اقترن اسمها بحراك سنة 2007، كما ارتبط أيضا بالمُناضلة الأمازيغية "هنو وماروش"، التي تزعمت نضالات المرأة القروية، وظهرت في عدد من الفيديوهات على موقع "يوتيوب" وعلى قناة الأمازيغية تناشد الملك محمد السادس لزيارة منطقتها. إنها جماعة "تلمي" بإقليم تنغير التي لا تزال ساكنتها تترقب منذ الاستقلال شق الطريق الرابطة بين أمسمرير وأكدال أو تمتتوشت لفك العزلة عنها، ناهيك عن الحلم الدائم بطريق جيدة تربطها بامسمرير وبومالن دادس. "تلمي" كلمة أمازيغية تعني الخيط الرهيف من الصوف، وهو في الواقع الخيط الرفيع الذي يربط ساكنة هذه المنطقة بالتنمية، حيث لا تزال درجة التنمية بها متأخرة على مختلف الأصعدة، لافتقارها لأدنى الشروط الضرورية للحياة، والتي يمكن أن ترفع الغبن عن سكانها. فقر وتهميش الزائر لهذه الجماعة القروية الواقعة على الحدود بين أقاليم تنغير وميدلت وأزيلال، والتي تكسوها الثلوج كل شتاء، وتقسو الطبيعة على سكانها وسط إمكانيات مادية شحيحة لا تزال تلازمهم بعد عقود من الاستقلال، يبصر منذ الوهلة الأولى معالم الفقر والتهميش على مداشرها المتناثرة بين أحضان الجبال. وتصنف جماعة "تلمي" الواقعة على بعد 125 كيلومترا عن مركز مدينة تنغير ضمن الجماعات الفقيرة بجهة درعة تافيلالت وبالمغرب ككل، فمنذ الاستقلال لا تزال تعاني من تأخر في شتى مجالات الحياة، وتصارع ساكنتها من أجل البقاء في ظروف معيشية صعبة، تزايدت معها نسبة الهجرة نحو المدن وخاصة منها الأقاليم الصحراوية المسترجعة حيث توجد نسبة مهمة من ساكنة جماعة تلمي بمدن الداخلة والعيون. ورغم إحداثها كجماعة قروية تابعة لإقليم ورزازات منذ سنة 1959 قبل أن يلحقها التقسيم الإداري بإقليم تنغير أواخر سنة 2009، بقيت جماعة تلمي بدون طريق معبدة وبدون كهرباء إلى حدود سنة 2003 حيث استفادت من برنامج تعميم الكهربة القروية، بينما لاتزال الطريق التي تربطها بمركز امسمرير على طول 15 كيلومتر غير صالحة بعد تعثر الأشغال بها منذ سنة 2009 إلى حدود سنة 2015. وضع اجتماعي هش الوضع الاجتماعي لساكنة جماعة تلمي البالغ تعداد ساكنتها 11372 نسمة بحسب إحصاء 2014، موزعة على 23 دوار، وصفه محمد ابن تيزى، وهو من أبناء المنطقة ب"الهشاشة" وارتفاع نسبة الفقر، نظرا لاشتغال أغلب السكان بالأنشطة الفلاحية المعيشية البسيطة، والتي تتعرض للفيضانات المتتالية التي تتلف المحاصيل الزراعية وخاصة منها التفاح والبطاطس مما يحتم على الجهات المسؤولة التفكير في إحداث سدود تلية للحماية من الفيضانات. واعتبر ابن تيزى في تصريح لجريدة "العمق"، أن عجلة التنمية كُبحت بالعديد من القطاعات الحيوية التي ما فتئ السكان يطالبون بها ويلحون على ضرورة تزويد المنطقة بها لكون تلك المشاريع والمرافق من شأنها التخفيف من حدة التهميش بهذه المنطقة التي غادرها الكثير من سكانها في مقدمتهم الشباب، وذلك لانعدام أهم ضروريات العيش وهو الشغل، أمام تجاهل نداءاتهم من طرف المسؤولين. ومن جهة أخرى تبقى الخدمات الصحية من