إن التراث الثقافي يعد سجل ماضي يحفظ ذاكرة الإنسان ويعطي دلالات ورموز وجب تفكيكها لفهم أعمق للمجتمعات التي أنتجتها، كما يعد سجلا يحفظ نمط عيش وعلاقات اجتماعية وثقافية وتاريخ تلك المجتمعات، ويعد مجتمعنا المغربي من أهم المجتمعات التي أبدعت عبر التاريخ في إنتاج ثقافة تفاعلت في الماضي العريق مع الطبيعة والمجتمعات المحيطة أو التي كانت لها علاقة بها، تركت لنا تراثا وجب حفظه وصيانته وتثمينه. إن ماضي الإنسان يحفل بالعديد من طرق الإبداع التي أوجدها لحاجات معيشية أو أمنية أو لزينة، كما أبدع أيضا في التعبير عن ما يخالجه عبر تعابير فنية وأدبية أو تصويرية أو حكايات شعبية. يمكن تقسيم التراث الثقافي المغربي إلى قسمين : تراث ثقافي مادي ويتجسد في الأدوات الحجرية القديمة التي استعملها الإنسان وتنتمي لحضارات موغلة في القدم كالحضارة العتيرية أو الأشولية، كما نجد الفن الصخري بأنواعه الما قبل تزينا وتزينا و الأمازيغية الليبية وغيرها من طرق النقش والنقر على الصخور .. وأيضا مدافن ما قبل التاريخ وطرق الدفن التي تختلف من موقع لآخر ويمكن أن نميز فيه بين التراث المادي المنقول وغير المنقول. هذا على مستوى التراث الثقافي المادي، إضافة إلى المباني والأسوار والمدن القديمة وصولا الى الفترة الاسلامية التي شهدت تحولا في التراث المادي عن طريق ما خلفوه من قصور ومآذن ونقود ترجع لهذه الفترة إضافة إلى تطور صناعة الخزف. في ذات السياق يمكننا الحديث عن التراث الثقافي غير المادي والذي يمتاز بكونه متجدد وقابل للإضافة والنقصان، فقد انتج الكثير من الأشعار والأهازيج والأغاني والمواسم والإحتفالات كأشكال تعبيرية ثقافية حاملة لمعاني ورموز ودلالات تؤكد على قدرة الإنسان في خلق تعبيرات شفوية ومهارات تتلاءم مع بيئته ومحيطه وتفاعلاته الإجتماعية . إذا كان ما خلفه السابقون يعتبر ذاكرة منطوقة وشاهدا على فترات تاريخية عاشوها ووثيقة تاريخية، كانوا مساهمين في حركية التاريخ فيها عن طريق حاجياتهم التي أوجدوها إنطلاقا من ما جادت به قرائحهم وملكاتهم من إبداع من أجل البقاء والاستمرار. فإن هذا الموروث سواء كان ماديا او لا ماديا يعتريه اليوم هاجس الإندثار سواء بفعل المناخ أو التحولات التي يشهدها العالم في طرق العيش ونمطه وما يفرضه ذلك من تحولات تشهد علاقتنا بماضينا وما خلفه من تراث. يعتري التراث الثقافي المادي هاجس المناخ الذي يزحف على مجموعة من المواقع الأثرية والتي تتواجد بها نقوش صخرية من زحف للرمال في المناطق الشبه جافة أو مشكل الترمل بالنسبة للمناطق الجافة إضافة إلى الإهمال والنسيان ، نسيان ماضي أرخ عن طريق النقش والفن الصخري عامة. يعد التراث الثقافي غير المادي عنصر غير ثابت في الزمان والمكان لكنه يعتبر تجربة إنسانية تحفظها الألسن وترددها في المواسم والاحتفالات الدينية منها أو الشعبية كما أن هذا الصنف من التراث يدرج خلاله جميع التعبيرات الشفوية والمهارات والأدوات المرتبطة بها والتي تنقل من جيل إلى جيل كما ور في نص منظمة اليونسكو . لكن الخوف عليه اليوم من الاندثار بسبب دخول ثقافات أخرى سوقها الاعلام أنها المنتصرة تارة أو أنها الأجود والتي تقدم الأفضل، في حين أن تراثنا غير المادي سواء كان في طرق العيش أو مهارات التي صنعت الملبس والمأكل أو التي أطربت الآذان الشعر أو الغناء هي من تحسس بالانتماء الثقافي وتشكل هوية جمعية قادرة على أن تجعل من الماضي منطلق نحو المستقبل، وتستقى منه أيضا قيم مجتمعية وتربوية . لا بد إذا من المحافظة على تراثنا الثقافي سواء المادي منه أو غير المادي كونه يعد مرجعا ومصدرا لكتابة عن مجتمعنا ويبين بالواضح ما يخفيه المجتمع المغربي من دلالات ورموز عبرت عنها إما بنقش أو حكاية أو أسطورة. لا شك أن المحافظة عليه وتثمينه هو رغبة نابعة من كينونة داخلة توحي للإنسان ان ماضيه وجذوره تكرس الاعتزاز والمفخرة والانتماء الثقافي . أردت في هذه المداخلة أن أقوم بالحديث عن تراثنا الثقافي مساهمة في النقاش الدائر حول أهمية التراث والمحافظة عليه لنقله للأجيال الصاعدة أيضا وكذلك توعية النشء بأهمية الموروث الحامل لقيم ومرجعيات تربوية قد تفيدنا الآن أكثر من مضى.