تتميز الحركات الإسلامية المغربية بعدد من الخصائص التي تميزها عن غيرها من مثيلتها في العالم الإسلامي، تتجلى هذه المميزات أساسا في ميلها المبكر لديمقراطية وقبولها لها مع بعض التحفظات، كما تتميز بالواقعية والبراغماتية وهو ما مكنها من بلورة مواقف وأفكار أكثر نضجا، إضافة إلى ذلك تمتاز هذه الحركات بتبنيها لسلمية ورفضها للعنف بينما يعد التدرج مبدأ من المبادئ التي تقوم عليها. الأول: الميل إلى الديمقراطية يتميز الإسلاميون المغاربة _وخاصة حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان_ بميلهم إلى الديمقراطية والسلم وذلك بتأثير من سياسة الانفتاح التي أطلقها النظام في أواخر عهد الحسن الثاني واستمرت بشكل أفضل في عهد محمد السادس، فكل الحركات تؤكد على ضرورة احترام النهج الديمقراطي حتى بالنسبة للحركات الأكثر اعتراضا على المؤسسات القائمة كجماعة العدل والإحسان التي تقبل مبدئيا بالديمقراطية برغم من انتقادها، يقول الشيخ عبد السلام ياسين "ليس لنا مع الديمقراطية نزاع إن نحن عرفنا حقيقة ظواهرها وبواطنها، وإن نحن شرحنا لأنفسنا ولغيرنا لوازمها كيف تتلاقى مع المطالب الإسلامية أو تتنافى". نلمس هذا الانفتاح والنزعة الديمقراطية بشكل جلي عند حركة التوحيد والإصلاح والتي يقول أحمد الريسوني (رئيس سابق للحركة):" الديمقراطية هي صيغ تنفيذية وأشكال تنظيمية لمبدأ الشورى الذي هو مبدأ من حق جميع الناس الذين يجمعهم شيء وتجمعهم مصلحة معينة أو قضية معينة". وفيما إذا كانت جذور الديمقراطية يونانية أو وثنية أو لادينية فإنه يقول:" الديمقراطية لم تولد لا وثنية ولا علمانية ولا مسيحية ولا أروبية، الديمقراطية ولدت على أساس أنها فكرة للتشاور والتداول،…لا أحد يلزمنا في هذه الدنيا بأن نستعمل الديمقراطية وفق وصفة معينة، وشروط معينة." وتحرص الحركة على الالتزام بالديمقراطية داخليا من خلال ترسيخ مجموعة من الضوابط التي تحكم انتخاب الرئيس داخلها سواء الرئيس الوطني أو الجهوي أو رئيس المنطقة التنظيمية ومن ضمن هذه الضوابط أن لا حق لأحد في ترشيح نفسه للرئاسة، لكل مندوب الحق في الترشيح خمسة مندوبين لمنصب الرئيس على الأكثر وثلاثة الأقل ويتم ذلك بالتصويت السري، كما تعرف الحركة ما تسميه بالتداول وهو عملية تتم بعد فرز الأصوات والإعلان الرسمي عن المرشحين الخمسة للرئاسة ليكون من حق كل مندوب إبداء رأيه في المرشحين الخمسة من هو الأصلح في هذه المرحلة لقيادة الحركة وذلك بحضور المرشحين الخمسة. ثانيا: الواقعية تعد الحركات الإسلامية في المغرب من أكثر الحركات الإسلامية مرونة وتقبلا لمتغيرات الواقع وتحولاته، وهو ما جعلها تقرر أن تعمل ضمن المجتمع القائم وأن تكون طرفا من أطراف أخريين معنيين بواقع هذا المجتمع ومشكلاته أخذت العبرة من تجارب الحركات الإسلامية السابقة محاولة أن لا تقع في الأخطاء نفسها التي وقعت فيها تلك التجارب، وهو ما جعل الإسلاميون المغاربة واعون بضرورة التغيير التدريجي ومراعاة الضغوط الوطنية والدولية ومراعاة حدودهم وقدراتهم الحركية، تتجلى ملامح الواقعية عند الحركات الإسلامية المغربية في ثلاثة مؤشرات وهي: – الوعي بضرورة التدرج إذ تتخذ حركة التوحيد والإصلاح التدرج كأحد مبادئها وترفض الاستعجال والقفز على طبائع الأشياء والتصرف تبعا للاستفزازات وردود الأفعال لما يفضي ذلك عادة إلى مصائب وكوارث تعود أضرارها على الدعوة وترجع بها إلى الوراء، حيث أن النظر إلى حجم الفساد المستشري في الأمة هو حصيلة عقود من التخريب المتعمد والإفساد المدروس، يضاف إليه قرون من الانحطاط والتراجع الداخلي، فلا يمكن للحركة الإسلامية أن ترفع هذا الفساد بين يوم وليلة ولا بد من التدرج وترتيب المهام والتأكد المستمر من سلامة السير وصواب الاتجاه. تبني الحركات الإسلامية المغربية لمبدأ التدرج ناتج عن أمرين: أولها اعتباره سنة كونية تتجلى في خلق الله السموات والأرض في ستة أيام وهو القادر على خلقها في لمحة بصر، وثانيهما استعابها لحجمها وهو