خصصت القناة الألمانية "دوتشيه فيله" في إطار برنامجها الإخباري "المسائية" حلقة حوارية حول تكليف الملك محمد السادس المجلس الأعلى للحسابات يوم الإثنين الماضي لإجراء بحث عاجل بخصوص تأخرها في تنفيذ مشروع الحسيمة منارة المتوسط، بمشاركة المحلل السياسي ادريس العيساوي والناشط الحقوقي والأمازيغي أحمد عصيد. واستفسر الإعلامي احمد اعبيدة، أولا عن مغزى وضع الملك الملف بين يدي جهاز القضاء المالي بالمغرب مع تأكيد عدم وجود اختلاس أو غش بالمقابل، وأكد الضيفان المغربيان أنه كان من الضروري أن يقع الفرز بين الأعمال المجرمة حسب قانون تدبير المالية العمومية على اعتبار أن الإشكال يكمن في غياب التدبير العقلالي للمشاريع وغياب الحكامة أيضا، وعدم ائتلاف السياسات العمومية بخصوص هذه المشاريع. واستبعد العيساوي الطرح الذي قدمه الإعلامي اعبيدة المتمثل في وجود شكوك لدى الملك بخصوص تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية وطلبه قراءة ثانية، مؤكدا أن بيت القصيد هو أسباب التأخر، فهناك وزارات تشتغل كل واحدة على حدة وتنتظر أن يأتي القرار من جهة أخرى، وبالتالي هناك تعطل لمجموعة مشاريع في مناطق أخرى وليس فقط في الحسيمة لوحدها. ورأى عصيد أن المجلس الأعلى للحسابات سبق أن قدم تقارير مدققة وأثبت وجود فساد واختلاسات ولم تتم متابعة المسؤولين متحدثا عن وجود عطب في السياسة المغربية وهو عدم المتابعة الضرورية لملفات من هذا الحجم، مضيفا أن تعطل المشاريع التنموية يفضي طبيعيا إلى احتجاج وهذا ليس حكرا فقط على الحسيمة، وعزا أسباب تعثر المشاريع إلى الإدارة والمساطر البيروقراطية، وتحويل ميزانيات بسبب لوبيات إلى مشاريع أو مناطق أخرى، وكذا التصادم بين المؤسسة الملكية والمؤسسة الحكومية، موازاة مع عدم تقبل حزب معين في الحكومة أن يحسب مشروع ما انتخابيا إلى جهة أخرى، وهذا بالذات ما يوجد في الحسيمة. الإعلامي اعبيدة اعتبر من جهته أن قرار الملك قرأه مغاربة على أنه يعكس رغبة سياسية لاحتواء حراك الريف، مشيرا إلى أن الحراك لايتضمن فقط الجانب الاقتصادي بل يشمل أيضا الجانب الإنساني المتمثل في وضع المعتقلين الذين دخلوا منذ فترة في إضراب عن الطعام. إثر ذلك تم تقديم شريط فيديو قصير يقدم كرونولوجيا الحراك جاء فيه: «الحسيمة منارة المتوسط مشروع تنموي عملاق بقيمة 6 ملايير درهم لتغيير وجه منطقة الحسيمة أطلقه االملك محمد السادس في أكتوبر 2015، وبعد حوالي عام أفاقت المدينة على خبر مقتل بائع السمك محسن فكري داخل شاحنة لجمع النفايات، لتندلع احتجاجات شعبية بالمنطقة عرفت باسم حراك الريف، استمرت لعدة أشهر واعتقل معها عشرات الشباب، أبرز قادتها ناصر الزفزافي في نهاية ماي من هذا العام، وفي أواخر شهر يوليوز 2017، عبر العاهل المغربي في اجتماع وزاري عن استيائه من تأخر تنفيذ مشاريع الحسيمة منارة المتوسط وطالب بالتحقيق في ملابسات هذا التقصير على حد تعبيره، وفي خطاب العرش انتقد الطبقة السياسية وتعهد بتطبيق مبدإ محاسبة كل المسؤولين دون استثناء أو تميز، وقبل يومين من تسلم العاهل المغربي التقرير الذي طالب بإجرائه أعطى مهلة عشرة أيام لفتح تحقيق قضائي. فعن ماذا ستسفر إذن تحقيقات المجلس الأعلى للحسابات؟». عاد الإعلامي ليحاور ضيفه بطرح سؤال هل نتوقع قرارات ملكية بناء على ما سيتوصل إليه المجلس الأعلى؟ وجاءت التوضيحات في هذا الإطار أن النازلة لاتتعلق بمحاسبة شخص أو شخصين، بل محاسبة سياسات عمومية لم تلتق من أجل التنفيذ، فالمسؤولية عن التأخير قائمة، في غياب الاختلاس لأن الاعتمادات المالية الضرورية لم تفتح بعد، وبخصوص الفساد فالحكومة تعترف به (يقول العيساوي) وقد وضعت استراتيجية لمحاربة الرشوة كما نسميها في المغرب، ووضعت لها ميزانية 8٫5 مليار درهم، وتمت الإشارة إلى مجموعة من مكامن الخلل في الدرك والأمن والصحة والإدارة والصفقات والتعليم، ومنذ الإعلان عن الاستراتيجية لم يتم تنفيذها إلا جزئيا من خلال بعض الآليات، مضيفا أن الملك بقرار إحالة الملف على المجلس، أراد أن يأخذ بعدا معينا حتى لايصير في معادلة مع الشارع، وأن يحرك الآليات المؤسساتية كي يعطي لنفسه وللقائمين على هذا الشأن المسافة الضرورية حتى لايقع ما كنا نعرفه في عهد البصري من مطاردة الساحرات، لذلك كان من الضروري أن نمر عبر حلقة المجلس الأعلى حتى نقرأ هذه الاختلالات بشكل دقيق وجيد. وبخصوص تساؤل حول وجود ترابط بين تكليف المجلس الأعلى للحسابات وتأجيل محاكمة المعتقلين، أفاد عصيد أن الهدف من المبادرة الملكية الاحتواء النهائي للحراك، لكن بالنسبة للحقوقيين والقوى الاجتماعية والمدنية فإن المطلب ليس فقط المقاربة الاقتصادية الاجتماعية ودفع المشاريع نحو الأمام لاستكمالها وتهدئة الأوضاع، بل المطلب إطلاق سراح المعتقلين، وبعد العفو الملكي عن معتقلين سابقين في مناسبات سالفة، المنتظر الآن أن تفضي المحاكمات إلى سراح المتبقين والذين يخوضون إضرابا عن الطعام. وأضاف أن علاقة الملك محمد السادس مع منطقة الريف خاصة فغداة اعتلائه العرش ومنذ أن أخذ بزمام الأمور انتهج مقاربة المصالحة التاريخية ووضع المشاريع بالناظور والحسيمة وتطوان، بينما لم يطور المستعمر نفسه المنطقة مقارنة بمناطق أخرى، لذلك ماوقع في الحسيمة كان نتاج طريقة أمنية انتقامية نلمس نتائجها اليوم، وهناك أمل لتدخل جلالة الملك من خلال عفو شامل أو جزئي. إلى ذلك نفى الضيفان المغربيان وجود نوايا معاكسة للوحدة أو نزوعات انفصالية في هذا الحراك، معلنين رواج أخبار مفبركة في هذا الصدد تبين لاحقا أنها غير صحيحة، وأن المطالب اجتماعية صرفة، مشروعة وواضحة لدى الرأي العام، وبالتالي تم تأويل الرموز في اتجاه لايحتمله الحراك، وكان المطلب إنصاف المنطقة عبر معالجة شاملة، وأما تصعيد الشارع فهو ردة فعل لعدم الإصغاء وسوء تدبير ملف مقتل الشاب فكري. أما الحراك الذي تعرفه عدة مناطق بالمغرب، فهو يسعى إلى شد انتباه المسؤولين إلى القضايا المطروحة باستعجال والعالقة ليضيفا في الختام، أن حراك الريف كان داعما للوحدة الوطنية ومنددا بتعثر السياسات العمومية والمشروع التنموي الوطني، وأن رفع الأعلام في الحسيمة كان إشارة للصمود والمقاومة.