيما سنويا من ميزانية الجماعة منذ أزيد من 7 سنوات، كما طالبوا بمواصلة التحريات من أجل إيقاف باقي أعضاء العصابة المشتبه فيهم، الذين مارسوا على الطفلة أبشع الممارسات اللإنسانية. تونس تتضامن لم تتخلف تونس الخضراء عن إعلان تضامنها مع الفتاة خديجة من خلال الشاب التونسي فواز زهمول المتخصص في فنون الوشم، حيث أعلن عبر مواقع التواصل الاجتماعي تمكنه من التواصل مع والد القاصر، وأشار في تدوينة فايسبوكية أن فريق عمل يحاول إيجاد وسيلة لنقل خديجة إلى تونس لتنظيف جسدها من تلك الأوشام، لأن العائلة فقيرة جداً وتعيش في منطقة نائية في المغرب، وفق الناشط التونسي. الرواية الأخرى وفي إطار حرص جريدة "العمق" على الوصول إلى الطرف الآخر، توجهنا من جديد إلى مدينة أولاد عياد بإقليم الفقيه بنصالح للقاء أسر المعتقلين، حيث اكتشفنا تفاصيل مثيرة لقضية القاصر، حيث خرجت عائلات المعتقلين بتصريحات تنفي تعرض خديجة للاغتصاب متهمين إياها بالتعاطي للدعارة منذ مدة ليست بالقصيرة. وفي هذا السياق، قال والد المتهم الرئيسي في قضية خديجة والملقب ب "كريطي" إن الفتاة كانت تمارس الجنس بشكل مستمر مع ابنه، مشيرا إلى أن الفتاة معروفة لدى ساكنة أولاد عياد بسلوكاتها المنحرفة، نافيا أن يكون ابنه قد اختطفها، مبرزا أن خديجة لم تكتف باتهام ابنه الأكبر بل اتهمت ابنه الصغير أيضا الذي لم تكن تجمعة أي علاقة معها، وفق تصريحه. من جانبها، قالت كلثومي سعاد، في تصريح لجريدة العمق، إن ابنها الذي اتهمته خديجة باغتصابها يصغرها سنا ولم تكن تربطها أية علاقة بالفتاة القاصر، مشيرة إلى ان أم خديجة اعترفت لها في وقت سابق أن ابنتها كانت معتادة على الغياب عن المنزل منذ سنوات، مطالبة بإجراء خبرة طبية للتأكد من أن الفتاة فقدت عذريتها منذ سنوات. والد أحد المتهمين الخمسة عشر، أوضح في تصريح مماثل لجريدة "العمق"، إن اتهام ابنه باغتصاب واحتجاز خديجة هو اتهام باطل، مشيرا إلى أن الجميع بمدينة أولاد عياد يعرفون حقيقة خديجة بمن فيهم السلطة، وقال إن والدة الفتاة اعترف بكون خديجة كانت قد تسبب لهم متاعب منذ سنوات، مستغربا من عدم الإبلاغ عنها لدى مصالح الدرك الملكي منذ اليوم الأول من اختفائها. والد حمزة المعيزي أكد في تصريح للجريدة أن ما صرحت به خديجة وعائلتها لا يمت بصلة للحقيقة، وقال إن رجال الدرك عوض أن يتصدوا للمجرمين الحقيقيين الذين يزرعون الرعب في ساكنة المدينة، أوقفوا ابنه الذي نفى أن تكون له علاقة مع خديجة، متهما الأخيرة بمرافقتها ل "الحشايشية والسكايرية". وأكد المعيزي في التصريح ذاته أن إحدى الجمعيات هي التي أشارت إلى عائلة خديجة بتبني رواية "الاختطاف والحجز"، مطالبا الملك محمد السادس بالتدخل في هذه القضية لإنصاف هؤلاء المعتقلين.