لقد ظلَّ "أرسطو" وفكرهُ مهيمنين لمدةٍ تزيدُ عن ألفين سنة، ومع أرسطو ظهر علم يسمى "العلم الطبيعي" وهو العلم الذي ينظرُ في الوجود المُتغير أي في الجسد الطَبيعي الواقع في الحركة، سواءٌ كانت هذه الحركة بالفعل أو بالقوة. وموضوعُ العلم الطبيعي عند أرسطو هو الوجود المُتحرك حركةً محسوسة. وقد اهتم أرسطو كذلك بحركة الكون واعتبرَ أنَّ هذا الكون هو عبارة عن مُتحركات، فقد انتقلَ من تفسيرِ أصل ونشأة الكون إلى حركة الكون. ومن هذا المنظور يمكن طرح الإشكالات التالية: ما هي الحركة عند أرسطو؟ وما هي أبرز المفاهيم التي تدخلُ ضمن مفهوم الحركة؟ المقصودُ بالحركة عند أرسطو هو غيرُ ما نقصدهُ نحن، أنَّنا كما يقولُ "ديكارت": لا نعرفُ إلاَّ حركةً واحدة هي حركةُ النَّقلة في المكان". أمَّا عند أرسطو فالحركةُ هي كمالُ ما هو بالقوةِ بما هو كذلك أو استكمال حالة تحقُق الإمكان من حيث هو إمكان، أي تحول الوجود من صفةٍ إلى حصولهِ على صفةٍ أخرى. الحركة تتحددُ في مفهومين (التغير، الصيرورة). إنَّ الحركة هي ثلاثةُ أنواع: – من الوجود إلى اللاَّوجود تسمى "فساداً". – من اللاَّوجود إلى الوجود تسمى "الكون". – من الوجود إلى الوجود تُسمى حركة. النوع الأخير هو الذي ركَّز عليه أرسطو بالأساس. الحركة عند أرسطو تتجسدُ في ثلاثِ مقولات: مقولةُ الكيف: هي الحركة الكيفية أي الاستحالة (مثلاً: تحول شيء من صفةٍ إلى أخرى)، مقولةُ الكم: وهي الزيادةُ والنُّقصان أو النمو والنقصان (مثلاً: طفل يكونُ صغيراً ثم يكبرُ ليصبحَ كبيراً)، وفي الأخير مقولةُ المكان: وتسمى بالنقلة. تعتبرُ الحركة مقوم طبيعي أي الانتقال من وجودٍ بالقوة إلى وجودٍ بالفعل، أي الانتقال من مادة خالية من الصورة بمعنى لم تنطبِق عليها الصورة (الإمكان) إلى وجودٍ بالفعل أي كمالُ الوجود بالقوة، والخروجُ من القوةِ إلى الفعل (التحقق). تُعدُّ "الهُيولة" من أبرزِ المفاهيم الأرسطية، ويقصدُ بها هي المادة التي ليست لها صورة، فالهيولة قبلَ أنْ تدخلَ عليها الصورة كانت موجودةً بالقوة، ولكن بعد أنْ دخلت عليها الصورة أصبحت موجودة بالفعل، إذن فالحركة هي فِعْلُ المُمكنِ والمادة لا مُعينة والصورة هي التي تُحددها. وبالتالي يمكنُ القول أن الحركة هي انطباقُ الصورة على المادة، أو بعبارةٍ أخرى "الحركة هي مسارُ دخولِ الصورة على المادة". إنَّ الحركة دائماً تبحثُ عن كمالها، ويجبُ على الحركة أنْ تكونَ تامة لكي تدومَ فاعليتها وهذا هو مبدأَ الحركة الذي يفرضُ شيئاً مضمراً وكائناً في نظر أرسطو. إنَّ فعل بناءِ المنزل هو البناء، وقبل أنْ يكونَ مبنياً ليست هناك حركة، المنزلُ فقط ممكنٌ بعد بنائهِ، وأثناء إنجاز الفعل ليست هناك حركة، لأنَّ الكمال يعني انطباق الصورة على المادة ويمكنُ تحديدهُ في مفهومين (الصيرورة والنتيجة). جميعُ الحركات يوجدُ لها محرك وهو فاعلُ الحركة، وهذا المُحرك لا يتحرَّك وهو المحرك الأول. لكلِّ حركةٍ فاعلٌ ومنفعلٌ بها، فالشيءُ يكونُ فاعلاً ومنفعلاً في نفسِ الوقت. الحركة الطبيعية هي حركةٌ مُتناهية وتكونُ تحت القمر، أمَّا الحركة الغير الطبيعية تكونُ غير مُتناهية (فوق القمر)، فالجسمُ الطبيعي يحملُ في ذاتهِ مبدأَ الحركة والسكون، والمادة الطبيعية أيضاً تحملُ في ذاتها مبدأ الحركة، فالترابُ تكونُ حركتهُ إلى الأسفل ويسكنُ إلى أصلهِ وحينما يصلُ إلى أصلهِ يتوقف. الكمالُ هو الوصولُ إلى التحقق بالفعل، أمَّا الاستكمال فهو طلبُ الكمال، أرسطو يعتبرُ الحركة فعلٌ ناقص لأنَّها عندما تصلُ إلى الكمال أو ما يسميهِ أرسطو بالسكون، وحينما تصلُ الحركة إلى السكون تَنتفي الحركة، وهذه الأخيرة هي الخط بين البداية (الوجود بالقوة) والنهاية (الوجود بالفعل)، وإذا توافقت الصورة مع المادة يتحقق الكَمال. العلمُ عند أرسطو هو العلمُ بالمَبادئ والعلل والأصول، والعللُ هي أربعة عند أرسطو: – العلَّة الصورية: هي ما يُوجِدُ الشيء بالفِعل. -العلَّة الغائية: هي ما يُوجِدُ الشيء لأجلهِ. -العلَّة الفاعلة: هي ما يُوجِدُ الشيء بسببه. -العلَّة المادية: هي ما يُوجِدُ الشيء بالقوة. لَعِبَ أرسطو دوراً مهما في تاريخِ الفلسفة، فهو أول من دشنَ "الميتافيزيقا" التي بدأت بوادِرها الأولى مع "أفلاطون"، دون أنْ ننسى هيمنتهُ على تاريخِ الفلسفة لمدةٍ طويلة، وهو أول من كشف المحرك الذي لا يتحرك، ولم يقف أرسطو عند هذا بل أثر كثيراً في فلاسفة الإسلام (الكندي، الفارابي، ابن رشد …)، كل هؤلاء قد اهتموا بأرسطو ومنطقه وشرحوه جيداً، فأرسطو هو معجزةٌ تاريخية عرفتها الفلسفة، وأقولُ جازماً أنَّه لا يوجدُ فيلسوفا يحتم عليك قراءتهُ لكي تفهم جلَّ الأفكار الفلسفية أكثر من أرسطو. حتى الكلاميين (المعتزلة) أهم ما قالوه هو إعادة لما أنتجه أرسطو، والفلسفة الإسلامية كلها هي أرسطية بكل ما تحمل الكلمة من معنى ودلالة.