"التبرع بالدم مسئولية الجميع" جملة مكتوبة بخط عريض على حافلة مركونة بالقرب من شارع محمد الخامس، أشهر شوارع العاصمة الرباط وأكثرها شعبية بين المغاربة، خاصة وأنه يضم مقر البرلمان المغربي ومقر بنك المغرب.. الحافلة هي عبارة عن مركز متنقل لاستقبال المواطنين الراغبين في التبرع بالدم "للمساهمة في إنقاذ أرواح الكثيرين". خارج الحافلة تقف سيدة بوزرتها البيضاء في حديث مع شابين، "المغاربة لا يزالون لا يؤمنون بأهمية التبرع بالدم" تقول الممرضة ل"هاف بوست عربي" بعد أن فشلت في إقناع الشابين من أجل الصعود إلى حافلة المركز المتنقل، غير أنها سرعان ما ستنمحي ملامح الخيبة من علا وجهها لتنطلق في محاولة أخرى لإقناع مواطن آخر للتبرع لتدارك النقص الكبير الحاصل في مخزون الدم. تتكرر محاولات الممرضة مستعملة نفس الجمل التي قد تساعدها في إقناع أحد الأشخاص من أجل الصعود أولاً إلى الحافلة، وبعدها تحضيره للتبرع بنصف لتر من دمه، "في سبيل إنقاذ روح مواطن آخر" تختم الممرضة كلامها مع هشام ذي ال25 ربيعاً، والذي قبل أن يتبرع بدمه فهي تجربة غير مسبوقة بالنسبة له "إنها المرة الأولى التي أتشجع وأصعد إلى حافلة مركز التبرع بالدم، راودتني الفكرة في وقت سابق لكنها المرة الأولى التي أقرر فيها التبرع" يقول الشاب المغربي. ثقافة التبرع بالدم داخل المركز المتنقل للتبرع بالدم الذي يتوفر على أربعة كراسي طبية والمجهز لاستقبال المتبرعين بالدم، استقبلتنا خديجة بابتسامة وهي مستلقية بهدوء تنتظر أن يمتلئ كيس مخصص لحفظ دمها الذي تتبرع به منذ سنوات، "اعتدت على التبرع بالدم مرتين في السنة منذ 7 سنوات، ولا أنتظر الحملات التي تطلقها وزارة الصحة" تقول خديجة المدرسة الأربعينية، فبالنسبة لها فإن المغاربة لا يعرفون قيمة التبرع بالدم ولا يملكون ثقافة التبرع، وأكدت ل"هافبوست عربي" قائلة "إن من يتبرع لمرة واحدة فإنه سيستمر في ذلك بانتظام". قبل أن يأخذ هشام مكانه بين المتبرعين اللذين سبقاه لذلك، يخضع لمراقبة طبية من قبل الطبيب المكلف بالوحدة المتنقلة للتبرع، إذ أن الطاقم الطبي ملزم بفحص دقيق للمتبرع والتأكد من سلامته الجسدية قبل الموافقة على التبرع بدمه، "يجب أن نحرص على سلامة المتبرع، صحيح أننا نعاني من نقص في مخزون الدم، لكن يجب حماية المتبرع أيضاً" يقول طبيب الوحدة المتنقلة للتبرع. "العملية بسيطة أكثر مما كنت أتوقع" يقول هشام وهو يهم في النهوض من على الكرسي الطبي المخصص للمتبرع، بعد أن قضى حوالي 15 دقيقة، هي المدة التي تحتاجها الممرضة لملئ كيس من 450 مللتراً من الدم، أي ما يعادل 7 إلى 8 في المائة من الكتلة الدموية في جسم الإنسان. وفي مقابل ذلك فإن المركز يقدم بعض السوائل للمتبرع، "مفيدة وستساعده على تعويض ما تبرع به من الدم بسرعة" تقول الممرضة التي ختمت لقائها مع هشام ومع "هافبوست عربي" بطلب "إلي عرفتو شي حد بغا يتبرع جيبوه مرحبا به". 