الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    السكوري: الحكومة تخلق فرص الشغل    توافق وزارة العدل وجمعية المحامين    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    إقصائيات كأس إفريقيا 2025.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على مضيفه الغابوني (5-1)    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    السكوري يبرز مجهودات الحكومة لخلق فرص الشغل بالعالم القروي ودعم المقاولات الصغرى    المنتخب المغربي يقلب الطاولة على الغابون ويفوز بخماسية خارج الديار    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    فيضانات فالنسيا.. المديرة العامة للوقاية المدنية الإسبانية تعرب عن امتنانها لجلالة الملك على دعم المغرب لإسبانيا    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    حماس "مستعدة" لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب "للضغط" على إسرائيل    لقجع يهنئ سيدات الجيش الملكي    سانشيز يشكر المغرب على دعمه لجهود الإغاثة في فالنسيا    لقجع: في أجواء التوترات الجيوستراتيجية التي تطبع العالم مافتئ المغرب يؤكد قدرته على التعاطي مع الظروف المتقلبة    جثة متحللة عالقة في شباك قارب صيد بسواحل الحسيمة    وزيرة مغربية تستقيل من الحكومة الهولندية بسبب أحداث أمستردام    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة        تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رهانات مستقبل حزب العدالة والتنمية (2/2)
نشر في العمق المغربي يوم 05 - 01 - 2018

إن تكلفة الأزمة الداخلية التي عرفها حزب العدالة والتنمية، بعد زلزال إعفاء زعيمه بنكيران من تشكيل الحكومة، بحدتها غير المسبوقة وفي المتغيرات والتحديات التي تطرقنا إليها في الجزء الأول، هي تكلفة باهظة وخطيرة، إن على المستوى الداخلي إذا استمر الجدل الحاد وتصدَّع أساسُ الثقة، وإذا استمر الترقب الحذر لمآل الحوار الوطني؛ مما يؤدي إلى إهدار الطاقات والانشغال عن الدور السياسي للحزب ومؤسساته وقياداته وأعضائه.. أو على المستوى الخارجي في علاقة الحزب بتنامي "بلوكاج" التنمية المجتمعية، وتهديدات قوى الفساد والاستبداد، للتخلص من تركة عملية الإصلاح التي دشنتها مرحلة ابن كيران، ولإزاحة الحزب من عملية التوازن لفرض واقع جديد واستعادة مبادرة التحكم بنفس الأساليب، لكن بوجوه جديدة وأدوار جديدة.
يضاف إلى كلذلك ما أفرزته خلخلة البيت الداخلي للحزب من أجواء عدم الرضى الشعبي والترقب والارتباك في الأوساط الاجتماعية والسياسية، نظرا إلى فجائية التحول عن المسار الديموقراطي بعد نتائج 07 أكتوبر؛ وبالتالي أصبح هناك فراغ كبيرعلى مستوى الدولة أحدثته المحاولات الحثيثة غير المحسوبة لإضعاف الحزب كسابقيه من لعب دوره التأطيري السياسي والاجتماعي للاحتجاجات الصاخبة التي تظهر هنا وهناك مما قد يفرز نوعا من السلوكات المنفردة والمنفلتة والتصادم والصراع مع الدولة بما لا يخدم المصلحة العامة ولا المطالب الاجتماعية..
وأمام هذه المعطيات والمستجدات المثيرة،نتساءل عن الرهانات التي يستطيع بها حزب العدالة والتنمية استعادة المبادرة لمواجهة تحدياته،وليستعيد مبادرة ترسيخ عافيته، والاستمرار في دوره المشهود له، خلال المرحلة السابقة تحت شعار "الإصلاح في ظل الاستقرار"؟
الرهان الأول هو الرهان على تحقيق الوحدة العضوية، بتجاوز هيمنة القطبية الأحادية والمحورية في صنع القرار الحزبي إلى قطبية متعددة ومتنوعة، بما يتوفر عليه الحزب من كفاءات شبابية واعدة، وطاقات هائلة أقصتها الجغرافية وبعدها عن المركز الرباط ونواحيها، أبانت عن نفسها رغم ذلك بطريقة هائلة، وأبانت عن تفوقها في الوعي السياسي وقدرتها على التحليل وتدبير الاختلاف بمستوى عال من المسؤولية والالتزام؛ هو رهان أساسي في تقديرنا للقيادة الجديدة التي تترأس الحكومة، والتي لا مَناصَ لها من الاستناد إلى الحزب بأكمله وبكافة أطيافه؛ لأنه رغم نجاحه في المؤتمر من الناحية الإجرائية الديموقراطية، إلا أن هذه المرحلة قد خلفت جروحا غائرة وأمراضا مركبة عديدة في جسم الحزب، بل في جسم المجتمع كله؛ فإما أن تكون الانطلاقة الجديدة الوصفة التي يتعافى بعدهاويعود لريادته ومكانته البارزة والقوية في المعادلة السياسية، وإما لا قدر الله أن يجري وراء السراب ويغرق في الاصطفاف الانقسامي والتجاذبات التي تعمق جروحه؛ فيدخل في غيبوبة أو موت سريري، كما يريده التحكم في خطته المعلنة، منذ مرحلة "البلوكاج الحكومي".
لذلك، فإن من الحكمة والحصافة الاستراتيجية أن تخرج القيادة الجديدة مما جرى، وما زال يجرى، في الوطن كله، وفي دهاليز الدولة، بخلاصات واعية ومعقولة، وأكثر قوة وتماسكا، وأن تعود بوْصلة الحزب لمساره الصحيح، بعيدا عن أي تشعب يخرجه عن هويته الأساسية التي هي الإصلاح ومحاربة الاستبداد والفساد.
