في ثلاثينيات القرن الماضي ، استطاعت حركة عبد العزيز بن عبد الرحمان أل سعود من الانفراد بالسلطة وتوحيد عدد من المناطق من نظير : الدرعية ، الحجاز، نجد …في قالب نظام حكم ملكي الهيئة ، إسلامي التوجه وأوليغارشي صرف على مستوى تنظيم ممارسة السلطة السياسية ،مؤسسة بذلك للدولة السعودية الثالثة، لتذوب البلاد طولا وعرضا في إناء عبد العزيز وأبنائه من بعده بدءا من سعود ، فيصل ، خالد ، فهد ، عبد الله وسلمان _الحاكم الذي سيشكل المنعرج الاستراتيجي في تاريخ المملكة_ فكيف تبدو الصورة على مر تاريخ دولة تحكم موطن أخر الرسالات السماوية؟ منذ عهد الملك سعود إلى غاية سلمان ، لم تسلم المملكة من مناوشات الصراع حول السلطة ، فكانت ضربة البداية بالصراع بين الملك وولي عهده _سعود وفيصل_ ، حيث ساهمت الحالة الصحية وسوء تدبير الأوضاع إلى تفويض مباشر لفيصل بإدارة البلاد كرئيس لمجلس الوزراء في حضور الملك وغيابه، مما ساهم بشكل صريح بإبعاد الملك ضمنيا عن التسيير. تسلم فيصل السلطة بعد وفاة شقيقه، فجاءته الصاعقة من حيث لا يدري، معتقدا في قرارات نفسه أن إدخال منظومة الإعلام والاتصال بالبلاد كفيل بخلق مجتمع مواكب للمستجدات في شتى المجالات ومنفتحا على العالم، الشيء الذي عجل بمظاهرات شارك فيها من أمراء منتمين للأسرة الحاكمة، ليتم اعتماد المقاربة الأمنية _قتل أحد الأمراء_ دون أن ننسى العلاقة المتشنجة مع الحليف الأمريكي وضلوع فيصل للتحكم في توزيع موارد البلاد النفطية ، كلها أسباب جعلت فيصل بن مساعد يقدم على اغتيال عمه الملك في مشهد درامي ، فلو تبادر إلى أذهاننا قلق السؤال لكان التالي : كيف وصل الأمير القاتل إلى مكان تواجد الملك المقتول من دون أي تفتيش إجرائي أو مقاومة من الحرس الملكي ؟ دبلوماسية الملك القادم_خالد بن عبد العزيز_ قضت بإدماج أبناء الملك المقتول في الحياة السياسية في مملكة يتصدر فيها تواجد الأمراء قائمة مجلس الوزراء، مسجلا بذلك عهده لحقبة زمنية اتسم فيها الوضع الداخلي بالهدوء سيما في ظل استقرار أوضاع المنطقة العربية والإسلامية بعد حرب أكتوبر ومعاهدة "كامب ديفيد" وعدم ظهور العدو الجديد للبلاد (الثورة الإيرانية) وما زاد استقرار الأوضاع داخليا هو طي صفحة الملك المقتول بأفضل سيناريو ممكن حدوثه ألا وهو القصاص من القاتل. توفي خالد بن عبد العزيز أل سعود، مسلما السلطة مكرها لا بطل لشقيقه "فهد بن عبد العزيز"، الذي شهد عهده تصدعات داخلية وخارجية على غرار الحرب العراقية- الإيرانية ، وغزو العراق للكويت ، الذي جعل المملكة العربية السعودية تتخذ موقفا حياديا بفعل معاهدة "عدم الاعتداء" الموقعة مع الطرف العراقي، في خطوة مفادها ، تسليم الأمور لجيش "صدام" المنتشي بانتصاره على إيران مما يخدم مصالح بلاد الرافدين بإبطال مفعول التحرك العسكري السعودي خاصة وأن الاقتراح كان عراقيا، موافقة عجلت بدخول الأمريكان وحلفاؤهم للعبث بالمنطقة بدل احتواء الوضع في إطار تحالف عربي أو تسوية سياسية، لذا فالتاريخ يعيد نفسه برفض الكويت المشاركة في مقاطعة عدد من دول الخليج العربي لدولة قطر، باعثة رسالة مشفرة مفادها : " خلا لكم الجو فبيضوا واصفروا"، دون أن ننسى الأزمة التي خلفتها الحالة الصحية للملك فهد ، الذي كان من المفترض أن يسلم السلطة لولي عهده ، إلا أن تدخل الأمراء منع انتقال السلطة في تلك الفترة وظل ولي العهد يتمتع بسلطة شكلية رغم بروزه إعلاميا كمسئول أول عن الشأن السعودي، فكان هذا الحدث، الكاشف