فجر المحامي إسحاق شارية قنبلة من العيار الثقيل صدمت الرأي العام الوطني، حين ادعى أن موكله أسر إليه بسر مفاده أن إلياس العماري في فترة الحراك حرضه على الملك والملكية. وفي رد العماري على هذا الادعاء أمر بفتح تحقيق في في تصريح شارية الذي اعتبره كلاما خطيرا لا يغتفر. هذا التحقيق الذي لم يطلع الرأي العام على نتيجته بعد، مثل ما هو الوضع بالنسبة لجل التحقيقات ذات الطبيعة السياسية. لكن التسجيل الصوتي المسرب أخيرا من زنزانة الزفزافي يقر فيه بعظم لسانه أن حزب البام كان يريد تأجيج الأوضاع في الحسيمة. لقد أشرت في مقال سابق في عز الحراك إلى أن علاقة النشطاء في الريف بإلياس العماري لم تكن على ما يرام، وأن حربا خفية كانت تجري هناك حول من يكون له الحق في الحديث باسم الحراك في القلعة المحروسة لحزب الأصالة والمعاصرة. لقد كنت أشرت إلى أني أفهم من تدوينات كثير من النشطاء أن هناك من يريد بسط سيطرته على الحراك لخدمة توجه ما لم أحدد طبيعته، لكن الناشط الزفزافي وقف حدا وسدا منيعا ضد هذه التربصات وهو ما أدخله في شد وجذب مع من ذكرنا آنفا، حتى أن الزفزافي كان يتحمل لوحده هذا الصد يؤازره ويمنحه القوة غالبية النشطاء الذين رأوا فيه حاميا لحراكهم من أن يخرج إلى ما يريده المتربصون. وفي مقال نشره ناشط إبان الحراك، نبه فيه إلى وجود شخص يدعي العمل الحقوقي هو معتقل يساري سابق وموظف شبح مذ خروجه من السجن منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان يتربص ويبحث عن قدم في الساحة يشفع له تاريخه اليساري وسجنه وتفضحه علاقته الوطيدة بمشروع بإلياس العماري. لا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن كثيرا من تدوينات النشطاء كانت تشير إلى علاقة شخص نافذ بالمدينة مقرب من حزب الأصالة والمعاصرة وبشخصيات نافذة في الدولة، كان يوزع المال على بعض المراهقين والمنحرفين الذين يتسللون إلى داخل المتظاهرين ملثمين يقذفون رجال الأمن بالحجارة، وهناك من يستغل هذه الصور لإرسال رسالة ما. فقد العماري سيطرته يوم ظهر الزفزافي فجأة بعدما كان العماري استطاع إقناع الريفيين بالمشروع المخزني يحكي أحد النشطاء المعروفين أنهم كانوا يقبضون على هؤلاء الملثمين ويبعدونهم عن المظاهرات حتى أن بعضهم اعترف حقا أنه تلقى أموالا من الشخص النافذ في المدينة، كما سبق للبرلماني نبيل الأندلسي أن نبه وراسل وزارة الداخلية لفتح تحقيق في تلك المشاهد التي تشوه سلمية الحراك. وفي ادعاءات أخرى أعتبرُها بعيدة يشير فيها آخرون إلى علاقة إلياس العماري بحركة 18 سبتمبر الانفصالية، والتي تكن للزفزافي العداء لأنه أفسد عليها فرصة تاريخية في المطالبة بالاستفتاء. لم تكن علاقة الزفزافي بحزب البام على ما يرام، يظهر هذا من خلال تصريحاته الممتدة على أيام الحراك، والذي نسب إلى ما وصلت إليه الأوضاع في الريف، فهذه العلاقة المتشنجة لها ما يبررها في الواقع، فحزب إلياس العماري يعتبر الحسيمة قلعته الحصينة، بل إن النظام نفسه كان يعتبر أن إلياس العماري بحنكته السياسية ودهائه هو صمام الأمان في ريف ظل مشتعلا، وعليه عول في عقد مصالحة وطنية بين الريفيين والدولة، فلم يكن يتوقع أحد أن يظهر شخص مثل الزفزافي يتمتع بشعبية حقيقية بعيدا عن منطق المال والخوف من النفوذ يوجه الجماهير بعفوية حيث يشاء. لقد فقد العماري سيطرته يوم ظهر الزفزافي فجأة بعدما كان العماري استطاع إقناع الريفيين بالمشروع المخزني تحت طائل خطاب القبيلة والدم، حتى أن الريفي الغاضب من تاريخ المخزن يأبى أن يصوت لغير هذا الحزب الذي يعتبره يدخل في الأمن العام لمشروع القبيلة. ولا غرابة إذن أن يخرج المحامي زيان ليؤكد في تصريح لواحدة من القنوات الفضائية بأن الياس العماري أمر نشطاء الريف بالرفع من سقف المطالب إلى المطالبة باستفتاء شعبي، بل ويؤكد استنادا إلى شهادات نشطاء في السجن وخارجه أن إلياس العماري كان يبحث عن إشعال حرب بين النظام والريفيين، وهو الأمر الذي كنت أشرت إليه من قبل في فهمي لتدوينات النشطاء. يظهر إذن أن علاقة العماري بالحراك لم تكن على ما يرام، وأن رفع السقف كان حاجة لا ندري بالتحديد الهدف من ورائها، هل هو التقرب من النشطاء على حساب المخزن بالانتصار للقبيلة أم هو العكس انتصار للمخزن عبر اختراق الحراك؟ ولهذا لمح كثير من النشطاء إلى أن هناك أياد خفية كان هدفها اللعب لصالح مشروع العماري خاصة في العلاقة المحتملة بين لسان الصحفي المهداوي وقدم إلياس العماري، خاصة وأن ظهور العماري رفقة أحد المحامين المقربين من إلياس العماري من داخل بيت الزفزافي بدد الشكوك في صلة العماري بالصحفي المهداوي. فالظاهر أن النظام تنبه إلى هذه العلاقة، فتوترت علاقة العماري بالمخزن، خاصة في فشله بكل ما توعد به من تقزيم الإسلاميين والمصالحة بين الريفيين والنظام. فعلاقة المهداوي بالعماري أثيرت يوم جيش المهداوي قلمه ولسانه في الحرب على الإسلاميين انتصارا وتمهيدا لتربع العماري على رئاسة الحكومة، لكن المهداوي فشل في المهمتين كما فشل العماري، مما جعل النظام يعاقب العماري بالانتقام من المهداوي. يظهر إذن أن العلاقة بين الياس العماري ونشطاء الريف لم تكن على ما يرام، وهذا أمر طبيعي في ظل حراك أفقد العماري ما كان يتمتع به من نفوذ داخل الريف ليظهر الزفزافي الذي قد يتحول إلى بطل قومي يجمع بين رضى الملك ورضى النشطاء.