خصصت العاصمة الغينية كوناكري استقبالا حماسيا حارا لجلالة الملك محمد السادس، الذي بدأ مساء الخميس، زيارة عمل وصداقة لجمهورية غينيا، وذلك في إطار جولة قادت جلالته إلى كل من غانا وزامبيا. فقد أبى المغاربة المقيمون بغينيا وساكنة العاصمة كوناكري إلا أن يخصصوا لجلالة الملك استقبالا مشهودا في مستوى هذه الزيارة الميمونة، بما يعكس بحق متانة وشائج الصداقة والأخوة العريقة التي تجمع قائدي وشعبي البلدين، والتي وضع أولى لبناتها جلالة المغفور له محمد الخامس والرئيس الغيني الراحل أحمد سيكو توري. فانطلاقا من مطار كوناكري- غبيسيا الدولي، تجمعت حشود غفيرة من مختلف الأعمار على جانبي الطريق المؤدية إلى قصر محمد الخامس، والتي حجت بكثافة لاستقبال جلالة الملك والترحيب بمقدمه إلى هذا البلد الغرب- إفريقي الشقيق المرتبط بالمغرب عبر علاقات نموذجية ومميزة، تعبيرا منهم عن مشاعر الامتنان والعرفان إزاء مختلف المبادرات التضامنية التي تتخذها المملكة اتجاه عدد دول القارة الإفريقية، وفي مقدمتها جمهورية غينيا. وهكذا، اكتست كوناكري أبها حللها وهي تستقبل ضيفها الكبير، حيث اتشحت أهم شوارع وطرق ومدارات وساحات المدينة بالعلمين المغربي والغاني وبصور كبرى لجلالة الملك وفخامة الرئيس الغيني السيد ألفا كوندي، في دلالة رمزية على عمق الصداقة والأخوة التي تجمع قائدي البلدين والشعبين الشقيقين. وقد تجلى هذا الجو الاحتفالي والحماسي الفياض، في الشعارات التي كان يرددها المحتشدون على جنبات الطريق الذي يربط بين المطار وقصر محمد الخامس، من قبيل "مرحبا بصاحب الجلالة الملك محمد السادس" و"عاشت الصداقة الغينية- المغربية" و"يحيى التعاون الغيني- المغربي"، وهي الشعارات التي كانت ممزوجة بأهازيج شعبية أدتها فرق فلكلورية محلية. ويقول ألفا عمر ديالو، مواطن غيني انتقل إلى المطار من أجل الترحيب بمقدم جلالة الملك، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بهذه المناسبة، "إننا نشعر بسعادة غامرة ونحن نستقبل بيننا جلالة الملك، الصديق الكبير لإفريقيا، وغينيا على وجه الخصوص".
بدورها عبرت عيشاتا بعفوية عن مشاعر الفرح والسعادة التي تغمرها باستقبال جلالة الملك، الذي وصفته ب "الملك الإفريقي"، متمنية لجلالته مقاما سعيدا بغينيا. من جهته، يقول أحد أفراد الجالية المغربية المقيمة بكوناكري "لطالما انتظرت الجالية المغربية بغينيا هذه الزيارة الثانية من نوعها، على اعتبار أنها ستمكن من تعزيز العلاقات القائمة بين المغرب وهذا البلد الإفريقي الهام". وتوازي الحفاوة وتميز الاستقبال الذي خصص لجلالة الملك بكوناكري الدرجة الرفيعة التي يحظى بها ضيف جمهورية غينيا الكبير، كما تعكس الشعور بالعرفان والتقدير الكبير الذي تكنه الشعوب الإفريقية لشخص جلالة الملك، الذي ما فتئ يطلق المبادرات تلو المبادرات، في إطار التضامن الأخوي الإفريقي والتعاون جنوب- جنوب. ويعكس الاستقبال الحماسي الذي حظي به جلالة الملك، أيضا، تميز العلاقات القائمة بين الشعبين وقائدي البلدين، اللذين تحذوهما رغبة أكيدة في السير قدما على درب تعزيز العلاقات الثنائية وتكريس شراكة منفتحة على مستقبل أفضل. الزيارة الملكية لكوناكري: العلاقات المغربية الغينية "نموذج قوي" للتعاون جنوب- جنوب أكد سفير المغرب في غينيا، إدريس اسباعين، أن العلاقات المغربية الغينية تشكل اليوم "نموذجا قويا" للتعاون جنوب –جنوب على مستوى القارة الإفريقية. وقال السفير ان الزيارة التي يقوم بها جلالة الملك محمد السادس، لكوناكري، "تفتح آفاقا جديدة للعلاقات المغربية الغينية التي تشكل مثالا للتعاون جنوب –جنوب الذي ما فتئ جلالة الملك يدعو إلى تعزيزه على