عمر الطالب "مشكلتنا ليست مع الأصالة والمعاصرة كحزب، بل مشكلتنا مع من يوجد وراءه، وهو بالضبط من يجسد التحكم". من يوجد وراءه؟ "من أسسه.. الأمور واضحة". هذا المقتطف من حوار نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ووزير السكنى في حكومتيْ بنكيران والعثماني مع أسبوعية "الأيام" يوم 8 شتنبر 2016؛ يمكن اعتباره السبب وراء إعفاء بنعبد الله من مهامه الوزارية؛ ووضعه في لائحة المغضوب عليهم من طرف القصر الملكي إلى الأبد. فأن يتم إلصاق "التحكم" بمؤسس حزب الجرار؛ فهذا يعني اتهام فؤاد عالي الهمة، صديق الملك وكبير مستشاريه بأنه هو من يتزعم جبهة "التحكم" الذي لطالما ندد به رئيس الحكومة المعفى عبد الإله بنكيران معتبرا إياه أكبر خطر يهدد المغرب، وبالتالي؛ فإن "تصديق" كلام بنعبد الله، يعني أن القصر الملكي هو "راعي التحكم" في شخص مستشار صاحب الجلالة ! – الصفعة الأولى الثلاثاء 13 شتنبر 2016 حوالي السابعة مساءا، وكالة المغرب العربي للأنباء تقوم بتعميم بلاغ صادر عن الديوان الملكي. مضمون البلاغ ولهجبته ليسا معتادين : "إن التصريحات الأخيرة لنبيل بنعبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة، والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكيّة، ليست إلاّ وسيلة للتضليل السياسي في فترة انتخابية تقتضي الإحجام عن إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحّة" ، يقول الديوان الملكي في بلاغه. هكذا إذن، أصبح بنعبد الله بالنسبة للقصر، صاحب تصريحات " لا مسؤولة" ومتهما باستعمال "مفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين" . لقد اعتبر هذا البلاغ الصادر في حق أمين عام ل PPS بمثابة "ضربة قاضية" لهذا الأخير؛ خصوصا وأنه جاء قبيل إجراء الانتخابات التشريعية بأقل من شهر. "لعنة" بلاغ الديوان الملكي ستلاحق الرفاق في محطة انتخابات 7 أكتوبر، وستكسر كل تلك الطموحات الكبيرة التي رافقت بنعبد الله وأعضاء حزبه خلال الحملة الانتخابية. لقد نزلت النتائج النهائية للانتخابات كحمام بارد على رؤوس قيادة حزب علي يعتة : لم يحصل الحزب سوى على 12 مقعدا في البرلمان، وهو تراجع كبير بالمقارنة مع انتخابات 25 نونبر 2011 التي حصل خلالها الحزب على 18 مقعدا . أما داخل المقر الجديد للحزب في حي الرياض بالرباط؛ فقد شعر الرفاق بخيبة أمل كبيرة، البعض منهم اعتبروا أن حزبهم قد تعرض ل "عقاب" بسبب إصراره على التحالف مع حزب العدالة والتنمية؛ لكن الكثيرين رأوا أن تقهقر ل PPS ناتج عن تصريحات بنعبد الله عن الهمة والبلاغ الناري للديوان الملكي الذي أعقبها.. – المشاركة في الحكومة بأي ثمن بعد "تقريع" بنعبد الله من طرف القصر وحصول حزبه على نتائج مخيبة في الانتخابات، اعتقد الكثيرون أن هذا الأخير "سيتقاعد" سياسيا حتى وإن شارك حزب الكتاب في حكومة بنكيران الثانية؛ لكن بنعبد الله ظل "عنيدا" وأراد أن يحصل على حقيبة وزارية من جديد. المقربون من بنبيل بنعبد الله يعرفون جيدا أن الرجل يعشق المناصب الوزارية والبرستيج، وأنه مستعد لفعل أي شيء حتى يضمن انضمام حزبه الصغير إلى الفريق الحكومي. فعندما أحس "الحاج الشيوعي" بأن الدولة لم تعد ترغب في استمرار بنكيران على رأس الحكومة، أحس بالخطر، فأحجم عن الكلام وعن التعليق عن البلوكاج الحكومي، وبدأ يفاوض "على الجهتين" لكي يضمن بقاء حزبه في الحكومة إلى جانب تكتل أحزاب عزيز أخنوش. – الحسيمة تعجل بالإنتقام لكن، هل استوزار نبيل بنعبد الله يعني أن "الجهات العليا" قد سامحت له؟ هذا ما اعتقده الكثيرون، لكن آخرين كانوا مقتنعين بأن "موعد العقاب" سيأتي لاحقا لأن المخزن "يمهل ولا يهمل"؛ خصوصا وأن القصر كان لمدة طويلة هو "ولي نعمة" هذا الأخير، الذي تولى حقيبة وزارة الإتصال خلال ولاية حكومة إدريس جطو (2002-2007) ، ثم منصب سفير للمملكة بإيطاليا لمدة لم تتعدَ ثلاثة أشهر (2009-2010) حيث ثم اعفاءه من مهامهه الديبلوماسية بعد نشوب شجار بين زوجته كوثر السوني، وزوجة وزير الخارجية آنذاك الطيب الفاسي الفهري، فتيحة الطاهري، خلال مهرجان للفنون التشكيلية بمدينة البندقية بإيطاليا، ليعود بعد فترة قصيرة من ذلك للمشهد السياسي من بوابة الأمانة العامة لحزب التقدم والإشتراكية، وبالتالي؛ فإن تلك التصريحات التي كان قد أدلى بها لأسبوعية "الأيام" اعتبرت "تهورا" غير مفهوم من رجل خبر دواليب السلطة وقواعد "دار المخزن" . وفي شهر يونيو الماضي، عندما استضاف محمد تيجيني رئيس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري في برنامج "ضيف الأولى"؛ تحدث هذا الأخير عن مسؤولية نبيل بنعبد الله عن التأخر في وتيرة إنجاز المشاريع المدرجة في برنامج "الحسيمة منارة المتوسط" ، وكشف أن وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة قد تأخرت في الإفراج عن الدفعة الأولى من الحصة التي التزمت بالمساهمة بها في إطار برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة، والذي تساهم فيه الوزارة بمبلغ 420 مليون درهم. رد بنعبد الله لم يتأخر وسارع إلى تكذيب ما قاله إلياس عبر بلاغ توضيحي أكد من خلاله أن وزارته قد احترمت التزاماتها حسب مراحل التنفيذ والدفعات المالية المبرمجة. هكذا إذن أصبح اسم نبيل بنعبد الله حاضرا في ملف تعثر تنفيذ مشاريع برنامج الحسيمة منارة المتوسط الذي سيطالب الملك في أول مجلس للوزراء مع حكومة العثماني كل من وزيري الداخلية والمالية بإجراء الأبحاث والتحريات اللازمة بشأن عدم تنفيذ المشاريع المبرمجة، من أجل تحديد المسؤوليات، ورفع تقرير بهذا الشأن، في أقرب الآجال، ليعرف الجالس على العرش ومعه الرأي العام الوطني أسباب تعثر مشروع منارة المتوسط في الحسيمة. – أي مستقبل للتقدم والإشتراكية؟ إلى جانب نبيل بنعبد الله، فقد أعفى الملك الحسين الوردي، وزير الصحة، بصفته وزيرا للصحة في الحكومة السابقة، كما عبر عن عدم رضاه عن محمد الأمين الصبيحي الذي تولى حقيبة الثقافة في الولاية الحكومية السابقة، وذلك لأنه أخل بالثقة التي وضعها فيه الملك كما جاء في بلاغ الديوان الملكي؛ وهكذا، فإن حزب الكتاب لم يعد ممثلا في الحكومة سوى بحقيبة صغيرة وهي كتابة الدولة في الماء، التي تتولاها شرفات أفيلال. القرار الملكي يضع حزب التقدم والاشتراكية أمام سؤال جدوى استمراره في الأغلبية البرلمانية والتحالف الحكومي الحالي، لأن إعفاء وزيرين وتقريع وزير سابق باسم الحزب يعني أن رصيد الثقة الملكية في نخبة أعضاء ل PPS قد نفذ، وبالتالي؛ فإن بقاء هذا الحزب في الحكومة سيكون بلا معنى. وفي انتظار "ترميم" حكومة العثماني وتعويض الوزراء المغضوب عليهم بوزراء جدد، يبقى باب التوقعات مفتوحا على مصراعيه؛ خصوصا فيما يتعلق بمستقبل حزب الاستقلال الذي طوى صفحة حميد شباط إلى الأبد بانتخاب حفيد علال الفاسي، نزار بركة، أمينا عاما لحزب الاستقلال.