القطاعات الضعيفة جدا بجماعة تلمي، يؤكد المتحدث، حيث يوجد مركز صحي قرب مقر الجماعة ومستوصف بفرعية الجماعة بأيت مرغاد يتوفر كل واحد منهما على ممرضة، لكنهما يفتقران للأطباء، حيث يعود تعيين آخر طبيب بجماعة تلمي إلى سنة 2007. محمد مجي، أحد شبان دوار أيت توخسين، التابع لجماعة تلمي، وصف الوضع الصحي ب"المزري"، مؤكدا أن المستوصف الصحي يتوفر فقط على ممرضة تشتغل يوما واحد في الأسبوع، وهو يوم السوق الأسبوعي، في حين يقتصر دورها في تلقيح الرضع. وأوضح مجي أن غياب دار للأمومة، ومولدات، وطبيبة اختصاصية في التوليد، يفاقم من معاناة النساء الحوامل، حيث يضطررن للتنقل لأكثر من 15 كيلومترا إلى امسمرير، لوضع حملهن، هذا إن لم تكن حالتها خطيرة، ويُطلب من عائلتها نقلها إلى تنغير أو ورزازات أو الرشيدية. ومن جهة أخرى، تتميز البنيات التعليمية بتوفر الجماعة على إعداديتين ودار للطالب وأربعة مجموعات مدرسية، لكن مطلب إحداث السلك الثانوي التأهيلي بإحدى الإعداديتين يبقى اليوم مطلبا ملحا، يضيف المتحدث ذاته. عزلة وفوارق مجالية نبارك أمراو، الإعلامي والفاعل الجمعوي بمنطقتي امسمرير وتلمي، اعتبر أن التنمية المحلية بجبال امسمرير عامة تقتضي نوعا من الإبداع في صياغة برامج جماعية وجمعوية من شأنها فك العزلة الفكرية والثقافية والصحية والتربوية وأيضا الحقوقية على فئة فرض عليها الاستقرار بهذه المناطق التي لم تنل لا حظها ولا حقها في التغيير المنشود. وأكد أمراو الذي يترأس جمعية "تيرسال" للأسرة والتضامن والتنمية المستدامة أن مسؤولية واقع العزلة والفوارق المجالية التي لا تزال تتخبط فيها المنطقة تتقاسمها الدولة مع المنتخبين محليا إقليميا وجهويا وكذا ممثلي المجتمع المدني اعتبارا لضعف أداء مختلف هذه المؤسسات. ففي الوقت الذي تتجاهل فيه العديد من البرامج الرسمية هذه المناطق يزيد ضعف الخبرة وفن اتخاذ القرار لدى مدبري الشأن المحلي أكبر عائق يفرض التهميش والإقصاء على ألاف النساء والأطفال والشيوخ القابعين وسط مرتفعات دواوير جماعتي امسمرير وتلمي، يضيف رئيس جمعية "تيرسال"، في تصريح مماثل لجريدة "العمق". وبحسب أمراو، فالقطاع الوحيد الذي يعتبر أمل الساكنة هنا هي تلك المساحات المزروعة التي بدأت تندثر بفعل قوة فيضانات الصيف الناتجة عن تغير المناخ، الشيء الذي يقتضي من القطاعات الحكومية والمنظمات المانحة الالتفات إلى الفلاح والكساب الصغير بهذه المناطق في إطار برامج دعم الفلاح والعالم القروي والتنمية المستدامة والتكيف مع تغير المناخ والمحافظة على التنوع البيولوجي ودعم المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة، فكلها مجالات تصرف عليها ميزانيات ضخمة سنويا دون أن يظهر لها اثر يذكر في جل هذه المداشر الجبلية، وفق تعبير المتحدث. أما الحديث عن الصحة والرياضة والثقافة والفن والإبداع، فقد أوضح المتحدث ذاته، أن واقع المنطقة لا يزال خارج التاريخ، بل إن الساكنة أضحت مقتنعة أن هذه المجالات تهم فقط المدن والحواضر فقط.