- طالب بكلية الاداب و العلوم الانسانية جامعة إبن زهر شعبة السوسيولوجيا,فاعل جمعوي بمدينة طانطان
(3) الشباب الصحراوي و ظاهرة الحركات الشبابية الداعية للتغيير
لقد إستشرت ظاهرة الحركات الشبابية الداعية للتغيير في أوصال الجسد العربي كالترياق الشافي من أسقام الدكتاتوريات العربية، بدءا بأصغر أعضاء ذلك الجسد (تونس) مرورا بأكبرها و أكثرها تأثيرا في تاريخه و حركيته الحضارية (مصر،سوريا). تلك الظاهرة لم تسقط فقط بعض الدكتاتوريات العربية، ومن تبقى ليس ببعيد، بل و أسقطت كذلك الارث التجزيئي للعالم العربي الذي خلفه الإستعمار الغربي، و الذي كانت تتغذى عليه تلك الأنظمة من خلال خلق حالة من الصراع و التشردم بين شعوب الأقطار العربية، لضمان إستمرار ملكها و تربعها على العرش و لو على مأسي الشعوب (غزو العراق للكويت،الحرب بين السودان و التشاد،المغرب و الجزائر، ليبيا و التشاد...)، حيث ما فتئت تروج للإختلاف بين الشعوب العربية إما على أساس عرقي أو قبلي أو ديني أو طائفي مذهبي... وأن مقولة العالم العربي مجرد أسطورة تسكن مخيال الشعوب العربية و لا وجود لها على أرض الواقع. إذا كان العالم العربي جسدا واحدا كما أثبتت الأحداث الراهنة التي يشهدها العالم العربي، بحيث إذا شفي منه عضو هللت له سائر الأعضاء بالفرحة و الإستبشار، هل هذا يعني أن الشباب الصحراوي غير بعيد عن تأثير ظاهرة الحركات الشبابية الداعية للتغيير على طول العالم العربي؟ ثم ما مدى هذا التأثير إن وجد؟ وما هي مظاهره؟ وهل هناك حركة أو حركات شبابية صحراوية كتلك التي يشهدها العالم العربي؟ و ما أوجه التشابه و الإختلاف بين الأولى و الثانية؟ و بشكل خاص ما علاقة الشباب الصحراوي بحركة 20 فبراير بالمغرب؟ صحيح أن الشباب الصحراوي هو امتداد للشباب العربي، لاكن ذلك لايعني التماثل الكلي معه، لظروف خاصة سياسية و جغرافية... غير أن تلك الظروف لا تفصله عن عمقه العربي، بقدر ما تؤثر على درجة و أشكال الإرتباط كما و كيفا، وبناء على تلك الظروف و بالخصوص السياسية منها، و لطالما علمنا التاريخ أن بؤس الشعوب من بؤس السياسة. لهذا فإن تعاطينا مع موضوع "الشباب الصحراوي و ظاهرة الحركات الشبابية الداعية للتغيير" سيأخذ بعين الإعتبار تلك الظروف التي خوصصة الحالة الشبابية الصحراوية، من خلال تباين الخصوصية السياسية السائدة في الصحراء الغربية المختلفة عن الوضع السياسي الذي تعرفه بقية البلدان العربية، فالشباب التونسي مثلا وجه ثورته صوب إسقاط النظام السياسي الممسك بزمام الحكم في الدولة الوطنية، و بالتالي فإن نضاله كان من داخل المجال الوطني الذي يُجمع كل التونسيين عليه شعبا و نظاما، محكومين و حاكما. و نفس الشيء بالنسبة للشباب الأردني الذي نادى بالإصلاحات من داخل الدولة القطرية (الوطن) التي لا يختلف الأردنيون عليها كمجال ترابي للهوية الأردنية. نظرا للإرث و الواقع السياسي الماثل أمام الشباب الصحراوي، جعل قسما من هذا الأخير ليس أمام صراع مع نظام سياسي قصد الإصلاح او التغييرالجذري، في إطار مجال جغرافي و سكاني (الوطن) مشترك لا يختلف عليه الغريمان، كما هو الشأن