“البنوك التشاركية” وهي تخطو في المملكة المغربية بخطىًٰ وئيدةٍ ترجو أن تنشرَ من قيم المالية الإسلامية التي تقوم على أصول الشريعة ومقاصدها؛ مستفيدة من مزايا المغرب الدينية والتاريخية ومن حسن اقتباساته من التجارب السابقة في المجال سواء في البلاد العربية أو في غيرها … فهي إذا محاولاتٌ تستحق التقدير وجهودُ رجالٍ كانوا على الدوام حرَّاساً من أجل التفعيل المستجاد لهذا المشروع الكبير والذي لا تنتهي تحدِّياته التنظيرية والتطبيقية؛ ومن أبرز الوجوه البارزة في هذا المجال والتي رفعت عن الأمة المغربية إثم الفرض الكفائي بتذليل الصعاب واقتحام مُسكَّرات الأبواب حتى تيسرت كثيرٌ من المُعسِّرات: الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي وبشخصيتها الفذة في العمل الدؤوب والسعي الرشيد صبراً واحتساباً فضيلة الدكتور عبد السلام بلاجي وفقه الله تعالى ومن معه من إخوانه الذين أضفوا على هذا المجال مِسحةً من الجِدِّية والتفاعلية داخل الوطن وخارجه؛ من شركاء في الجمعية أو متعاونين في نفس المجال من العلماء والخبراء؛ كالدكتور عبد الرحمن الحلو قيدوم الصيرفة الإسلامية بالمغرب في إرهاصاتها الأولية سنة 1988م مع المرحوم علي الكتاني مؤسس بنك الوفا، وكالدكتور المتحرر عمر الكتاني وكالدكتور المُحرِّر محمد قيراط ومؤسسة “دار الصفاء” للنوافذ البديلة في أسبقيتها الواعدة.. وغيرهم من أهل التخصص الفضلاء الذين تتوجت جهودهم بالإصرار البليغ من حزب العدالة والتنمية الذي استلم المِشعل لخوضِ المسار التشريعي في قبة البرلمان بعرض مشروع قانون في مستهل سنة2011م في نحو تسع دورات تشريعية انتهت بمصادقة حكومية برئاسة السيد عبد الإله بنكيران وفقه الله لم تخل من مشاكسات ومماطلات .. ولولا ظلال حرية الربيع العربي وما فرَض من بعض شفافية وتوازنيةٍ؛ لكان من المحتمل أن يُجهض المشروع بمكالمةٍ هاتفيةٍ كما حدث في سنة1989م بعد الإعلان عن بوادر الإنطلاقة بإعلان في جريدة Le Matin du Sahara ارتجَّتْ له جل الدوائر المالية والسياسية وبحساسية تستعصي عن التفسير!! بحسب شهادة الدكتور الخبير عبد الرحمان الحلو في مقاله: (المغرب يفتحُ الباب أمام “البنوك الإسلامية”..مسلسل دام ثلاثين سنة..). حفظ الله الجميع وبارك في الجهود وبلغنا وإياهم أحسنَ القُصود .. ولا ننسى أن نشكر الأزمة المالية العالمية التي فرضت على بعض “طغاة المال” نوعاً من القسطاس مع الاقتصاد الإسلامي باقتراحه بديلاً للنُّظم الاقتصادية المتأزمة؛ وأن الغربَ كان أنصفَ للإسلام من أهله إذ أدرَك أن النظام المالي المتوازن عند المسلمين هو الذي أقنعَ وطوَّع بلاد الغرب للفتوحات الإسلامية التي لم تقدُم بسيف ولكن بتنظيم إداري محكم ما زالت آثاره مُعلمة في الحضارة الإنسانية جمعاء؛ لولا ما في الغرب من الجحود والاستكبار .. فتحريم الربا وتحريم الضرر وتحريم الغرر وإيجاب الملكية الحقيقية وتوزيع الربح والخسارة تعاوناً وتضامناً هي متون الأمانِ في الشريعة الإسلامية لاقتصاد البشرية كما في بعض كتابات الدكتور عمر الكتاني عن الاقتصاد الإسلامي الرؤية والرهانات والتحديات … ولذا فمن الواجب على من يُعايش هذه المرحلة في السوق المالي المغربي أن يكون متجاوِباً بالإيجاب وأن يقدر الأمور حق قدرها وأن يعذر الناس فيما عجزوا عنه؛ فمن العيب الكبير أن نستقبل خيرة المناضلين من علماء وخبراء من أجل تصفية ما تيسر من المجال الاقتصادي في ظل عالم رأسمالي متغوِّل؛ بالتنقيص والتبخيس ودون أيِّ جهد لا في التطوير ولا في التأسيس … ويتأكد الذمُّ حينما يَصدُر من فئات من المبتدئين أو من غير المتخصصين ممن لا يعرفون من أحكام الفقه شيئا فضلاً عن المعاملات بمقاصدها وقواعدها ودقائقها وفروعها وفروقِها فضلاً عن مضايق المالية الإسلامية ونوازلها المعاصرة وتحدياتها المتشابكة قانونيا واجتماعيا، الشائكةِ اقتصاديا وسياسيا… فرحم الله امرأً عرف قدره، ولا يلتفتن مسلم إلى إرجاف المرجفين من السلبيين والمدسوسين الذين نذروا أنفسهم لتبخيس جهود من يشعل شمعة بدل لعن الظلام؛ وإلا فالعاقل لا يتطلب الكمال في واقع يعسر فيه الممكن، ونحن نتحرك في إطار فقه الازدحام ولسنا متمتعين بظروف فقه السعة والاختيار .. والواجب هو أن تتكاثف الجهود لإنجاح التجربة؛ فكل عمل يبدأ ضعيفاً ثم يقوى ولا يمكن أن يقوى ما لم يبدأ ؛ وكل من يسعى في النقد الهدام دون سعي في الإصلاح والترشيد ؛ فما هو إلا معول هدمٍ لتبقى الأمة متخلفة مستعبدة مستبعدة .. كما هو في مجالات أخرى غير الاقتصاد كالسياسة وكالإعلام وكالفنون؛ فما أكثر من يتشكى من المسلسلات الفاسدة والجامعات الموبوءة ولكن لا أحد -إلا من رحم الله-يحاول أن يقتحم الإعلام الهادف بإنارةٍ وإثارة ولو فعل أحدٌ ما وتحمل بعض المكروهات لما وجد من يعينه بالرخص والإعذار مع أنهم يترخصون في الشئون الخاصة بأوسع الطرق فإذا احتاجت الأمة العامة للترخص ضيقوا عليها وتطلبوا العزائم في غير بابها واتهموا الفاتحين بالتمييع والمخالفة ولعمر الله ما المخالف سوى هؤلاء فلا فقهاً فقهوا ولا ديناً دعموا ولا بأمة نهضوا .. ونحن هنا نُثَمِّنُ الجهود المبذولة في هذا الباب ونخص بالذكر من هم أقرب إلينا رُحْماً من إخواننا العلماء في المجلس العلمي الأعلى ولِجانه المُعيَّنة لمزاولة واجب الرأي والمشورة والتدقيق حسب احتياجات المؤسسات وما تجريه من عقودٍ ماليةٍ أو ما تقترحه من منتوجاتٍ مصرفيةٍ … فجزى الله خيراً من اقتحم صعوبات البدايات وتحمل عن الأمة ما فيها تَبِعاتٍ؛ ولكن العاقبة ستكون حميدةً بإذن الله لأن من كانت بداياته محرقة فلا بد أن تكون نهاياته مشرقة .. ولا أنسى هنا ما حدثني به الرجل الصالح شيخ الصيرفة الإسلامية الشيخ الراجحي صاحب بنوك الراجحي الشهيرة من كونه في أول بداياته البنكية في السبعينات تقريباً؛ لم ير الطريق سالكاً من كثرة الشبهات والعراقيل؛ فاستشار الشيخ ابن باز وشيخه المفتي العام إذ ذاك محمد بن إبراهيم رحمهم الله تعالى؛ فنصحاه بالإقدام وقالا له: “إن لم يتحمل أحدٌ في البداية السابقة؛ فلن تتحسن أحوال الأجيال اللاحقة“. وقد سمعت هذه النصيحة بنفس المعنى من الشيخ ابن باز نفسه ومن غيره من علماء الإسلام المعاصرين والفقهاء المتخصصين وفي مقدمتهم إخواننا في اتحاد البنوك الإسلامية وإخواننا في هيئة المعايير الشرعية وكمؤسسة المعالي الخاصة وغيرهم جزى الله الجميع خير الجزاء .. ونسأل الله أن توفق كل الجهات التي لها يد في المشروع تقنيناً ورقابةً وتنفيذاً بحيث تؤدي الرسالة على الوجه اللائق بمصلحة الأمة في ظل محكماتها وثوابتها .. والله ولي التوفيق .. والحمد لله رب العالمين.