الأول لتقاسم السلطة بين الأمراء ولا تزكية أو ولاء إلا لمن اصطفوه ليكون من الخيرين. توج عبد الله بن عبد العزيز ملكا للبلاد سنة 2005 ،بعد طول انتظاره، ليستمر على نهج أسلافه بالتشبث بالمكتسبات التنظيمية السابقة مع العمل على الاهتمام النسبي بالمشروعات التنموية ، ناهجا الخيار الدبلوماسي في حل النزاعات الشائكة ومحاولا إقامة علاقات تطبعها التعاون المشترك مع جميع شعوب العالم، كما أن علاقته مع الأمراء تميزت "بالتفاهم" بفعل عدم الاستطاعة على عزل أي من الوزراء النافذين ( سلطان بن عبد العزيز، نايف بن عبد wالعزيز ، سعود الفيصل …) ، غير أن سياسته الخارجية المعتدلة ستبدأ "بالتطرف" عبر (مخطط "التآمر على الثورة المصرية والرئيس المنتخب) بتمويل انقلاب عسكري قلب موازين الممارسة الديمقراطية بالعالم العربي، فالمنطق يقتضي بأن من وضع الديمقراطية وأرسى دعائمها عليه أن يحترم نتائجها. التحق عبد الله بالرفيق الأعلى ، تاركا زمام الأمور لسلمان بن عبد العزيز (الملك الحالي)، الذي بدأ عهده بجملة من التطورات تبقى أهمها : قيادته لعملية عسكرية لاستعادة الشرعية في اليمن، عبر تأسيس تحالف عربي، كما كان للملك الحالي الجرأة التي لم تكن لغيره في إعفاء الأمراء_ بدءا بولاة العهد (مقرن بن عبد العزيز ومحمد بن نايف)_ مما فتح الباب أمام محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد، كما أصدر الملك بمعية ابنه مخططا جديدا عرف برؤية "السعودية 2030″ الناص على تنويع مصادر الدخل في البلاد وعدم الاعتماد على الثروة البترولية، وما زاد التغيير ثورية ، تأسيس لجنة أنيط لها مكافحة الفساد، التي عصفت برؤوس عدد من الأمراء ورجال الأعمال النافذين وبعض المقربين من دوائر الحكم : " الوليد بن طلال، متعب بن عبد الله ، خالد التويجري، محمد حسين العمودي …) مما يدفعنا لطرح السؤال : هل قرارات اللجنة انتقام من مرحلة حكم سلفه عبد الله بن عبد العزيز أم تأسيس لمملكة سلمانية على الورق ؟ الملاحظ للتغييرات التي أحدثها سلمان بن عبد العزيز، لا بد أن يكتشف بأن رجالات عبد الله بن عبد العزيز مستهدفون أكثر من غيرهم ، فمنذ توليه لشؤون الحكم سنة 2015 ، بدأ بعزل مقرن بن عبد العزيز، الذي تم تنصيبه وليا لولي العهد في عهد الملك الراحل،كم تم حرمانه من شرف قيادة وزارة "الدفاع" في عهد الملك الحالي، علما بأن ولي العهد المحال للعزل كان رئيسا للاستخبارات في عهد الملك عبد الله، مما قد يفسر بأن مقرن كان رجلا مخلصا لعهد الملك السابق خاصة وأنه كان مكلفا بمهام خاصة ومرافقا له في معظم جولاته، كما تم عزل التويجري ومعظم أبناء عبد الله الذين كانوا أمراء على مناطق معينة باستثناء ابنه متعب (وزير الحرس الوطني)، وهي المهمة التي خطط لها الملك بإمعان ليسلط هيئة محاربة الفساد للتحقيق في فساد رجالات الدولة ، الذين كان أغلبهم موالي لحقبة عبد الله. المتابع لتاريخ الأسرة الحاكمة بالسعودية، لا يمكنه إلا الاستنتاج بأن السلطة تدور في فلك على جماعة على حساب أخرى، وأن كل قطاع تحكمه جهة معينة، فالأعراف تشير إلى أن الأمير سلطان بن عبد العزيز وأبناؤه كانوا يسيرون وزارة الدفاع، أما نايف بن عبد العزيز وأنجاله لوزارة الداخلية قائدين ، وزارة الحرس الوطني لعبد الله بن عبد العزيز وفلذات كبده حاملة راية الولاء، فأي ملك سيأتي لحكم المملكة في وضع خارج الدوائر ، سيكون عبارة عن "بيدق"، ليبقى السؤال المطروح : كيف يمكن لسلمان أن يسيطر على البلاد ؟