بالنسبة للدول العربية الأخرى وهو ما أشرنا إليه سابقا من خلال كل من نموذج تونس و الأردن. إن هذا الفئة من الشباب الصحراوي تصارع من خارج الحدود الوطنية التي رسمها النظام السياسي المغربي، لهذا فإنه من التعسف المنهجي أخذ الشباب الصحراوي ككثلة واحدة، وبناء على الملاحظات و بالخصوص الملاحظة بالمشاركة التي راكمتها حول توجهات الشباب الصحراوي السياسية و طبيعة الهوية الوطنية التي يحملونها، يمكن الأخذ بثلاث فئات ساهمت عدة عوامل متداخلة في تشكيل هويتها كل على حدى، و بالتالي إ ختلافها على مستويات تعاطيها مع موضوع الدراسة. لن أحسم في تفاضليتها العددية لأن الأمر يحتاج إلى بيانات و إحصاءات ، هي غير متوفرة و يستحيل توفرها في مثل هاته القضية الطابوهاتية، أما عن إمكانية الإستعانة بالملاحظة في هذا الشأن، فإنه سيوقعنا في تعسف منهجي لأن الملاحظة قد تصدق للتفييئ و التصنيف، و لكنها لا تصلح للتعداد في ظواهر تحمل من المعاني الباطنية ما لاينعكس على ظاهرها. سأحاول إعطاء قراءة تغوص في البناء الفكري و السياسي و الهوياتي الذي أفرزته و بلورته عوامل و مؤسسات التنشئة الإجتماعية المتباينة الفعل و الأثر في تلك الفئات الثلاث، وسيتم التركيز بالأساس على البناء الفكري أو المرجعية الإديولوجية و مؤسسة الأسرة و البروبكاندا، و التي من خلالها سيتم تحديد طبيعة العلاقة الممكنة بين كل فئة و ظاهرة الحركات الشبابية الداعية للتغيير. الفئة الأولى: الشباب الصحراوي المغربي الهوية الوطنية: وهم الشباب الصحراويون المرتبطون فكريا و وجدانيا بالمغرب كوطن، لعدة عوامل أفرزت هذا الشعور بالإنتماء و الإنتساب، سنكتفي بثلاث عوامل رئيسية: * عامل الفكر الديني: و المتمثل بالاساس في نجاح بعض الحركات الإسلامية في إستقطاب شريحة من الشباب الصحراوي، وإخضاعهم لنوع من التنشئة الإجتماعية الثانوية، و بالخصوص في إطار الية الجاسات التربوية، التي تضم العديد من الأعراق و الثقافات المحلية التي يزخر بها المغرب، مما قوى لدى الشباب الصحراوي المنتمي لتلك الجماعات الإسلامية محورية الدين كمتغير أساسي في معادلة الإنتماء و اللاإنتماء. وهذا يظهر بشكل جلي في البناء الفكري للجماعات الإسلامية التي تأخذ مسافة من العمل السياسي (التيار السلفي ، الدعوة و التبليغ)، حيث الولاء بالنسبة للمنتسبين إليها للعامل الديني، بغض النظر عن العرق و القبيلة و الثقافة المحلية بل وحتى الوطن القطري، و الذي يزيد من إرتباط هذه الشريحة من الشباب الصحراوي بالهوية الوطنية المغربية كون تلك الجماعات تجهل(من الجاهلية الدينية و ليس المعرفية، إنطلاقا من حديث نبوي جاء فيه على أن كل من مات و ليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية) كل من يخرج عن الإمام ( والمقصود في هاته الحالة الملك أو أمير المؤمنين محمد السادس) ما دام هذا الأخير لم يشاهر بالمعصية و الكفر و لم يمنع المسلمين من أداء واجباتهم الدينية، حتى ولو إستبد سياسيا و حقوقيا و إقتصاديا. بناء على ذلك يتضح على أن هاته الشريحة من الفئة الأولى بعيدة تمام البعد عن التأثر بظاهرة الحركات الشبابية الداعية