مستوى القارة الإفريقية". وأوضح أنه منذ اعتلاء جلالة الملك العرش، "نسجل إرادة حازمة مشتركة مع فخامة رئيس جمهورية غينيا، ألفا كوندي للحفاظ على إرث الراحلين جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، والرئيس الغيني الراحل، أحمد سيكو توري، وبناء علاقة خصبة ومكثفة وواعدة بازدهار البلدين والسلام والاستقرار في إفريقيا برمتها". وأبرز الدبلوماسي المغربي أن العلاقات بين المغرب وغينيا تقوم اليوم على مقاربة تضامنية تعكس الانخراط الثابت ومتعدد الاشكال للمملكة بإفريقيا، وسعيها الحثيث لتعزيز علاقات التعاون مع دول القارة بما في ذلك جمهورية غينيا، في جميع المجالات. وأشار في هذا الصدد، إلى أن المغرب أبان عن تضامن نموذجي مع هذا البلد، تجسد أساسا إبان أزمة استفحال فيروس إيبولا الذي طال عددا من الدول الإفريقية بما في ذلك غينيا، مبرزا أن المملكة كانت ضمن الدول القلائل جدا التي أبقت على رحلاتها الجوية نحو وجهة كوناكري، إلى جانب استفادة هذا البلد من عدد من الهبات الملكية ومن خدمات مستشفى ميداني عسكري مغربي. وحسب الدبلوماسي المغربي، فإن "التعاون بين غينيا والمغرب يشكل اليوم نموذجا في إفريقيا، مشيرا إلى أن أولى الاتفاقات التي تم توقيعها بين البلدين تعود لسبعينيات القرن الماضي". وأبرز أنه "اليوم، وبعد زيارة جلالة الملك محمد السادس لغينيا في مارس سنة 2014، هناك أزيد من 56 اتفاقا عام-عام، وعام -خاص، وخاص-خاص، بين البلدين في عدد من القطاعات الرئيسية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بجمهورية غينيا من قبيل المعادن والفلاحة والصيد البحري والنقل الجوي وغيرها. وأشار إلى أنه في مجال التكوين المهني، يمنح المغرب، سنويا، 60 منحة دراسية لفائدة الطلبة الغينيين، موضحا أن هناك أزيد من 400 طالب مسجلين حاليا في الجامعات والمدارس والمعاهد ومؤسسات التكوين المهني بالمملكة. وحول التعاون الثنائي في تدبير الحقل الديني، قال السفير إن الأمر يتعلق ب"إطار تعاون نموذجي"، حيث وقع البلدان في شتنبر 2014 بروتوكول اتفاق لتكوين 500 إمام غيني في المغرب من طرف معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات الذي تم تدشينه في الرباط في مارس 2015. وأبرز أن هذه المؤسسة التي أصبحت اليوم "عنصرا أساسيا" في الجهود التي يبذلها المغرب للنهوض بقيم الاعتدال الديني والتسامح، توفر اليوم تكوينا ل 300 إمام غيني إلى جانب 20 امرأة للمساهمة في تأهيل الحقل الديني في غينيا. وفي إشارة إلى التضامن المتبادل والموصول مع المغرب من جانب الشعب والحكومة الغينيين، منذ عهد الرئيس الراحل أحمد سيكو توري، وطيلة عهد الرئيس الحالي ألفا كوندي، ذكر السيد اسباعين على الخصوص بأن غينيا تدعم قضية الوحدة الترابية للمملكة، "حيث انتصبت على الدوام مدافعا عن مغربية الأقاليم الجنوبية للمملكة في الهيئات الإقليمية والدولية". وحول قضية عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ذكر السفير "بالالتزام التاريخي لقائدي الاستقلال الراحلين جلالة المغفور له محمد الخامس وأحمد سيكو توري إلى جانب زعماء أفارقة آخرين لفائدة توحيد والتحرير الفعلي للقارة، وهو التزام قاد الى عقد مؤتمر مجموعة الدارالبيضاء 1961 الذي كان وراء تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963". وأشار إلى أن المملكة المغربية وجمهورية غينيا كانتا من ضمن الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الافريقية، "وعندما غادر المغرب المنظمة سنة 1984، ظلت غينيا مثلها مثل العديد من الدول الصديقية متضامنة مع موقفنا وعملت من أجل سيادة الشرعية والعدالة على مستوى هذه