ما نلمسه في تعبير الأستاذ عبد الإله ابن كيران بقوله:"إن الحركة الإسلامية كتجمع بشري تتوفر على كفاءات يمكن أن تساهم بها لا في تغيير المنكر كله، ولكن على الأقل في نقل الواقع من منكر إلى منكر اقل منه". – من مظاهر تحلي الحركات الإسلامية المغربية بالواقعية إقدامها على التخلي عن العنوان الإسلامي وحذفه من اسم الحركة، وهو تنازل تراه الحركات انه يشمل الاسم الإسلامي وليس المنهج الإسلامي بداعي تفويت ما يقال عن الجماعات الإسلامية بأنها تحتكر الإسلام لها وتزج الدين في المعترك السياسي، إضافة إلى كون النظام قد أعطى هامشا من الحريات السياسة التي قيدها بعدم جواز إدراج الصفة الدينية في العمل السياسي إذ ينص الفصل 7 من دستور 2011على عدم جواز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني حيث يقول: "لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان" فعلى مستوى حركة التوحيد والإصلاح لم تحمل هذا الاسم إلا بعد أن انتقلت من الجماعة الإسلامية إلى حركة الإصلاح والتجديد وذلك سنة 1990 لتنتقل بعد الوحدة الاندماجية بينها وبين رابطة المستقبل الإسلامي وذلك سنة 1996، وبالنسبة لجماعة العدل والإحسان فلم تنتقل من هذا الاسم إلى بعد أن حملت اسم أسرة الجماعة 1981 لتتخلى عنه سنة 1985، يفسر الأستاذ عبد السلام ياسين اختيار هذا الاسم بدل غيره بقوله: "اختيار العدل والإحسان وليس اسم أخر أن هذا الاسم يضمن لنا وضوحا كاملا من جانب وهو الفكر الإسلامي والعمل الإسلامي بصفة عامة، ومنذ زمن مفروغ منه، هو مفهوم بالضرورة وهو جانب العدل". تتجلى هذه الواقعية أيضا في رغبة الحركات الإسلامية العمل داخل النظام السياسي، حتى جماعة العدل والإحسان التي تؤجل رغبتها في المشاركة في الانتخابات بسبب غياب الشفافية، تقبل بالمشاركة السياسية من خلال تعبيرها مواقفها اتجاه الأحداث الوطنية والدولية. كما أن رغبتها في العمل العلني من خلال تقديم طلب للسلطات المعنية يؤكد هذا. إذا كانت الجماعة تنتقد النظام المغربي ومؤسساته فإنها تفعل هذا في إطار النظام نفسه لأن هدفها ليس هو قلب النظام والعمل خارج المؤسسات القانونية والسياسية. ومن إنشاء الدائرة السياسية إلا دليل على هذا المعطى ولو أن تصريحات الجماعة تبقى غير واضحة ومتناقضة أحيانا. إن تحلي الحركات الإسلامية بالواقعية والقرب من الواقع كانت له فوائده في استمرارها حيث دفع بها إلى التحول من صيغة العمل السري إلى إطار العمل العلني ومن الانغلاق إلى الانفتاح ومن العمل الذاتي الداخلي إلى الكسب الاجتماعي العام، كما أن هذا الاقتراب من الواقع أسهم في ابتعادها عن المثالية، فبعد أن كان الخطاب الإيديولوجي للحركات الإسلامية مغرقا في المثالية مقتصرا على ترديد المسائل السلفية التي غذت الحركات الإسلامية منذ ظهورها، تحولت باتجاه الالتزام السياسي وأصبحت تنادي بالديمقراطية ، مرتبطة بتصورات المجتمع ومصالحه وإلى ضرورة تجذير مطالب الجماهير السياسية والاجتماعية في الحرية والعدالة. إن هذه الحركات وإن تفاعلت وتكيفت مع الواقع إلا أن الأمر لم يبلغ إلى منزلة الاستكانة للواقع وإلى تقديسه أو السعي وراء المتغيرات المتعاقبة دون التمسك بالمعايير والقيم الثابتة والمعيارية. فبين منزلة التقديس وإنكار النماذج الثابتة، ومنزلة الجمود والمثالية التأريخية منزلة توافقية وسط تميل الحركات الإسلامية إلى انتهاجها وتعمل على التوليف بين الواقع والمرجع وإلى توزيع الأدوار بين المتغير والثابت. ثالثا: السلمية واللاعنف يعتبر اللاعنف الخاصية المشتركة لكل الحركات الإسلامية بالمغرب فهي حركات متمسكة بمنهج الوسطية والاعتدال الذي أكدته مواثيقها. تنص ورقة توجهات واختيارات لحركة التوحيد والإصلاح على رفض الغلو في الدين والتكفير والالتزام بالأساليب السلمية في العمل إذ تقول:" حركتنا حركة وسطية معتدلة ترفض الغلو في الدين وتكفير المسلمين وتلتزم التزاما تاما بالأساليب السلمية في كافة أعمالها ومواقفها، في إطار المشروعية والمقتضيات القانونية لبلادننا" ويتجلى رفض العنف عند هذه الحركة فيما عبر عنه أول رئيس لها الأستاذ أحمد الريسوني بالقول:" رفض العنف داخل المجتمعات الإسلامية هو قناعة شرعية فقهية (….)