للتغيير بالعالم العربي، خصوصا وأن هاته الأخيرة تتخذ من التظاهر السلاح الأمثل للدفع و التغيير و تحقيق مطالبها، فيما يعتبر فقهاء الحركات الإسلامية( وبالخصوص التيار السلفي) التي ينتمي لها هذا الصنف من الشباب الصحراوي التظاهر سلوك غير مشروع دينيا و يرقى أحيانا إلى التحريم. وعلى عكس الحركات الإسلامية الزاهدة في العمل السياسي، رأت الحركات ذات التوجه السياسي في العمل السياسي منفذا لإسقاط الإستبداد بكل تمظهراته، و إقامت نظام سياسي يتوافق مع قيم المجتمع الإسلامي، وعلى رأسها حركة العدل و الإحسان، في حين أثرت حركة التوحيد و الإصلاح مشروع الإصلاح من داخل النظام السياسي القائم عبر دراعها السياسي حزب العدالة و التنمية. هاتين الحركتين و بحكم توجههما السياسي جعلتا الشباب الصحراوي المنتسب إليهما و المتشبع بأفكارهما أكثر تأثرا و تفاعلا مع الأحداث و التحولات التي يشهدها العالم العربي، وذلك راجع إلى التكوين السياسي و النقابي الذي تلقاه هذا الشباب داخل الهياكل السياسية و النقابية لتلك الحركتين. فكان من غير المستغرب أن نرى الشباب الصحراوي المؤطر من قبل تلك الحركتين(خاصة حركة العدل و الإحسان) يقود المسيرات الدورية لحركة 20 فبراير بمختلف مدن الصحراء الغربية، غير أن حجم تلك المسيرات و بالخصوص حجم حضور الشباب الصحراوي بها، يؤكد ضعف القدرة الإستقطابية لتلك الحركات، وحتى تلك النسبة القليلة من الشباب الصحراوي التي تخرج للتظاهر و المشاركة في مسيرات حركة 20 فبراير لاتمثل كلها فئة الشباب الصحراوي المغربي الهوية الوطنية، بل هناك حضور لعناصر من الفئتين الأخريتين، و اللتان تخرجان بأهداف و غايات أخرى بعيدة عن الأهداف التي سطرتها حركة 20 فبراير، و التي سنتطرق لها في معرض حديثنا عنهما. قد يرى البعض على أن إيلاء هذه الأولوية للعامل الديني (المتمثل في الحركات الإسلامية) مبالغة في تقييم أهمية و محورية ذلك العامل في صنع و توجيه الرؤى و الأفكار و السلوكات السياسية و الهوياتية لدى الشباب الصحراوي، ألا أن الواقع و تاريخ النظريات الإجتماعية يعززهذا الطرح المتمثل في الأهمية الكبرى للدين في أداء المنظومة المجتمعية، من ماكس فيبر الذي أبرز دور البروتستانتية في إقامة المجتمع الرأسمالي، إلى النموذج الوظيفي كما طرحه إميل دوركايم الذي يرى في الدين دورا أساسيا كأداة رئيسية لإحداث التماسك الإجتماعي، وحتى ماركس عندما أسقط الدين من حسابه، إنما ليؤكد ضمنيا على أهميته لكونه يشكل عامل كبح لمشروعه الثوري. * عامل الأسرة و البيئة المحيطة: تعد الأسرة الفضاء اللأساسي للتنشئة الإجتماعية الأولية بالنسبة للفرد، مما يؤهلها لتأثير و بشكل كبير في تشكيل شخصيته و هويته الخاصة و العامة، وهو المعطى الذي خلصت إليه مدرسة التحليل النفسي على يد رائدها سيغموند فرويد، وعززته الدراسات السوسيولوجية المعاصرة. و السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه على الأسرة في علاقتها بالموضوع، ما طبيعة الأسرة الصحراوية التي أسهمت في إنتاج الشباب الصحراوي المغربي الهوية الوطنية؟ سؤال صعب التحديد و الإحاطة بجوانبه الجزئية، في ظل الإعتماد على الملاحظة، و ترسبات الذاكرة لواقع مؤسسة الأسرة الصحراوية، و في غياب معطيات أشمل و أدق، سأكتفي ببعض المحددات و المميزات العمومية لطبيعة الأسرة التي أسهمت في تشكيل الهوية الوطنية المغربية للشباب الصحراوي: البعد عن السياسة. التدين بالمعنى و الحمولة الصوفية و السلفية. المستوى الإقتصادي الجيد و الابأس به. عدم و جود مناضلين في قضية الصحراء داخل الأسرة النووية و الممتدة. عدم تعرض الأسرة و المحيط العائلي لنتهاكات من قبل الأجهزة المخزنية. عدم و جود أفراد من الأسرة النووية أو الممتدة بمخيمات تندوف. و جود الأسرة في بيئة جغرافية بعيدة عن أجواء الصراع و التجييش و المخزنة. * البروبكاندا: إن الاجهزة الإديولوجية للنظام السياسي المغربي و على رأسها الإعلام، تمارس نوعا من الدعاية للهوية الوطنية المغربية، من خلال ما تبعثه تلك الأجهزة من قيم و ما تكرسه من أنماط سلوكية على شاشات القنوات الحكومية، التي تبدأ برامجها اليومية و تنهيها بالنشيد الوطني المغربي، المرفوق بصورة الملك و العلم المغربي الممتد على خارطة تمتد من طنجة إلى لكويرة. هذا بالإظافة إلى تغطية الأنشطة الملكية على مدار نشرات الأخبار المتعددة اللغات و اللهجات ومن الغريب في الأمر عدم وجود نشرة أخبار باللهجة الحسانية إلى أن تم إحداث محطة العيون الجهوية . أما على المستوى التربوي فإن المقررات الدراسية بكل المستويات، تزخر بمواضيع تكرس الإنتماء اللاواعي للهوية الوطنية المغربية، كما يتم إغراق تلك المقررات الدراسية بتاريخ المغرب المنتقى بعناية، لربط النشأ بهذا التاريخ، خاصة المميز منه، مما يشكل لديهم نوع من الشعور و الإحساس الفخري بالإنتماء لهذا التاريخ المجيد. و من أبرز الأوجه الدعائية على مستوى المعيش اليومي حضور صور الملك محمد السادس داخل المؤسسات العمومية التربوية و الإدارية و الصحية و في المحلات التجارية... بالإضافة إلى الأعلام المرفرفة فوق أسطح البنايات،كما لا يمكن إغفال الأعياد الوطنية و الخطابات الملكية المرافقة لها، و ما لها من تأثير على المسار التنشئوي للهوية الوطنية للشباب الصحراوي. إن هذا السيل الجارف للبروبكاندا الذي تعرض له الشباب الصحراوي على مدى مختلف المراحل العمرية التي مروا منها قبل أن يصل بهم المطاف إلى مرحلة الشباب، لا يمكن أن لا يكون له تأثير بل وتأثير كبير على الهوية الوطنية للشباب الصحراوي و المتمثلة بالأساس في توجيههم نحو الإرتباط بالهوية الوطنية المغربية، بل و الدفاع عنها كحتمية و جودية، نتيجة للإستعدادات المتشكلة لديهم و المؤسسة في نظام الأشياء و الرموز التي لا يستطيعون سوى تأكيد هذا الحكم(الهوية الوطنية المغربية) المسبق و بإستمرار. و هذا يندرج ضمن ما يسميه عالم الإجتماع "بيير بورديو" العنف الرمزي، و هو عبارة عن عنف لطيف و عذب، و غير محسوس، و هو غير مرئي بالنسبة لضحاياه أنفسهم، يمارس عبر الطرائق و الوسائل الرمزية الخاصة كالكلام و التعلم و التربية و الثقافة... فيلحق الضرر بالغير بطريقة لا يثير إنزعاجه، بل إن الذين يمارس عليهم هذا العنف قد لا يعتبرونه عنفا، و قد