تعتبر مهنة التدريس من المهن الشريفة التي تتطلب بيداغوجيات وطرائق متنوعة و جهودا مضاعفة من أجل تثبيت وإرساء الموارد، لضمان نجاعة سيرورة العملية التعليمية التعلمية، سواء من طرف الأستاذ أو المتعلم نفسه. و مع مصادفة توالي حلول شهر رمضان المبارك في السنوات الأخيرة مع مشارف فصل الصيف، ونحن لم نغادر المحراب المدرسي بعد، يخلق الأمر تغييرا في العادات اليومية و تكسيرا لروتين الحياة العادية، وخلخلة في كيفية استغلال وترشيد للطاقات، خاصة في صفوف متعلمي المدارس الابتدائية سواء الصائمين أوالمتدرجين أو غيرهم، و سواء على مستوى الأسرة أو المدرسة. تُرى فيما تتجلى هذه التغييرات؟ وما مدى حدة خلخلتها؟ وما سبل تحديها؟ كثيرا ما يتغير مجرى الحياة التي ألفها متعلمو المدرسة الابتدائية خلال هذا الشهر المبارك من قبل، وكأنها القذيفة المفاجئة، كما تتغير معها الحياة المدرسية بشكل عام وكذا الإيقاع الزمني المدرسي بشكل خاص، الأمر الذي يترتب عنه خلخلة تربك سير ونمط حياته. كوني أستاذة التعليم الابتدائي أعمل في الوسط القروي، عملت على تسجيل بعض الملاحظات التي استخلصتها و راكمتها من صفوف و وسط متعلميّ ، أهمها أن أغلب المتعلّمين في هذا الشهر المبارك يأتون للمدرسة دون أن يتناولوا وجبتي الفطور أو الغذاء التي نعي تماما فائدتهما، فالآباء الصائمون يتناسون بأن يسهروا على إفطار أبنائهم إما سهوا أو جهلا أو ظنا منهم بأن أبناءهم سيصبرون إلى حين العودة، أو لانشغالهم بالعمل، أو تجاهلا منهم للأمر. مما يترتب عنه إعياء يضعف طاقة المتعلم، وعجزا عن مسايرة الحصة أو الفترة الزمنية للتعليم ككل. فكثير منهم من يسقط صريع التثاؤب أو النوم أو الإغماء أحيانا. هذا دون أن ننسى مسألة السهر التي أصبحت مقترنة بهذا الشهر الفاضل. فالأسر تلتجئ للسهر و لتبادل أطراف الحديث حتى حين وقت السحور، والأبناء بجانبهم، دون مراعاة وقت نومهم و موعد دخولهم إلى المدرسة، ويزيد الأمر استفحالا خاصة إذا كان هذا الموعد صباحا. ناهيك عن الإدمان على مشاهدة البرامج والمسلسلات والأفلام الموسمية، التي تخصص لهذا الشهر المبارك، شهر العبادة و الغفران، و التي أضحى بثها ينتشر بشكل متزايد، فتتطلب ولاشك وقتا على حساب وقت الراحة و النوم. إلى جانب فرض الأسر على أبنائهم الصوم رغم حداثة سنهم، فالأغلب منهم يراه تعويدا على الصبر، والآخر يراه تعويدا على ممارسة الشعائر الدينية، فالأمر محمود إذا كان يراعى فيه مدى قدرة الابن ومناسبة السن والظروف الصحية. أتذكر أن أجدادنا وآباءنا كانوا يعوّدوننا على الصوم بصيام نصف يوم والنصف الآخر من اليوم التالي فيخطونهما رمزا للحصول على يوم واحد وهكذا…فعلا طريقة ذكية وناجعة… أمام كل هذا، ينظر للأسر على أنها المذنب الرئيس في كل ما يلحق المتعلم خلال هذا الشهر المبارك. في حين أن الواقع هو أن كل من وزارة التربية الوطنية و وزارة الصحة و جمعيات المجتمع المدني، وكل من له غيرة عن الطفل معنيون كافة بهذا الأمر. لذا يجب أن تتضافر الجهود من أجل خلق التوعية والتنوير في صفوف مثل هؤلاء الأسر، وبخلق حملات التوعية بطرق أبواب القرى خاصة النائية منهم، من أجل تنويرها وإخراجها من مثملة الحيف والإقصاء…