يعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأنموذج البشري الذي تقاس عليه جميع السلوكات والتصرفات والأفعال، ولذلك جعله الله تعالى قدوة حسنة وإسوة جليلة لمن أراد أن يسلك سواء السبيل من المؤمنين به والمعتمدين على نهجه القويم. إن من الأمور التي ترهق الآباء ولا يجدون لها حلا هي مشاكلهم مع أبنائهم وهم في سن المراهقة، هذا السن الخطير الذي يعتبر مرحلة عمرية ذات خصوصيات فيزيولوجية هرمونية لها علاقة وطيدة بالنمو تنتج عنها سلوكات حرجة تؤرق الآباء وتغضبهم. وكثير منهم يسأل قائلا: يا ترى هل سبق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعامل من المراهقين، وإذا كان الأمر كذلك فكيف كان يتعامل معهم؟ عندما نقرأ كتب السير، نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعامل مع العديد من الفتيان أو المراهقين بلغتنا، كابن عمه علي بن أبي طالب الذي أسلم صغيرا، وابنيه الحسن والحسين اللذين تربيا في كنفه وله معهما صولات وجولات، وابن عمه عبد الله بن عباس وصحابة كثر كانوا قد أسلموا وهم في عمر الفتوة والشباب. ومن أشهر معاملاته صلى الله عليه وسلم مع المراهقين، تسجل لنا كتب السنة النبوية قصة عجيبة وغريبة في نفس الوقت، حيث جاءه فتى يطلب منه أمرا غريبا وعجيبا وهو أن يأذن رسول الله له في الزنا. وهذا الطلب يعد مثالا أخطر من جميع ما يمكن أن يطلبه منا أبناؤنا، على اعتبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دائما بمثابة الأب للجميع حتى أن الله تعالى اعتبر نساءه أمهات لنا. لقد جاء في الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إئذن لي في الزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن شيء أبغض إليه منه – الزنا-" إن هذا الحديث النبوي الشريف قد أصل لمنهج فريد من نوعه في التعامل مع المراهق، وقبل الحديث عنه لابد من الذكر أن الصحابة نهروه وقاموا إليه غاضبين ومستنكرين، أي أن حتى الصحابة الكرام كانوا في نفس الموقف الذي يتعامل معه جميع الآباء لجهلهم للسبل الأنجع في التعامل مع المراهقين، فالصحابة الكرام، كما نحن، نجهل أن أول شرط أساس في التعامل مع المراهق والذي بدونه لا يمكن على الإطلاق أن ينجح أحد في تعامله مع أي مراهق. إن هذا المفتاح يعد مؤشرا علميا في التعامل مع المراهقين وهو الشيء الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهو تقبل المراهق كما هو. فغضب الصحابة الكرام ناتج عن عدم الدراية بهذا المفتاح الأولي والذي نجهله نحن كذلك لأن المراهق بمجرد أن يصدر عنه شيء ما يغضبها ولا يروقنا فننكر عليه ذلك فورا فنصرخ ونغضب وربما لجأ أحدنا إلى العنف والدخول في مشادات كلامية أو ربما حتى جسدية. فرسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي حاول الصحابة إبعاد الشاب ناداه عليه السلام وقال له: " ادنه" أي اقترب وفي هذا معنى تقبل رسول الله عليه السلام لهذا الفتى كما هو بكل عيوبه وبفعله المشين. إن هذه الخطوة، نظرا لأهميتها، هي التي سوف تمنح لنا الفرصة في التعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف ينبغي أن يكون التعامل مع المراهقين. بل لولا هذه الخطوة " أي تقبل المراهق كما هو" لما وصلنا إلى الخطوة الثانية وهي الدخول معه في حوار. إن المراهق لا يمكن أن يقبل بالحوار ذا كنا لا نتقبله كما هو بكل التغيرات الهرمونية التي يعرفها جسده والتحولات التطورية التي يحتاجها نموه كإفرازات لشخصية تستطيع أن تتمرد وتقول لا وتسعى في الاتجاهات المعاكسة التي نريدها نحن الآباء. إن الحوار كان واضحا جليا وممتعا رغم قساوته على قلب الفتى، ولكنه أدى به إلى الإقرار في آخر المطاف بخطإه وعدم صوابية ومعقولية طلبه، ولكن لحد الآن ورغم الاقتناع والاعتراف بالخطإ، فالحوار لم يكن كافيا لتنتهي آخر الجولات، ولذلك رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى شيء عجيب وهو لمسة الحب والحنان " فوضع يده عليه". إن العديد من الآباء يخبروننا بأنهم قد لجؤوا إلى الحوار وأن الحوار نفسه لم يجدي نفعا، وأعتقد أنه طبيعي لأن لمسة الحنان والعناق أو الضمة العميقة تشعره بصدقنا في هذا الحوار وأنه ليس حوارا من أجل امتصاص الغضب أو تكتيك مرحلي من أجل قضاء مأرب معين. وفي آخر المراحل لجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء، وهذا أمر ذو أهمية، لأنه مهما صعبت علينا العقبات فمدللها القادر هو ربنا سبحانه، وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يعطينا جميع الخطوات التي يكمل بعضها بعضا عندما تكون إحدى الحلقات غير مكتملة أو بها خلل ما، فيكون التتويج الرائع هو الاستعانة بالله تعالى لأنه هو الذي خلق هذه المرحلة العمرية وهو القادر على أن يجعلها بردا وسلاما على أبنائنا. كما أن موضوع الحوار الذي اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عبثيا أو اعتباطيا أو طائشا، بل كان منتقى بدقة لكونه عليه السلام اختار الحديث عن القيم التي يؤمن بها هذا المراهق، فالقيم هي الموجه للسلوك والإنسان العربي كان معروفا بالالتزام عندما يتبين له أو يذكره أحد بأن أفعاله لا تمت بصلة لأصله ونخوته وقيمه. ولهذا فنحن في حاجة ماسة لغرس القيم التي نريد في أبنائنا القيم التي يؤمنون بها ويؤمن بها المجتمع الصالح في عمومه الذي يعيشون فيه وهي نفس القيم التي كان عليها أجدادنا وآباؤنا والمخلصون لهذا الدين ولهذا الوطن. فيكون المجتمع الذي يؤمن بنفس القيم عونا لنا في تربية وإصلاح أبنائنا.