يساهمون في إنتاجه و ترويجه كأنه حتمية وجودية، إذ يتلقى الناس أفكارا و أراء و مسلمات كأنها حقائق مطلقة و ثابتة و يقبلونها بكل تلقائية و تسليم. تتضافر تلك العوامل الثلاث: الفكر الديني المتمثل في الحركات الإسلامية، و الأسرة و محيطها، ثم البروبكاندا، بالإضافة إلى عوامل أخرى لاحقة، لتشكل الإستعدادات و الظروف الرئيسية لخلق تلك الفئة من الشباب الصحراوي المغربي الهوية الوطنية. و كما كان لتلك العوامل من أثر كبير في تلك الفئة، فإن عوامل أخرى، بل و نفس العوامل و لكن في ظروف و سياقات مغايرة أفرزت الفئة الثانية التي هي على نقيض من الأولى. الفئة الثانية: الشباب الصحراوي ذو الهوية الوطنية الصحراوية: إن هاته الفئة من الشباب الصحراوي مرتبطة شديد الإرتباط بثقافتها المحلية و بجذورها العرقية، معتزة بثراتها الحساني، تنزع إلى الماضي و الثرات أكثر مما يستهويها الحاضر و المستقبل و أشكال العصرنة، تنهل خصوصيتها من ذلك الماضي و الثرات، في الأزياء و الأشعار و الأغاني و الأمداح، الممجدة للإنسان الحساني، و المعلي من شأنه خلقا و خلقا، سلما و حربا، هذا الثرات الغني بتاريخ نزاع قضية الصحراء، و ألام الأسر الصحراوية المكلوبة بوفاة أو فقدان عزيز أو قريب، هذا الجانب من الثرات سوف يشكل المادة الأولية للبروبكاندا المضادة التي ستعتمدها جبهة البوليزاريو، خاصة بعد الثورة التكنولوجية وما وفرته من وسائل للترويج لتلك الدعاية المضادة. وعلى العموم يمكن تتبع ثلاث عوامل رئيسية شكلت الهوية الوطنية الصحراوية لدى هاته الفئة من الشباب الصحراوي: * الأسرة و البيئة المحيطة: كما خلصت سابقا إلى أن تحديد طبيعة الأسرة الصحراوية التي أسهمت في تشكيل نوع الهوية الوطنية للشباب الصحراوية، أمر غاية في الصعوبة في ظل المعطيان المتوفرة، و التقنيات المعتمدة في تحصيلها، مما لا يدع لنا مجالا للإكتفاء ببعض المحددات و المميزات العمومية للأسرة التي أسهمت في تشكيل الهوية الوطنية الصحراوية :
الإرتباط بالسياسة. التدين بالمعنى الشعبي. المستوى الإقتصادي الابأس به و الضعيف. وجود مناضلين في قضية الصحراء داخل الأسرة النووية و الممتدة. تعرض الأسرة و المحيط العائلي لنتهاكات من قبل الأجهزة المخزنية. وجود أقارب من داخل الأسرة النووية او الممتدة بمخيمات تنذوف، خاصة إذا كانوا من القيادات و المسؤولين في جبهة البوليزاريو. وجود الأسرة في إحدى بؤر التوثر و النزاع، وغلبة أجواء التجييش و المخزنة. * البروبكاندا: لطالما إعتمدت جبهة البوليزاريو على وسائل دعائية تقليدية لنشر الهوية الوطنية الصحراوية بين صفوف الصحراويين، من خلال الأشعار و الأغاني الصحراوية الثورية و الحكاية الشعبية، التي تمجد قادة الجبهة و نضالاتهم و تصويرهم كأبطال. و الملاحظ على أن كل هاته الوسائل تعتمد الرواية الشفهية بالأساس، بعد أن يتلقفها الصحراويون عبر الحربة الإعلامية لجبهة البوريزاريو، وهي المحطة الإداعية التابعة لها، غير أن الثورة التكنولوجية عززت من قدراتها على إستقطاب الشباب الصحراوي و تشكيل الهوية الوطنية الصحراوية لديهم، من خلال مواقع الإنترنيت التي تشرف عليها، الحافلة