في مشهد درامي يطالعنا الكاتب المغربي محمد شكري في سيرته الذاتية برحلة الجوع التي قادت أسرته للهجرة من قريته بالريف إلى مدينة طنجة حيث " الخبز كثير" لكن خيبة الطفل كانت كبيرة عندما وجد أن الخبز في طنجة ليس كثيرا كما توهمت أمه، لتستمر رحلة الجوع والبحث عن الخبز لكن هذه المرة مع نساء الصويرة في مغرب ما بعد الاستقلال. فعلى بعد أيام قليلة عن إطلاق " قمر اصطناعي" فرنسي التصنيع و الإطلاق و الإشراف، مغربي " الهوى" تسقط خمس عشرة امرأة جراء الجوع و غياب العدالة الاجتماعية و المجالية و الأمنية، و عوض أن يسارع المسؤولون إلى تقديم استقالاتهم على غرار ما يحدث في الدول التي تحترم شعوبها ، هرعوا الى تقديم التعازي والبحث عن كبش فداء لتعلق برقبته أخطاء الدولة منذ الاستقلال، و الطريف في الأمر هو المسارعة الى فتح تحقيق في الواقعة ليلتحق بباقي التحقيقات المفتوحة على ما لا نهاية، كفاجعة طنطان، و فاجعة الحسيمة، و تسريب امتحان البكالوريا، ومسيرة ولد زروال…. لقد ابتلينا في المغرب ببدعة اسم التفضيل" أفعل" أعلى برج في إفريقيا، أطول جسر معلق، أسرع قطار و هكذا في مغرب الواجهة، و تناسينا الأولويات الحقيقية المتمثلة في صون كرامة المواطن، و التوزيع العادل للثروة، و إطلاق مشاريع تنموية حقيقية تضمن للمواطن العيش الكريم، و تقيه ذل السؤال، و مغامرة ركوب قوارب الموت الى أوربا أو قوارب الذل الى الخليج، بدل مشاريع تربية الأرانب، و تصنيع الكسكس، و تجفيف " أزير" و غيرها من مشاريع الإلهاء و امتصاص الغضب. أما الحدث الثاني الذي عرفه المغرب فهو مناسبة الاستقلال، و لأن المناسبة شرط، فإن العديد من المغاربة الذين عاشوا فترة الاستعمار و لاسيما سنوات الأربعينيات من القرن العشرين يذكرون جيدا ما كان يسمى "بعام البون" حيث كانت المواد الغذائية تقتنى بأوراق الإذن" البون" و لأن الكثير منهم ما زال على قيد الجوع فإنه حتما لن يشعر بمذاق الاستقلال ما دامت أمعاؤه لم تذق من خيرات الوطن إلا الفتات مع تغير ورقة البون بقفة الإحسان. ألم يحن الوقت لينال المواطن البسيط حقه من خيرات الوطن وثرواته البرية و البحرية و الجوية، بعيدا عن منطق الإحسان و الصدقة؟ ألم يحن الوقت لينال المواطن في المغرب العميق حقه في الأمن و الخدمات؟فهل يستقيم عقلاأن تنظم مهرجانات يحضرها مئات الآلاف وينصرف الجمع في سلام، و تعجز الدولة عن تنظيم تجمع يضم مئات النسوة اللواتي دفع بهن الفقر و الجوع الى استجداء عطايا المحسنين، أسئلة ستظل تتكرر مع كل رحلة عذاب بحثا عن الخبز في أعماق المغرب المنسي، أو بحثا عن الدفء في ليالي الأطلس الباردة، أو بحثا عن الماء في نهار زاكورة القائظ.