المنظمة". وأبرز السفير في هذا الصدد مضامين الخطاب التاريخي لجلالة الملك خلال القمة ال28 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في يناير الماضي، والذي أبرز فيه جلالته أن الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية "أتاح الفرصة للمغرب لإعادة تركيز عمله داخل القارة، ولإبراز مدى حاجة المغرب لإفريقيا، ومدى حاجة إفريقيا للمغرب". المغرب "شريك رئيسي" لغينيا في مجال التنمية والتعاون أكد الكاتب العام للجمعية الوطنية لجمهورية غينيا، محمد بيريتي، أن المغرب يعد "شريكا رئيسيا" لغينيا في مجال التنمية والتعاون جنوب- جنوب. وقال بيريتي في تصريح للصحافة، إن "المغرب يعد شريكا رئيسيا لبلادنا في مجال التنمية والتعاون جنوب- جنوب"، مضيفا "نحن ممتنون جدا للجهود التي يبذلها المغرب لفائدة غينيا، وللمكانة التي يخص بها بلادنا في سياسته الخارجية". وأوضح أن هذه الزيارة تجسد، مجددا، سعي جلالة الملك لتكريس وتنويع العلاقات المتميزة التي تجمع المغرب وغينيا منذ فجر الاستقلال، والتي أرساها جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني. ونوه السيد بيريتي من جهة أخرى ب"الرؤية المتبصرة" لجلالة الملك التي مكنت من ظفر المملكة بمقعدها مجددا في الاتحاد الإفريقي، معتبرا أن الزيارة الملكية الحالية لكوناكري تمكن المغرب من الاضطلاع بدور مهم في تعزيز الاندماج الإفريقي، حيث إن الرئيس الغيني، ألفا كوندي، يتولى حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي. وخلص الكاتب العام للجمعية الوطنية الغينية إلى القول بأن عودة المملكة لأسرتها المؤسسية القارية تشكل "فرصة ثمينة" لجميع شعوب القارة لتحقيق السلام والتنمية. وأبرز في هذا الصدد أن "المغرب بلد كبير على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي، وهو مستعد لوضع تجربته الغنية رهن إشارة باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي". عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي مكسب لغينيا أكد رئيس الجمعية الوطنية الغينية، كلود كوري كونديانو، الخميس، أن عودة المغرب للاتحاد الإفريقي تشكل مكسبا لغينيا وللقارة الإفريقية برمتها. وقال كونديانو في تصريح للصحافة بمناسبة زيارة العمل والصداقة التي يقوم بها جلالة الملك محمد السادس لغينيا، إن "عودة المملكة للبيت الإفريقي مكسب لغينيا وللقارة الإفريقية برمتها، على اعتبار أن هذه العودة ستعزز من القوة التفاوضية للقارة وستمكن المغرب من الحضور بقوة في مختلف المحافل الدولية" بما يخدم المصالح الحيوية لإفريقيا. وأضاف "عندما علمنا بشروع المغرب في الإجراءات المتعلقة بالعودة للاتحاد الإفريقي، تضرعنا إلى الله بأن تتكلل هذه الجهود بالتوفيق (…) وبنجاح المملكة في مسعاها، نشعر نحن الغينيون بسعادة غامرة". وأعرب رئيس الجمعية الوطنية الغينية عن أمله في أن تكون "الدول التي كانت سلبية اتجاه هذا المسعى قد استوعبت أن عودة المغرب ضرورة حيوية، وأن تعي أهمية العمل المشترك من أجل بلوغ قارة إفريقية قوية تمتلك آليات تفاوضية متينة". وعلى مستوى العلاقات الثنائية، أكد كونديانو على أن زيارة جلالة الملك للجمهورية الغينية، والتي تعد الثانية من نوعها، تكتسي أهمية بالغة بالنسبة لغينيا، قيادة وحكومة وشعبا، مذكرا بأن العلاقات التي تجمع البلدين أسس لها الزعيمان الراحلان جلالة المغفور له محمد الخامس والرئيس أحمد سيكو توري. وخلص إلى أن المغرب لطالما قدم الشيء الكثير لغينيا، لاسيما على مستوى التعاون الاقتصادي وتبادل التجارب والخبرات، بما يعزز توجه الرباط وكوناكري نحو التأسيس لشراكة استراتيجية مربحة لكلا الطرفين.