بكل ما يمكن أن يربط الشباب الصحراوي بها، من مقاطع فيديو و صور و كتابات داعمة لها، و مناهضة للنظام السياسي المغربي، و التي تظهر فيها أعلام الجبهة و قياداتها، مرفوقة بإستعراضات عسكرية إحياء لإحدى المحطات التاريخية التي طبعة تاريخ جبهة البوليزاريو. فترى العديد من الشباب الصحراوي يملأون هواتفهم النقالة بمقاطع الفيديو تلك و التسجيلات الصوتية(الأشعار و الأغاني الثورية) و الصور، و يتبادلونها فيما بينهم. لقد كان للتطور التكنولوجي دور كبير في ربط هذه الفئة من الشباب الصحراوي بفكرة الهوية الوطنية الصحراوية و عدم الإرتباط بالهوية الوطنية المغربية، فقد إستغلت جبهة البوليزاريو إقبال الشباب بصفة عامة على مظاهر التكنولوجيا الحديثة، بإعتبارها القناة الفعالة لنشر تلك الهوية المضادة لما تطرحه بروبكاندا النظام السياسي المغربي. * الفكر الماركسي: ظهور جبهة البوليزاريو و دعوتها إلى قومية وطنية صحراوية خارج القومية الوطنية المغربية، كان نتيجة لتأثر قيادات الجبهة بالفكر الماركسي، بل وتمكن بعضهم من الإلتقاء برموز هذا الفكر، إبان فترة الحرب الباردة و التنائية القطبية، حيث طرح الإتحاد السوفياتي فكرة تقرير المصير على مجلس الأممالمتحدة سنة 1963م، و كان الأول من المدافعين عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، بل و دعمه في ذلك من خلال بعض الدول العربية ذات النظام الإشتراكي المجاورة للمغرب، لذلك إرتبطت فكرة الهوية الطنية الصحراوية بالفكر الماركسي و مبادئه الثورية. لذلك نجد على أن الكثير من الشباب الصحراوي الحامل لتلك الهوية شديد الإرتباط بالفكر الماركسي، و هذا الإرتباط نجده بالخصوص عند الشباب الصحراوي المتعلم الذي درس بالجامعة، و تعرف على الحركات الطلابية الماركسية، التي تناصر و تؤيد إنفصال الصحراء عن المغرب، بل وهناك علاقات و طيدة بين الحركة الطلابية الصحراوية ذات الهوية الوطنية الصحراوية و الحركات الماركسية خاصة اللينينية منها. إن هاته الفئة من الشباب الصحراوي بعيدة كل البعد عن الإنخراط في حركة 20 فبراير الشبابية، لأنها تعتبر مطالب هاته الحركة شأن داخلي مغربي، لا علاقة للصحراويين به و بقضيتهم التي تخرج عن نطاق مطالب هاته الحركة، و في حالة إنخراط بعضهم فإنه يكون نتيجة لمطالب أنية إجتماعية ملحة و عاجلة، لا بهدف المطالبة بإصلاحات دستورية سياسية، كما هو الشأن عند الشباب الصحراوي المغربي الهوية الوطنية. و هذا الأمر يظهر بشكل جلي في جمعيات و تنسيقيات المعطلين الصحراويين التي تنظم إلى مسيرات حركة 20 فبراير في معظم مدن الصحراء، بل و تكون المبادرة من طرف حركة 20 فبراير، التي تقوم بتبني مطالب هاته الجمعيات و التنسيقيات. أما أن يكون لهاته الفئة من الشباب الصحراوي تحركات شبيهة بالتي حصلت و تحصل بالعديد من البلدان العربية، فإن معالمه لم تتبدى بعد لا على مستوى العالم الإفتراضي أو الواقع المعيش. الفئة الثالثة: الشباب الصحراوي البراغماتي: تتعدد مستويات هذه الفئة نفسها بتعدد مستويات البراغماتية، بدءا من البراغماتية الهادفة إلى الإبتعاد عن كل منغص، أو ما يمكن أن