تناقلت يوم الأربعاء 16 ماي الجاري وسائل الإعلام الوطنية والمحلية بلاغا صادرا عن وزارة الداخلية، أعلنت من خلاله هذه الأخيرة عن توقيف مجلس جهة كلميم-واد نون مع تعيين لجنة خاصة يعهد إليها بتصريف أمور المجلس الجارية خلال مدة التوقيف. وقد أورد البلاغ مجموعة من الأسباب والحيثيات ذات الطبيعة الاستعجالية التي دفعت بوزير الداخلية لاتخاذ هذا القرار، على رأسها الحرص على انتظام سير مصالح الجهة، بالنظر للاضطرابات التدبيرية التي يعرفها المجلس والتي أثرت على السير العادي للمرافق والمصالح التابعة للمجلس المذكور، خاصة على مستوى التأخر الكبير وغير المبرر في إنجاز المشاريع المعتمدة من لدن المجلس، وحالة الجمود والتعثر التي انعكست سلبا على انتظام أشغال المجلس، يضيف البلاغ. وبالنظر لخطورة القرار المتخذ من قبل وزير الداخلية وتبعاته سواء المباشرة أو غير المباشرة، وكذا المخاطر التي تحيط بمثل هذه التدخلات الاستثنائية للإدارة المركزية في علاقتها مع الجماعات الترابية بوجه عام والجهات على وجه الخصوص يمكن الإدلاء بالملاحظات التالية: أولا. أن الأمر يتعلق ببلاغ صادر عن وزارة الداخلية، يلخص مضمون وحيثيات القرار الذي تم اتخاذه دون الإشارة إلى مراجع القرار ونشره في الجريدة الرسمية للجماعات الترابية أو الجريدة الرسمية، على اعتبار أن القرار في حد ذاته هو صاحب التأثير على المركز القانوني للمجلس وأعضائه، وليس البلاغ، كما أن القرار هو الذي يبدأ معه احتساب مدة التوقيف، من حيث بدايتها ونهايتها، وبالتبعية بداية اشتغال اللجنة الخاصة ونهايتها باعتبارها لجنة استثنائية ومؤقتة من حيث طبيعتها. ثانيا, استند البلاغ على مجموعة من الحيثيات التي اعتبرها غير مبررة وذات طبيعة استعجالية وذلك بناء على تقرير رفعه والي الجهة في الموضوع، إلا أن البلاغ المذكور لم يشر بدقة إلى المسطرة القانونية التي اتبعها، وما إذا كان والي الجهة قام بمساعي لدى المجلس من أجل مساعدته أولا على تجاوز الصعوبات التي يعرفها في التدبير على اعتبار أن والي الجهة هو شريك لمجلسها المنتخب حيث أولاه الدستور مهمة مساعدة رؤساء تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، وبالتالي كان حري بالبلاغ المذكور أن يشير إلى الدور الذي لعبته المصالح المركزية لحل الإشكالات التي اعترضت الجهة في إطار المساعدة وليس التدخل أو التوجيه. ثالثا. استند البلاغ في بناءاته القانونية على الدستور وخاصة أحكام الفقرة الثانية من الفصل 89 من الدستور، التي تعمل بموجبها الحكومة على ضمان تنفيذ القوانين، إلا أن هذه الإحالة غير موفقة على اعتبار أن الفصل 89 الذي جاء في الباب المتعلق بالسلطة التنفيذية يتناول بصفة عامة مهام الحكومة، وهو الفصل الذي لا يتطرق لعلاقة الحكومة بالجماعات الترابية بل يقتصر على دور الحكومة في الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية. وبالتالي فإن السند الدستوري يجب البحث عليه في الباب المعلق بالجماعات الترابية، وخاصة مقتضيات الفصل 145 التي تتحدث عن علاقة السلطة التنفيذية وخاصة ممثليها (الولاة والعمال) مع الجماعات الترابية، حيث تحدد الفقرة الثانية من نفس الفصل دور ولاة الجهات والعمال في تأمين تنفيذ القانون باسم الحكومة، وليس تنفيذ القانون بشكل مباشر على اعتبار أن الجهات تتمتع بالسلطة التنظيمية وبالتالي بمهمة المساهمة في تنفيذ القوانين على حدود النطاق الجغرافي الذي تشتغل به. ويمكن فهم الاستناد على