لم يفكر في العواقب التي يمكن أن تصادفه في الطريق عندما حمل حقيبته وانطلق من مدينة الدارالبيضاء ليسافر عبر بلدان القارة الإفريقية سيرا على الأقدام، لكن حبه للمغامرة واكتشاف البلدان والثقافات البعيدة عن بلده المغرب جعله يركب التحدي ويقطع الآلاف من الكيلومترات في مختلف بلدان القارة السمراء. ياسين غلاب، شاب مغربي من مواليد مدينة الدارالبيضاء، خرج من المغرب منذ 22 من يناير الماضي كرحالة وعاش مغامرات بين أدغال إفريقيا، امتزجت بين لحظات خطيرة وأحاسيس إنسانية وسط مجتمعات قبلية، واكتشف تقاليد وعادات غريبة في كل بلد يمر منه، وكون صداقات في كل مكان اختلط فيه بالسكان المحليين. على نهج الملك قرر ياسين تحقيق حلم صغره في السفر لأكبر عدد من الدول سيرا على الأقدام بصفر درهم، واختار أن يبدأ من القارة الإفريقية التي ينتمي إليها، يقول الرحالة المغربي في حديثه لجريدة "العمق". إن عودة المغرب إلى حضن القارة الإفريقية بقرار من الملك محمد السادس الذي قام أيضا بجولة في عدد من بلدان هذه القارة جعله يسير على هذا النهج ويجعل إفريقيا أولى محطاته العالمية في السفر والترحال لاستكشاف المجتمعات والثقافات الأخرى. سائقون ورحل الصحراء بدأت رحلة ياسين من الدارالبيضاء في يناير 2017 نحو العاصمة السنغاليةدكار، تعرف خلالها على عدد من السائقين المغاربة الذين يشتغلون في النقل بين المملكة وباقي بلدان القارة، اكتشف مشاكلهم والمخاطر التي يصادفونها في رحلاتهم التي لا تنتهي في مسافات طويلة يسود فيها الظلام ليلا وحر الشمس الساطعة نهارا. قطع الصحراء في موريتانيا واقترب أكثر من حياة الرحل والبدو البسيطة ومن ثقافة هذا البلد الجار التي تشبه كثيرا ما هو موجود في الأقاليم الجنوبية للمملكة، خاصة فيما يخص الأزياء التي يتزين بها السكان وبعض الأكلات الشعبية التي تعدها المرأة الصحراوية. دكار .. خطة جديدة يقول الرحالة المغربي إنه دخل إلى السنغال وأجبر على تغيير خطة الرحلة بعدما صادف صعوبة في إقناع السائقين على مرافقتهم للوصول إلى الأماكن التي أراد أن يقصدها، خاصة وأنه يحمل تحدي التجوال في إفريقيا بصفر درهم، وعرف حينها أن متاعبه المرتقبة ستزداد أكثر، لكنه حصل أخيرا على دراجة هوائية اقتناها له بعض أفراد الجالية المغربية في دكار. أتنفس إفريقيا خلال تواجده بالسينغال زار الرحالة المغربي عدد من المواقع الأثرية كما اكتشف أكبر حديقة وطنية في هذا البلد، والتي تضم أنواع كثيرة من الحيوانات وبينها أزيد من 140 أسدا. وعبر بعدها إلى غينيا كوناكري حيث عاش لحظات لا تنسى من الثقافة الإفريقية في شلال Dindefelo المعروف، فزاد عشقه ورغبته في اكتشاف المزيد عن القارة السمراء التي يتنفسها، على حد تعبيره. جبل "إلهة" في كوناكري يقول ياسين، هدفي من هذه الرحلة ليس فقط قطع مسافة طويلة، هدفي أن أعيش الثقافة ليس فقط لأعرفها أو أراها بعيني أو أصورها، بل أن أعيش وسط المجتمع الإفريقي وأعيش تقاليدهم، وهذا الأمر لا يحرك في أي شيء بخصوص إيماني بالله عز وجل، بل العكس يزيد ذلك من تقوية إيماني وأثق في الله عز وجل. في غينا كوناكري دخل الرحالة المغربي إلى قرية في شمال البلد ووسط جبل اسمه "مرورا" مجسدة عليه صورة امرأة، وجد السكان المحليون يعبدونها بطقوس غريبة ويتقربون إليها لتحقيق مطالبهم وأحلامهم. زواج في قبيلة لم يكن ياسين الذي اعتاد على ثقافة بلده أن يجد نفسه مضطرا للزواج من إحدى فتيات قبيلة إفريقية بمجرد أن وطأت قدماه ترابها. يحكي للجريدة أنه استمر في المسير