يجلب المتاعب، و بالتالي لا مع هذا الطرف أو ذاك، أو مع الطرف الأقوى، وصولا إلى أعلى مستويات البراغماتية، حيث يوجه قسم من هاته الفئة وجهه أين ما إتجهت مصلحته المادية، حيث لا مكان بالنسبة له لشيء إسمه الهوية الوطنية. على العموم فإن هاته الفئة بعيدة عن ان تكون لها هوية وطنية متجذرة و راسخة، و إن بدت لها فإنما هي رهينة بالمصلحة الذاتية. و بالتالي فإن الرهان عليها للفعل و الحراك، يبدو بعيد المنال في علاقته بموضوع "الشباب الصحراوي و الحركات الشبابية الداعية للتغيير"، اللهم إن تم توظيفها من جهة أو أخرى لأغراض بمقابل مادي، لهذا لن يتم التفصيل فيها و في بنائها السوسيو سيكولوجي. خلاصة:
بناء على ما سبق يتضح على أن الشباب الصحراوي مختلف في تعامله، و تصوره لظاهرة الحركات الشبابية الداعية للتغيير، نتيجة للظروف الخاصة التي يتميز بها الوضع في الصحراء الغربية، لهذا كان من غير الممكن التعاطي مع هذا الموضوع، بإعتبار الشباب الصحراوي مثله مثل الشباب التونسي أو المصري أو الأردني... الذين يختلف و ضعهم عن وضعه، لهذا لم يكن مستغربا بطأ أو حتى عدم وجود ملامح حقيقية على ظهور حركة شبابية مثل تلك التي ظهرت في تلك البلدان، بل و حتى حركة 20 فبراير ليس لها حضور قوي في مدن الصحراء، نتيجة عدم إقبال الشباب الصحراوي عليها، بإستثناء بعض عناصر الفئة الأولى (الشباب الصحراوي المغربي الهوية الوطنية) و بالخصوص المنتمين إلى الحركات الإسلامية ذات التوجه السياسي، بالإضافة إلى شباب جمعيات و تنسيقيات الشباب الصحراوي المعطل من حاملي الشهادات، التي تضم الفئة لأولى إلى جانب الثانية(الشباب الصحراوي ذو الهوية الوطنية الصحراوية) التي لا يهمها من التنسيق مع حركة 20 فبراير سوى مطلبها الإجتماعي(الشغل)، وفي ما عدى ذلك تظل خارج الإطار الذي رسمته تلك الحركة لنفسها. لقد علمتنا الثورات التي عرفها و يعرفها العالم العربي، أن لا موعد لها و لا منجم متنبأ بها، لذلك يظل المجال مفتوحا على كل الإحتمالات، بحيث أن أحداثا و وقائع كانت من المألوفات بالعالم العربي صارت شرارات قوية لثورات كبرى أسقطت أنظمة سياسية عتيدة، و لعل أبرز تلك الوقائع إحتجاجات الشباب المعطل من حاملي الشهادات أمام مؤسسات الدولة، بل و زادت حدتها في الصحراء الغربية بعد الأحداث التي شهدها العالم العربي. مما يجعانا ننفتح على موضوع الحركات الإحتجاجية بالصحراء، من خلال جمعيات و تنسيقيات الشباب الصحراوي المعطل، التي تعد من أقوى مظاهر تأثر الشباب الصحراوي بالتحولات التي يشهدها العالم العربي، و مما لا شك فيه أن الفئة الأولى(الشباب الصحراوي المغربي الهوية الوطنية) والفئة الثانية(الشباب الصحراوي ذو الهوية الوطنية الصحراوية) من الشباب الصحراوي سيكون لهما الدور الرئيسي في رسم ملامحها، والتي تطرح العديد من التساؤلات حول مكوناتها؟ و طبيعة مطالبها؟ وما مدى تأثير الثورات العربية على مطالبها و حدودها الممكنة؟ و أشكالها النضالية؟ و أشكال التصعيد النضالي الممكنة لتلبية مطالبها؟ و كيفية تعامل السلطات معها و مع مطالبها؟ و نظرتها إلى حركة 20 فبراير و علاقتها بها؟؟؟