عرفت الحرب الاعلامية التي واكبت النزاع الصحراوي منذ بدايته توظيفا ممنهجا للعديد من الطروحات العنصرية المقيتة التي عزفت من خلالها أطراف النزاع على وتر الانتماءات العرقية والمناطقية، فتم استخدام عبارات ذات حمولة عنصرية واضحة على نطاق واسع في وسائل الاعلام الرسمية وعلى ألسن المسئولين والسياسيين. فطوال حرب عسكرية استمرت لحوالي 16 سنة، حاول أثناءها طرفا النزاع الرئيسيان المغرب وجبهة البوليساريو توظيف كل ما من شأنه أن يعزز طرحيهما السياسيين، بما في ذلك استغلال الانتماءات العرقية التي من شأنها أن تسهل عملية الحشد والتحريض، ساهم في ذلك غياب الوعي بمخاطر تلك الطروحات لدى فئات واسعة من الجمهور المخاطب لديهم. طروحات عنصرية مقيتة مناقضة لكافة القيم الانسانية والكونية التي رفعها أطراف النزاع، فلا "الوحدة الوطنية" تقبل ان يتم غرس الاحقاد في ما بين مكونات المجتمع الواحد، ولا قيمة "الحرية" التي تنبني عليها كل القيم الانسانية تجيز ان يتم احتقار فئة ما بسبب انتمائها العرقي أو المناطقي. فمن بين ما ينسب الى وزير الداخلية المغربي الأسبق ورجل النظام القوي إدريس البصري أنه وصف عناصر البوليساريو بعبارة "كمشة من البدو"، أما عبارة "صحراوا ضاسرين" فقد ترددت مرات عديدة على ألسن بعض المسئولين الأمنيين المغاربة أثناء مناقشة موضوع احتجاجات شهدها الاقليم في فترات سابقة، كان أشهرها ما نقل عن إحدى النائبات الصحراويات في البرلمان المغربي من أنها ووجهت بعبارات قدحية من مسئولين بارزين لدى محاولتها الدفاع عن حراك "كديم إيزيك" في الأوساط الرسمية. بدورهم مسئولو البوليساريو لم يكونوا أفضل حالا، فقد سقطوا مرارا في فخ الطروحات العنصرية المقيتة التي لطالما وظفوها من خلال الاعلام الرسمي التابع للجبهة وحتى في التصريحات المنسوبة إليهم، فعبارات من قبيل "الشلوحة" المستعملة في سياق قدحي، والتي تحيل في المخيال الشعبي الصحراوي على "المغاربة"، لطالما وردت في تصريحات مسئولي البوليساريو، كان آخرها التصريح الذي أدلى به القيادي البارز في الجبهة البشير مصطفى السيد في إحدى اللقاءات التواصلية تزامنا مع أزمة الكركارات التي زادت فيها حدة التصريحات الاعلامية التصعيدية لدى الطرفين. الامر نفسه حدث بالنسبة لموريتانيا التي حاول نظامها الترويج للكثير من الصور النمطية في حق الصحراويين أثناء سعيه للتعبئة الشعبية لصالح موقفه المؤيد للدخول في النزاع العسكري الصحراوي في سنوات النزاع الأولى سعيا للمطالبة بالاقليم، وما واكب ذلك من حملات تجنيد وعمليات اعتقالات واسعة للمؤيدين للبوليساريو، قبل ان تقدم موريتانيا على الانسحاب من حرب تركت جراحا غائرة في المخيال الجمعي الصحراوي والموريتاني على حد السواء، بسبب الانتهاكات الانسانية المتبادلة، المصحوبة بتحريض إعلامي قوي لا يزال مفعوله مؤثرا رغم تعاقب الأجيال. أما شعبيا فسيلعب اختلاف الثقافات والسلوكات المرتبطة بها، ما بين المنتمين الى المجال الصحراوي المتسم بالبداوة وضعف السلطة في فترات طويلة من الزمن، وبين أقاليم داخل المغرب المتسمة بالتمدن وبالحضور القوي للسلطة عبر التاريخ، سيلعب دورا أساسيا في صعوبة التواصل بين ساكنة الاقليم من الصحراويين ومن الوافدين من داخل المغرب، كما سيشيع استعمال العديد من العبارات ذات الحمولة العنصرية الواضحة، التي تزداد حدة أثناء الحراكات الاحتجاجية التي تشهدها المنطقة والتي تأخذ منزلقات ذات طبيعة شعبوية في بعض الأحيان، عدى عن رواج الكثير من الصور النمطية لدى كل طرف عن الطرف الآخر، فقد يرتبط العنصر الصحراوي بالفوضى والبداوة والتخلف في ذهن المواطن المنتمي الى أقاليم داخل المغرب، في حين يربط الكثير من الصحراويون بين الوافدين من مدن الشمال وبين صفات قدحية من قبيل الجبن والبخل وغير ذلك من الأوصاف السلبية النمطية. تأثيرات تتجاوز المواطن العادي لتصل حتى الى من يفترض أنهم مثقفون وشخصيات عامة وحتى قيادات سياسية ومجتمعية، حيث تحفل الخطابات والكتابات المنشورة في وسائل الاعلام وفي وسائط التواصل الاجتماعي بالكثير من العبارات القدحية ذات الحمولة العنصرية التي من الناذر أن يتم مواجهتها أو رفضها من طرف الغالبية العظمى من القراء والمتتبعين، في حالة عجيبة من التعايش مع انحراف فكري وانساني بات من الواجب مواجهتهه، في ظل حالة التطبيع والتّقبل التي يبديها الجميع معه. فالخلط بين ماهو سياسي وماهو عرقي أو فئوي أو حتى مناطقي، يبرز مدى جهل وضعف إيمان بعض من يدعون أنهم مؤمنون بآراء سياسية توظف قيما انسانية وكونية من قبيل "الحرية" و"تقرير المصير" أو "الوحدة"، وفي نفس الوقت يتبنون فكرا عنصريا شوفينا يصورون أنفسهم من خلاله على أنهم أفضل من الآخرين لمجرد انتماءهم لعرق أو لمنطقة معينة!