هذا الرهان أساسي؛لأنه الكفيلبمساعد القيادة الجديدة، ودعم الحكومة وحمايها، ومن شأنه أن يعرقل أهداف التحكم الذي ظن في حساباته أن الثور الأبيض قد أكل وحان دور الثور الأسود؛ وهي أهداف قائمة على السعي إلى الالغاء والتدجين ومسخ دور الحزب في الحكومة ثم في المجتمع.
الرهان الثاني المكمل للأول هو تنظيم عملية تقييم شامل للمرحلة الراهنة؛ مع العلم أن القاعدة العريضة للحزب تمنت لو شهدت من الحزب نقدا للذات ولمسار تكونهاولما جرى خلال الفترة الفاصلة بين إعفاء ابن كيران والمؤتمر، وتقييماً حقيقيا على جميع المستويات السياسية والتنظيمية والاجتماعية في أفق الاستعداد للمتغيرات الجديدة، ووضع أطروحة مناسبة لهذه المرحلة المتسمة بخاصيتين بارزتين: الأولىهي العودة القوية وغير المسبوقة منذ دستور 2011للاستبداد والفساد ؛والثانية هي قابلية الانفجار المجتمعي،وصعود ملفت للممانعة المجتمعية التي قد تتخذ أشكالا سلبية، في ظل الامعان والتمادي في استصغار التنظيم الحزبي وإحداث فراغ التأطير السياسي الجاد والمناسب.
الرهان الثالث هو الرهان على استعادة الحزب حكومة وبرلمانا للمبادراتالصريحة والقوية تكون منحازة إلى الشعب بجميع طبقاته التي انهكتها ستة أشهر من البلوكاج الحكومي وعطلت الاستثمار ومصالح المواطنين، وأنهكتها الرأسمالية المتوحشة التي نهبت ثروات البلاد الفلاحية والمعدنية والتي هيمنت على جميع الخدمات الصناعية والتجارية، بلا رقيب ولا حسيب، وهي الطبقات التي أنهكها تردي الأوضاع الأمنية والصحية والتعليمية واضطراب الأوضاع الاجتماعية في عدد مناطق المملكة؛هو رهان يقتضي المبادرة الفورية لمنح منهج ومشروع الاصلاح، الذي دشنته المرحلة السابقة بنجاح وبإعجاب شعبي باهر، صفة الديمومة والتراكم.
الرهان الرابع هو الحاجة إلى استراتيجية تبني القيادة الجديدة لمقاربة تواصلية فعالة وصريحة، والاعلان في مختلف وسائل الاعلامووسائل التواصل الاجتماعي خاصة عن رسالة واضحة، لا لبس فيها للمناضلين وعموم الشعب المغربي، ودالة على الاستمرار في الخط الاصلاحي الذي دشنته المرحلة السابقة، مرحلة الأستاذ عبد الإله بنكيران ؛ هي استراتيجية من شأنها أن تبدد الشكوك وتستعيد ثقة جميع الأعضاء وعموم الشعب المغربي، وتعيد الشّعور ببعضهم البعض،وتقرّب وجهات النّظر بتبادل الأفكار والمعلومات والمعارف والمهارات والمواقف؛ وهي استراتيجية للاحتفاظ بثقة وتعاطف الرأي العام، حتى في حالات الأزمات؛ وذلك بإتاحة المعلومة والشفافية المعلوماتية التي تغلق باب الاشاعة وتحاصر المؤامرة من كل جانب، وإتاحة حرية معالجة المعلومة وإشراك الناس في اتخاذ القرارات بالإنصات وتقدير الرأي العام.
لا يَخفى، بخصوص أهمية الرهان الأخير، أنه ليس مقبولا اليوم الانغلاق وتجاهل أهمية الثورة المعلوماتية بإمكانياتها المتطورة وما يرتبط بها من تدفقات الاتصالات بين الأفراد والمجموعات والجماعات والهيئات؛ والنتيجة هي تغيرات جذرية في أسلوب ممارستنا السياسية وأسلوب حياتنا بصفة عامة، لا يمكن معها الاستهانة بانعكاساتها بما يلغي تقريبا خصوصية الأحزاب والمجموعات والشخصيات العامة والأفراد العاديين وحتى خصوصية الدولة؛ وفي القريب العاجل ستظهر الحكومة الالكترونية في جميع الدول المتقدمة، حكومة معلوماتية، وحكومة عدالة التدبير الالكتروني والحكامة الرقمية، بدون أهمية للبنايات والمقرات على جميع المستويات وفي جميع المجالات؛ ولا شك أن أية دولة أو هيئة سياسية متخلفة عن هذا الواقع الافتراضي ستكون مغتربة، ولا يمكن تصور خطورة وحدود تأثير مشكلة اغترابها على استقرارها وتطورها.
إذن، بالنسبة لمستقبل حزب العدالة والتنمية، إذا أخذ بهذه الرهانات مأخذ الجد، وفي ظل الثورة المعلوماتية، كمستجد فاعل ومؤثر وحاسم، فإنه لن يشبه في مآله الأحزاب الأخرى، بسبب ما وقع له، وبسبب ما يخطَّط له. لقد أخط من ظن أنه سيسهل التحكم فيه بالطرق التقليدية البالية، وأخطأ من ظن أن مشروع بنكيران وصحبه سيكون مصيره مثل مصير المشابهين له في الماضي؛ لأن الزمن زمن المعلوميات سريع المضي إلى الأمام، ولأن التاريخ لا يعيد نفسه في جميع الأحوال.
دكتوراه في العلاقات العامة وماجستير علم نفس الطفل ومجاز في الفلسفة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.