، فنحن نرفض العنف عندما نجد شرعنا يمنع من ذلك، العنف الداخلي الذي يؤدي إلى اقتتال المسلمين أو اقتتال الحاكم مع المحكومين، أو إثارة فتنة داخل المجتمع وإراقة دماء بريئة بسبب الفتنة العمياء، كل هذا مرفوض كما نرفض العنف داخل المجتمعات الغير الإسلامية". ونفس الأمر نجده عند جماعة العدل والإحسان التي رغم طابعها الاحتجاجي تتمسك باللاعنف وتنبذ العنف إذ تقول الجماعة:" لا ندعو إلى عنف أبدا لاقتناعنا أن ما بني على عنف لا يجنى منه خير، ولأننا أمرنا بالرفق والرحمة وحقن الدماء في زمن الفتنة، ولأن الذين يعوزهم الإقناع بالحجة والدليل هم الذين يلجؤون إلى أساليب الإرهاب والعنف. سياستنا رفق ورحمة بالخلق والمخلوقات" ويعتبر الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله أن العنف لا يغير إلا المظاهر والهياكل النخرة. نلمس هذا الجنوح إلى اللاعنف عند الجماعة في المفاهيم المتداولة عندها حيث عمدت الجماعة إلى استبدال مفاهيم لصيقة بالعنف كالثورة مثلا بمفهوم "القومة" التي يميزها الشيخ عبد السلام ياسين عن الثورة بقوله: "الثورة تغيير بالعنف للبيئة الاجتماعية، والقومة تغيير دوافع الإنسان وشخصه وأفكاره، تغيير نفسه وسلوكه تغيير يسبق ويصاحب التغيير السياسي الاجتماعي" إضافة إلى مفهوم الجهاد الذي تستعمل الجماعة بنوع من العقلانية يقول عبد الكريم العلمي رئيس مجلس شورى الجماعة:" إننا نميز بين مفهوم الجهاد ومفهوم القتال…. فالجهاد هو كيف نبني الأمة الإسلامية ونغير العقليات. وهناك عدة أنواع من الجهاد ذكرها الشيخ ياسين في المنهج النبوي…. من الممكن أن نقوم بالجهاد لتحرير فلسطين، لكن استعمال العنف ضد الدولة بحجة الجهاد غير مقبول." رغم تبني الحركات الإسلامية المغربية لمبدأ السلمية ورفضها المطلق للعنف وتأكيدها على سلمية وسائلها في تنزيل أهدافها إلا أنها لم تسلم من التشكيك ومن الذين يدعون أن هذا الاختيار ما هو إلا تكنيك سياسي فقط وأنه بمجرد الوصول إلا فإنها ترجع إلى الإقصاء والعنف وهو الأمر الذي ترفضه الحركات الإسلامية لغياب الدلائل عله ولأنه يضرب في النيات ولا يرتكز على دلائل واقعية. رابعا: التدرج كمبدأ تتميز الحركات الإسلامية المغربية بتبني التدرج كمبدأ، ويظهر ذلك بشكل كبير عند حركة التوحيد والإصلاح التي تجعل من التدرج تاسع المبادئ والمنطلقات، يرجع تبني هذا المبدأ إلى أمرين أساسيان أولهما نباع من المرجعية الإسلامية التي تقوم عليها الحركة أي أنها تنظر إلى التدرج على أنه سنة كونية تتجلى في خلق الله عز وجل للكون في ستة أيام وهو قادر على خلقه في أقل من لمح بصر، كما أن التدرج هو سنة اجتماعية وتاريخية يخضع له تقدم الأمم وقيام الحضارات، إضافة إلى كون التدرج منهج نبوي حرص النبي صل الله عليه وسلم على تعليمه وهو ما فعله مع معاد لما أرسله إلى اليمن إذ قال له:" إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فاخبرهم بأن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ، فإذا هم فعلوا الصلاة فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس" أما ثاني الأسباب فيتحدد في استيعابها للواقع وللمتغيرات والضغوط الداخلية والخارجية ، فهي ترى أن حجم الفساد المستشري في الأمة والناتج عن عقود من الانحطاط والتراجع الداخلي لا يمكن رفعه بين يوم وليلة ولا بد من التدرج. إن لجوء الحركات الإسلاميات إلى التدرج يهدف إلى تفادي المثالية والإخفاق مستفيدات في ذلك من التجارب الإسلامية في المشرق والمغرب، هذه المرونة لا تعني بأي حال من الأحوال التخلي عن الثوابت فهي تميز بين التدرج المنضبط لمصلحة الدعوة وبين التباطؤ الناشئ عن الخوف من الناس والحرص على الدنيا من جهة وبين الانسلاخ عن القيم والثوابت. * طالب باحث في شؤون الحركات الإسلامية