حدد تقرير أعدته اللجنة الوطنية للتضامن مع المعطي منجب وستة نشطاء آخرين قبل يومين، أسماء عدد من وسائل الإعلام المغربية، التي تورطت في إنجاز مواد إعلامية حاولت من خلالها التشهير بعدد من النشطاء الحقوقيين والاعلاميين بالمغرب، الندوة الدولية التي نظمت من طرف العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان" و"الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"، وضعت اليد على جرح متعفن في جسم الصحافة المغربية على الرغم من أن الصحافة الجادة والمسؤولة والمهنية بريئة مما تقترفه صحافة الرصيف. مؤسف أن تَتَنَكّبَ بعض من صحافة بلادي عن خدمة الأهداف الوجودية لمهنة المتاعب، بمعاني السلطة الرابعة بل والأولى في سياقات عديدة، وبمعاني أنها الرافعة للانتقال الديمقراطي، وبمعاني الرقابة على المؤسسات، وأيضا فضح استهدافها وتبخيسها خارج منطق سلطة الصندوق والشرعية الانتخابية، مؤسف هذا الخلل الوظيفي بتعبير صاحب نظرية الاتصال "لاسويل" وهي الحالة التي تحيد فيها وسائل الإعلام عن رسالتها الأساسية. مؤسف أن تردد صحافة التشهير وليس التحرير تهم التخوين والاستهداف المجاني وتشويه سمعة مناضلين وحقوقيين وإعلاميين وسياسيين، كل ذنبهم أن عبروا عن وجهات نظر في كل القضايا التي تعتمل أمام أعينهم، وعن معالم وطن يحلمون به وهم متأكدون من أنه يتسع للجميع وأن لا أحد يملك صك الحديث باسم الوطن ومصالحه إلا المؤسسات المعروفة قانونا ودستوريا. إن ضرر صحافة التشهير تلك يتجاوز الشخوص أو الهيئات المستهدفة إلى صورة بلد ككل، يجعلنا جميعا في وحل التشهير والتلفيق وتشويه السمعة واستهداف الحياة الخاصة للأفراد، وهو أمر لا يتوقف عند واقعة الحقوقي المعطي منجب ومن معه والتي تختلف حولها أيضا الآراء، بل الأمر أصبح سلاحا بمعنى الابتزاز ونهش الأعراض والتخوين من طرف "صحافة" قذرة تسيء أول ما تسيء إلى مهنة الصحافة نفسها وبعدها لصورة البلد ككل. لقد تابعنا ونتابع كيف أصبحت بعض الدكاكين من "جرائد" ومواقع خاصة أنشئت بليل ويجهل مصادر تمويلها وبعضها يكفي التأمل في مسار من يقف عليها لمعرفتها ومعرفة أدوارها، لم يعد من اختصاص لها إلا نهش أعراض المواطنين وهيئات محترمة، بدم بارد ودون أن يرف لها جفن. إن استهداف الأعراض والحياة الخاصة والتشهير بالخصوم والمعارضين هي جريمة نكراء لا ينبغي السكوت عنها، وإن صحافة التشهير والاسترزاق ينبغي أن تفضح وتصنف وتعزل حتى يتبين لمن لا يعلم الغث من السمين والمهني من المرتزق، لأن في كل شيء أعلى وأسفل، وإن جهود اعتبار "كاع ولاد عبد الواحد واحد" لن تأتي أكلها، وإن الغيورين على صاحبة الجلالة كفيلون بالرقي بها وانتشالها من فضاء المرتزقين وأصحاب التشهير الذين استبدلوا غرف التحرير بأخرى للتشهير. إن التقرير الذي حاول حصر لائحة الصحافة ووضع ثلاث نقط، يحيلنا إلى أن دائرة الرداءة اتسعت، وأن الابتزاز والارتزاق بالصحافة في المغرب أصبح حزبا قائم الذات، وأن استيقاظ بعضهم فقد فيه الأمل، على اعتبار أن الضمير والكرامة وقول الحق، وتحري الصدق والبحث عن الحقيقة هي أولى القيم التي داسوا عليها دون أن يرف لهم جفن. قد يقول قائل إن في فضح صحافة التشهير نوع من الإحياء لها كما الجراثيم التي لا تنتعش إلا بالتحريك في الفضاءات العفنة، وأنها ربما تحيا بعدم التجاهل، لكنها صرخة لابد منها في وجه الرداءة، وفي وجه قوم للأسف مجبرين على أن نتقاسم معهم اسم هذه المهنة، عسى أن يكون بينهم عاقل أو على الأقل حتى تعزل وتفضح وتقاطع لتظل حالة شاذة وأبدا أبدا لن تكون أصلا في بلد مثل المغرب يكفي أن تذكر بعض رموز إعلامه وصحافته ليقف الجميع محييا ومقدرا. لا بد لتلك الجرائد من الاعتذار لمن أساءت لهم ولمهنة الصحافة التي بخسّتها وأهانتها، والأهم من كل ذلك أن تعلن توبتها عن تتبع أعراض الناس وحياتهم الخاص وتشويه سمعتهم مع الأطنان من مساحيق الكذب والافتراء، ولعلهم يعلمون أن اتهام الناس بالباطل والتشهير بهم لا يخدم لا مصلحة عامة ولا أمن وطن ولا هم يحزنون، فمتى يستوعبون أن الفكرة لا تهزم إلا بالفكرة، وأن الحق دامغ الباطل لا محالة، وأن للمغاربة مصفاة وقرون استشعار تجعلهم يميزون الخبيث من الطيب وإن انتصر الخبث لبعض الوقت فبالتأكيد لا يمكنه الانتصار كل الوقت. إن مسؤولية هذا الواقع الرديء لمهنة الصحافة بالمغرب، بالتأكيد تتجاوز بيادق الواجهة إلى من يحركهم ومن يمولهم ومن يوفر المعلومة الخاصة، والمحاضر، والمكالمات المسجلة، وتفاصيل جلسات الاستماع أو الاستنطاق وغيرها من الأمور التي يعد تسريبها لوحده جريمة لا تغتفر، كما أنها مسؤولية مشتركة بين المبتلين بمهنة المتاعب، وكل القوى المجتمعية الحية، وكل الإرادات الخيرة في مختلف المؤسسات والأجهزة من أجل إنقاذ سمعة رمزية لأنها من سمعة وطننا الحبيب في نهاية المطاف.