مقتضيات الفصل 89 عوض الفصل 145 من الدستور في كون القرار اتخذ من طرف الحكومة ممثلة في وزير الداخلية، وليس من طرف والي الجهة، وهو ما دفع البلاغ لتدارك الأمر في فقراته الأخيرة وبالتالي الإشارة إلى دور الولاة في تأمين القانون من خلال رفع تقرير مفصل في الموضوع. رابعا. استناد البلاغ على المادة 77 من القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات، وهي المادة التي لا تشير لمسطرة التوقيف وإنما تشير إلى ضرورة تدخل وزارة الداخلية لتعيين لجنة خاصة داخل أجل 15 يوما من توقيف المجلس أو حله أو استقالة أكثر من نصف أعضائه. ولما كانت مسطرة حل مجلس الجهة لا تتم إلا بحكم المحكمة الإدارية حصريا، كما أن الاستقالة تكون اختيارية، فإن مسطرة التوقيف الذي لجأت لها وزارة الداخلية لا تجد لها مبررا في المادة 77 المذكورة. وبالرجوع لمقتضيات المادة 76 نجدها تنص على الحالات التي يمكن فيها لوزارة الداخلية أن تلجأ إلى طلب حل المجلس من المحكمة الإدارية، ولكن بناء على تدخل سابق لرئيس المجلس يطلب فيه من وزارة الداخلية إعذار المجلس من أجل القيام بمهامه. وقياسا على ذلك، وتماشيا مع الفلسفة الجديدة للمراقبة الإدارية على الجهات التي تتم بإشراف من السلطة القضائية، خاصة المحاكم الإدارية، فإنه كان من الأولى إشراك القضاء في اتخاذ مثل هذه القرارات التي تعطل عمل الإدارة المنتخبة، من أجل الترخيص للإدارة المركزية بتعيين اللجنة الخاصة المشار إليها في الفصل 77 أعلاه، وتمكين القضاء من تحديد الظروف والملابسات، وتقدير مدى تأثيرها على مصالح الجهة مع الاستماع لكل الأطراف، وبالتالي تأكيد التوقيف مع تحديد مدة معقولة، أو رفض هذا الإجراء، بحيث يبقى للإدارة المركزية إمكانية اللجوء إلى إجراء أشد قسوة وهو المطالبة عن طريق القضاء بحل مجلس الجهة تفعيلا لمقتضيات المادة 75 من القانون رقم 14-111 المشار إيه سابقا. خامسا. لئن كان القرار المتخذ بتوقيف مجلس الجهة تمليه الحاجة إلى تفادي عرقلة مصالح الجهة، فإن ذلك لا يمكن أن يكون مبررا كافيا لبعض العبارات التي وردت ضمن البلاغ المذكور من قبيل التعبير عن "الأمل في أن تقوم كافة مكونات المجلس بمراجعة ذاتية بهدف الانخراط في مقاربة إيجابية جديدة لمواصلة العمل في مناخ يسوده التضامن الفعلي والتعاون البناء وتغليب المصلحة العامة على الاعتبارات الضيقة"، على اعتبار أن توقيف المجلس قد يشكل مرحلة تمهيدية لطلب حله أمام القضاء، وليس الغاية منه تمكين الأطراف من مراجعة قراراتهم ومواقفهم، كما أن إشارة البلاغ لوجود دعاوى قضائية تهم التسيير لا يعزز من شرعية قرار الحل على اعتبار بأن القضاء الإداري أصبح جزء من تدبير الشأن المحلي من زاوية المراقبة القضائية وهو ما أكدت عليه القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، على الرغم من الملاحظات الموضوعية التي أصبحت ترافق هذا الدور, وفي الأخير، يمكن القول، أن القرار المتخذ بحل مجلس الجهة، على الرغم من شبهة المشروعية التي ينطوي عليها، فإنه يحمل مخاطر على المدى البعيد، خاصة وأنه يوجه رسالة سلبية للممارسة اللامركزية بالمغرب وللجهوية المتقدمة التي لازالت تجربة فتية تعتريها عراقيل قانونية وموضوعية ومالية جمة، يجب العمل على مواكبتها ومساعدتها على حسن الانطلاق، دون المساس في عمق التجربة وفلسفتها في تكريس الديمقراطية المحلية وإشراك الجهات في التدبير الحقيقي للشأن العام. *أستاذ باحث بكلية الحقوق أكدال – الرباط