النقوش الصخرية فقدت بعضا من خصوصياتها بفعل التعرية وتدخل الإنسان تختزن النقوش الصخرية المنتشرة بعدد من المواقع في اقليمكلميم قيمة حضارية من شأن حمايتها والحفاظ على خصائصها التاريخية أن تساهم في النهوض بالسياحة الثقافية بالمنطقة. وتشكل هذه النقوش، التي قاومت الظروف الطبيعية والمناخية لعدة قرون غير أنها أضحت مهددة بالاندثار بفعل تدخل الإنسان، الإرث الأكثر قدرة على إعطاء صورة عن نمط عيش إنسان فترة ما قبل التاريخ وطريقة تفكيره. ومكنت المسوحات الأولى، التي قامت بها بعثة اثرية مغربية اسبانية منذ 1995 بحوض وادي نون على طول 150 كلم، من تحديد أزيد من 400 موقع أثري تعود لفترة ما قبل التاريخ والعصور الوسطى. وتبرز النقوش الصخرية التي تم جردها من طرف هذه البعثة في إطار التعاون بين المغرب واسبانيا في مجال البحث الأثري، بعض مظاهر الحياة اليومية للإنسان في العهود القديمة، كما تقدم فكرة عن الحيوانات التي كانت تعيش بالمنطقة سواء منها الداجنة أو المتوحشة. وتفيد الأبحاث التي أجريت بموقع «إنو نتيضرضورين» بمنطقة فاصك الواقعة على بعد 22 كلم شرق كلميم، بأن النقوش الصخرية بهذا الموقع توجد فوق أكمة صغيرة بعلو حوالي 550 متر وهي في حالة جد متدهورة. وقد بينت هذه الأبحاث أن النقوش بهذا الموقع أنجزت باعتماد تقنية النقر، ومواضيعها تشمل بعض الحيوانات رباعيات الأرجل والعربات ورموز غير محددة يعود تاريخها، حسب المختصين، إلى إحدى مراحل ما قبل تاريخ شمال إفريقيا. وبالنسبة للنقوش الصخرية التي توجد في المجرى الأسفل لواد «أسراسار» بمنطقة تاركاواساي (حوالي 34 كلم غرب كلميم) فقد أنجزت، حسب الفريق الأثري، على صخور غرانيتية صلبة بواسطة تقنية النقر. وتتوزع مواضيع هذه النقوش التي فقدت بعضا من خصوصياتها الأصلية بفعل عوامل التعرية وتدخل الإنسان لرسم نقوش مماثلة فوقها، بين بصمات الأرجل والأيدي البشرية وبعض الحلي وكذا نقوشا لحروف الكتابة البربرية. ومكن الجرد الأثري الذي قامت به البعثة الأثرية أيضا من تحديد نقوش على بعد حوالي ستة كيلومترات شرق جماعة تغجيجت (80 كلم شمال شرق كلميم) يعود تاريخها إلى الفترة البوفيدية (البقريات 6000 إلى 3000 قبل الميلاد)، ونقوش أخرى على بعد أربعة كيلومترات جنوب غرب جماعة اداي (118 كلم شمال شرق كلميم) يعود تاريخها إلى فترة ما قبل البوفيدية (10 آلاف الى 6000 قبل الميلاد). ومن بين المواقع المهمة التي وقف عليها الفريق الأثري المغربي الاسباني، «المركب الأثري أدرار زرزم» بجماعة تغجيجت الذي يضم أزيد من 280 لوحة من النقوش الصخرية تعود معظمها إلى فترة ما قبل التاريخ، وتقدم فكرة عن الحيوانات التي كانت تعيش آنذاك بالمنطقة. وأبرز يوسف بوكبوط، أستاذ باحث بالمعهد الوطني لعلوم الاثار والتراث بالرباط، أن هذا التراث الإنساني المعرض للتلف والزوال يمكن المحافظة عليه عن طريق تعيين حراس يسهرون على حمايته كما هو معمول به حاليا بموقع «أدرار زرزم» بجماعة تغجيجت. ودعا الأستاذ بوكبوط، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إلى تعميم سياسة توظيف الحراس خصوصا بالمواقع التي تضم أعدادا مهمة من النقوش لأنها أثبتت نجاعتها، موضحا أن تسييج هذه المواقع المفتوحة على الطبيعة يضر بجماليتها. كما أكد على ضرورة مواكبة سياسة توظيف الحراس بتحسيس الساكنة المحلية بأهمية وقيمة هذه النقوش من أجل حمايتها باعتبارها تراثا عالميا، داعيا إلى إدراج هذه المواقع في إطار جولات سياحية وثقافية لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية لفائدة ساكنة المنطقة. وإذا كانت مواقع النقوش الصخرية تشكل بما تزخر به، إرثا تاريخيا وحضاريا متميزا يغني السجل الحضاري المغربي، فإن العناية بها وحمايتها من الاندثار مهمتان تندرجان في صميم صيانة تراث المنطقة وإبراز خصوصيته وتنوعه.