بين قبائل وقرى غينيا قبل أن يجد نفسه في قبيلة فوجئ بتقاليدها، حيث أرغم على الزواج كتقليد يعامل به زائر القبيلة، لكن زواجه لم يدم سوى ثلاثة أيام قبل أن يقرر إكمال رحلته بين الأدغال والقرى والمدن الإفريقية. "رغم بعض التقاليد والطقوس الغريبة، تعرفت أكثر على الثقافات المختلفة في هذا البلد المسلم، وأعجبتني الصورة الصحيحة لمواطنيه عن المغرب مقارنة بالبلدان الإفريقية الأخرى، بحكم العلاقات المغربية وهذا البلد، والكثير من المغاربة يذهبون إلى هناك للاشتغال ومواطنون أيضا من غينيا كوناكري يأتون إلى المغرب، لذلك يعرفون جيدا المملكة و يدعمونها في وحدتها الترابية ويعرفون أن الصحراء مغربية"، يقول ياسين غلاب. في بلاد الفيلة انتقل الرحالة إلى الكوت ديفوار أو ساحل العاج أو بلاد الفيلة كما يطلق عليها، خاصة على منتخبها في كرة القدم. تجول بين عدد من المدن والقرى، واقترب من السكان الذين لا يعرفون المغرب كثيرا، ولديهم معلومات محدودة عن المملكة وعن المغاربة بشكل عام، ويعرفون اسم المغرب فقط من التلفاز، لذلك تكونت لديهم صورة خاطئة عن المملكة، حيث يعتبرون أن المغرب لا ينتمي إلى إفريقيا ولا يرغب في الانضمام للاتحاد الإفريقي، ولذلك تجد كتبا عديدة تحمل خريطة المغرب مبتورة من صحرائه. وهو يسرد حكاياته في هذا البلد، قال ياسين إنه كلما مر من قرية، يلقى فيها الترحيب، ويقيم السكان أمسيات يناقش فيها معهم هذه المواضيع التي تهم المغرب، ويحاول أن يفسر أن المغرب لديه أعداء يسوقون صورة غير صحيحة عنه، وأن السبب هو مشاكل سياسية لها علاقة بالوحدة الترابية للمملكة. الملاريا في رمضان دخل غلاب إلى دولة الطوغو وعاش في قرية اسمها "دافو" لمدة 15 يوما، وتعرف على عاداتهم وثقافتهم وكسب العديد من الأصدقاء هناك، قبل أن ينتقل إلى دولة البنين. وكما في كل محطة، التقى بالعديد من المغاربة الذين يشتغلون في مختلف البلدان الإفريقية. بعد أن قضى أياما في البنين، دخل الرحالة المغربي إلى نيجيريا، وهي المحطة التي كانت صعبة بالنسبة إليه وواجه عددا من العراقيل، لأن مزاج مواطني هذا البلد صعب جدا، على حد تعبيره، كما أنهم يعانون من مشاكل اقتصادية . لم تنته متاعب ياسين عند هذا الحد وهو يتجول في هذا البلد خلال أيام رمضان، بل أصيب بداء الملاريا في الأسبوع الأول من الشهر الفضيل وهو صائم، كما أنه استمر في رحلته ليقطع مسافة 90 كيلومتر كل يوم قبل أن يحط الرحال بدولة الكاميرون التي قصد فيها سفارة المغرب، حيث اقتنى له سفير المملكة دراجة جديدة ليكمل مغامراته في إفريقيا. ملك في الغابون في دولة الغابون للمغاربة وزن كبير ومكانة لدى السكان المحليين، بحكم تواجد عدد كبير من الجالية المغربية، بل إن سكان هذا البلد الإفريقي يفضلون كثيرا المغاربة. يضيف ياسين، أنه وجد ترحيبا كبيرا من طرف الأشخاص الذين يصادفهم وغالبا يدعونه إلى بيوتهم، ويتعاملون معه كالملك، لدرجة أن هناك من يطلق عليه لقب "سفير ملك" المغرب، على حد تعبيره. رحلتي في كتاب قال ياسين للعمق، "رحلتي مستمرة، واليوم وصلت إلى الطوغو بعد أزيد من ثمانية أشهر كلها مغامرة في عدد من البلدان الإفريقية، عشت خلالها لحظات جميلة وصعبة في أحيان أخرى، جمعت خلالها حكايات وقصص إنسانية سأحكيها للمغاربة في كتاب سأصدره. اهتم ياسين خلال حكايته التي لا يعرف متى تنتهي بتوثيق كل لحظة يعيشها عبر الصور والفيديوهات التي ينشرها عبر صفحته في "فيسبوك"، حيث يتقاسم ما يعيشه مع أصدقائه ومتابعيه وخاصة من المهتمين بالتجوال والترحال.