في ختام أول خطاب بمناسبة عيد العرش المجيد سنة 1999، قال جلالة الملك محمد السادس مخاطبًا الشعب المغربي : " نود أن نؤكد مدى الأواصر العميقة التي تربطنا بك متجلية في تشبثك بأهداب عرشنا وتعلقك بشخصنا في حب متبادل قوي ، وأن نحثك على بذل المزيد من الجهود في حرص على الوحدة والإجماع وتمسك بالمقومات، و نظر بعيد إلى المستقبل " . وفي خطاب العرش لسنة 2017 ، نَبَّهَ صاحب الجلالة الملك محمد السادس الشعب المغربي إلى أن التطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والإنشغالات الحقيقية للمغاربة. واليوم .. نقترب من حلول الذكرى 19 لإعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين ، نستقبل ذكرى عيد العرش المجيد التي دأب الشعب المغربي على تخليدها و الإحتفال بها كأسمى تَعَبير من المغربيات و المغاربة على تجديد البيعة و الولاء للعرش العلوي المفدى و ترسيخ قوة التلاحم بين الملك والشعب. تقترب هذه المناسبة الجميلة بِدَلاَلاَتِها الوطنية الأصيلة لِتُجَدِّدَ صدق المشاعر المتبادلة بين الملك و الشعب، و تعلن لكل من يهمه الأمر أن المملكة المغربية مستمرة في وفائها لِعَرَاقَة التميُّز و خصوصية الإمتداد التاريخي . و لِتُؤَكِّد – كذلك – بأن المملكة المغربية مستمرة في العمل بعزم تابث على تحقيق التطور القادر على مسايرة زمن الثورة الصناعية الرابعة و ما تفرضه من تحديات و تحديثات. ولأن الشعب المغربي سار – دوما و أبدا – مُتعلقًا بأهداب العرش العلوي ، مُخلصًا في حب الملك ، واثقًا من قدرته على قيادة مسيرة الصعود بالمغرب نحو المراتب المتقدمة بين الأمم و الذود عن مصالح الوطن بكل حكمة و قوة مع الإستبسال في مواجهة أعداء الوحدة الترابية إلى آخر رمق. فإننا اليوم، نستقبل الذكرى التاسعة عشر لإعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، ونحن على يقين تام أن مسيرة الإصلاح الديمقراطي التي دشنها جلالة الملك محمد السادس منذ خطاب 30 يوليوز 1999، قد عَبَّدَت طريق الإصلاحات الهيكلية على جميع المستويات و راكمت الكثير من المنجزات ، كما إستطاعت تجاوز العديد من المعيقات و في مقدمتها الإمكانيات المحدودة التي يتوفر عليها المغرب و العقليات المتقادِمَة لدى الكثير من النخب الحزبية السياسية و ضعف الموارد البشرية الإدارية. لسنا في حاجة إلى مقارنة مسيرة المملكة المغربية مع نماذج دول قريبة منا ، بل نحن في حاجة إلى الإقتناع العميق بأن جلالة الملك محمد السادس إستطاع في زمن إستثنائي مواصلة تشييد صرح دولة مؤسسات قادرة على خوض معركة الإنتقال نحو مصاف الدول الصاعدة. ولعل قوة الأسلوب تشكل العلامة البارزة لعهد الملك المُصْلِح محمد السادس ، أسلوب حُكْم جديد ملتزم بكل تعاقداته الخارجية و الداخلية المُؤَسَّسَة على سيادة و استقلالية القرار الوطني. أسلوب ملك دستوري يحترم مسار الإختيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه ، أسلوب ملك مُبْدِع يرعى الروافد الثقافية المتعددة المُشَكِّلَة لهوية الأمة المغربية. أسلوب مَلِك لا يتوانى عن بسط مكامن الخلل بكل شجاعة صريحة ، مع تفكيك تمثلات الأسباب المُعَرْقِلَة لمسار التنمية المنشودة في الكثير من الميادين. من ضعف العمل المشترك وغياب البعد الوطني والإستراتيجي، و التنافر بدل التناسق و الالتقائية ، و التبخيس و التماطل بدل المبادرة و العمل الملموس. حيث أكد جلالة الملك محمد السادس على أن إختياراتنا التنموية تبقى عموما صائبة ، إلا أن المشكل يكمن في العقليات التي لم تتغير، وفي القدرة على التنفيذ والإبداع. وبِلُغَة واضحة التركيب يمكننا القول أن الدولة المغربية في ظل الملكية الدستورية لا تقف جامدة حائرة في مفترق الطرق.فإستراتيجية الإصلاح المُتَنَوِّر التي يقودها جلالة الملك محمد السادس بأسلوب مؤسساتي جديد ، تمنح للدولة المغربية المناعة الكافية ضد كل ما من شأنه أن يعرقل مسيرة التجدُّد المغربي. مثلما تقدم الحلول الدستورية و المؤسساتية لكل المعادلات السياسية التي إستعصى على بعض المؤسسات إيجاد حلول لإشكالِياتِها. لقد نجح المغرب في إجتياز محطات صعبة ظنَّ – في إبَّانها – العديد من المراقبين و المتابعين أن المملكة المغربية لن تستطيع الوقوف بثبات أمام قوة أعاصيرها ، و تَبَيَّن بعدها للجميع أن أسلوب الملك الهادئ دليل ملموس على النبوغ المغربي الراقي في صنع تجربة الديمقراطية الإصلاحية تحت ظلال الإستقرار و الأمن طيلة 19 سنة من الحكم الرشيد. ولنا اليقين الكافي للتأكيد على أن سؤال النموذج التنموي المغربي الجديد سيَجِد الشعبُ جوابَه ضمن مضامين خطاب العرش القادم بالأمل و البشرى لكل المغربيات والمغاربة. شكرًا يا صاحب الجلالة ؛ شكرًا لأنَّكم القائد الصبور الذي يحمل الأمانة العظمى بِسِعَة الصدر و نبل الأهداف و الغايات. شكرًا لأنَّكم المُوَجِّه المرشد إلى ثورة تغيير العقليات ، و لأنكم ضامن الإستقرار و المناضل من أجل دولة المؤسسات . شكرًا لأنَّكم المُدافِع القوي عن وحدة الوطن و حامي الحقوق و الحريات ، و لأنَّكم أمل الشباب و النساء و مُعْتَصَم المُسْتَضْعَفِين و المُسْتَضْعَفات .