5 أيام من الاحتياطي.. "الدم يستنفر وزارة الصحة" "مخزون الدم يكفي فقط لثلاثة أيام في الرباطوالبيضاء" "خصاص حاد في بنك الدم".. هي عناوين لوسائل إعلام مغربية صدرت خلال الأسبوع الماضي، مباشرة بعد أن أعلنت وزارة الصحة عن إطلاق حملة عاجلة لتشجيع المغاربة على التبرع بالدم. فبالنسبة لمدير المركز الوطني لتحاقن الدم محمد بنعجيبة، فإن مخزون المستشفيات، على المستوى الوطني لا يتجاوز خمسة أيام، "الحد الأدنى يجب أن لا يقل عن سبعة أيام، وهو ما لا يتوفر حالياً في جل مستشفيات المملكة" يوضح المسئول المغربي. ويبقى المشكل الأساسي في تأمين احتياطي الدم في خاصية تخزينه، "إذ توجد أنواع لا تصمد أكثر من أربعة أيام، ما يفرض بالتالي ضرورة الاسترسال في عمليات التبرع بشكل دوري وبدون انقطاع". وتتزايد حاجيات الدم على المستوى الوطني منذ سنة 2012 بوتيرة سنوية متوسطة تصل إلى 22 في المائة، في حين أن عدد المتبرعين لا يتطور إلا بنسبة 6 في المائة كمتوسط سنوي. الخصاص في احتياطي الدم الذي تعرفه مستشفيات المملكة، يهم أساساً مدينتي الدارالبيضاءوالرباط، إذ أن الاحتياطي بالمدينتين لا يكفي سوى لأربعة أيام فقط، "بينما يجب أن يكفي مخزون الدم إلى حالته العادية لمدة عشرة أيام" يقول مدير المركز الوطني لتحاقن الدم. مدينة الدارالبيضاء القطب الصناعي والاقتصادي للمملكة تعاني أكثر من النقص، بالنظر إلى الانخفاض الحاد في عدد المتبرعين، "حملات المركز لم تستقطب عدد كاف من المتبرعين، فعلى سبيل المثال هناك خيمة للتبرع بالدم في منطقة مرس السلطان لا تستقطب سوى 30 متبرع، فيما نحن نحتاج إلى 400 متبرع". ويَرجع الخصاص المُسجّل على مستوى مخزون الدم إلى سببين حسب وزارة الصحة المغربية، الأول يتمثل في ارتفاع استعمال المنتجات الدموية في العلاجات المتنوعة، بنسبة 22 في المائة سنوياً، والثاني إلى انخفاض عدد المتبرعين في بعض فترات السنة، كالصيف والعطل المدرسية والأعياد؛ وهو ما يُصعّب تزويد المستشفيات بأكياس الدم. 4500 كيس من الدم بعد شهر على تعيينه وزيرا للصحة في التعديل الحكومي الذي شهده المغرب في 18 يناير الماضي، أطلق وزير الصحة الجديد أنس الدكالي، الاثنين الماضي حملة للتبرع بالدم والتي اختار لها شعار "التبرع بالدم مسؤولية الجميع"، وهي الحملة التي ستشمل مختلف المؤسسات من وزارات ومؤسسات عمومية وتعليمية. وتهدف القافلة التي ستجوب خمس جهات هي الرباطسلاالقنيطرة، والدارالبيضاءسطات، ومراكش آسفي، وفاس مكناس، وطنجة تطوانالحسيمة، إلى جمع 4500 كيس من الدم، بإشراف مباشر من مراكز تحاقن الدم في المدن الخمس الكبرى. وبالنسبة لوزير الصحة المغربي فإن "تعبئة المواطنين للتبرع بالدم يعد مبادرة إنسانية ووطنية"، وأن هناك عدة أشخاص يعيشون أوضاعا صحية صعبة تجعلهم في حاجة إلى حقن الدم بصفة مستمرة. الوعي بحاجة هؤلاء المرضى يجعل هشام الذي غادر المركز المتنقل للتبرع بالدم، يؤكد أنه سيعود مجدداً بعد أن تجاوز رهبة المرة الأولى، "تجربتي اليوم كانت مهمة وسأعمل على اصطحاب متبرعين جدد من أصدقائي"، والممرضة نجحت أخيراً في إقناعه حيث استجاب لوصيتها، لكن يبقى طموحها كبيراً في إقناع المغاربة بفوائد التبرع بدمائهم لتجاوز الخصاص الحاصل. *هاف بوست عربي | يونس بوجبهة