نتابع في هذا المقال قراءتنا لواقع أحزاب الحركة والشعبية والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية بعد تقديم قراءتنا في المقال السابق لواقع أحزاب العدالة والتنمية والبام والاستقلال والتجمع الوطني للاحرار في ظل الدخول السياسي المغرب لهذه السنة الذي يميزه : قوة خطاب عيد العرش الأخير وسخط الملك على الأحزاب وزعماءها، وتأكيده انه حان وقت تفعيل المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة مما جعل المغاربة ينتظرون حدوث "قرارات عليا" مرتقبة قد تصل إلى حد إعفاء وزراء ومسؤولين كبار في الوقت المناسب . ثانيها الاستقالة المفاجئة لإلياس العماري من قيادة "حزب الأصالة والمعاصرة" بعد الخطاب الملكي.ثالثها استمرار بنكيران الأمين العام ل"العدالة والتنمية" وحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال توجيه تصريحاتهما النارية حيال القصر ومحيط الملك.رابعها انتظارية قاتلة للنخب السياسية وباقي المؤسسات من حالة الغموض التي يمر منها المغرب.خامسها إفشاء حميد شباط وبنكيران معطيات خطيرة ومثيرة حول ما جرى من بعد 7 اكتوبر مقابل صمت رهيب من طرف الدولة ومن الشخصيات المعنية .سادسها اتجاه أهم الأحزاب السياسية المغربية تغيير زعمائها إذ يستعد حزب الاستقلال "التخلي" عن حميد شباط زعيماً للحزب، وحزب العدالة والتنمية " عن عبد الاله بنكيران امينا عاما للحزب وحزب الأصالة والمعاصرة يواجه قرار تغيير قيادته بعد استقالة إلياس العماري . وأمام هذه الأحداث التي تميز الدخول السياسي بالمغرب لهذه السنة ، سنحاول في هذا المقال تقديم تتمة قراءة الوضع الراهن للاحزاب السياسية المغربية التالية: الحركة الشعبية: يعيش هذا الحزب على إيقاع صراعات وحروب وتصدعات داخلية صامتة خصوصا بعد إعلان امحند العنصر الزعيم الحالي التنحي مستقبلا عن منصب الأمانة العامة لحزب "السنبلة" لفتح المجال أمام قيادة جديدة ، لكن التحدي المطروح – اليوم أمام أجهزة وهياكل الحزب- هو من سيخلف العنصر على القيادة وكيف سيحافظ على وحدة وتماسك حزب ما زال يعيش "ثقافة القبيلة "ويعاني من ضعف الانضباط والتنظيم والالتزام السياسي.والأكيد ان الدولة قد فطنت الى هذا الأمر فجاءت بمحمد حصاد للاستوزار باسم الحركة الشعبية ، هذا الاستوزار الذي بعثر كل تكهنات واستراتيجيات صقور الحزب الحركي وحد من طموحها لخلافة العنصر على رأس الأمانة العامة . وفي انتظار عقد المؤتمر أواخر سنة 2018 وعقد الدورة العادية للمجلس الوطني للحزب يوم 27 يناير 2018، بعد تشكيل لجنة للتتبع والتنسيق من أجل مواكبة والتحضير للاستحقاقات التنظيمية والسياسية يعرف الحزب غليانا داخليا صامتا حول البحث التموقع داخل الحزب في مرحلة ما بعد رحيل امحند العنصر بعد اقتناع صقور الحزب والطامحين لقيادته بان حصاد يبقى هو المرشح القوي لقيادة حزب يعيش أزمات بنيوية جسدتها تراجعاته الاستحقاقات الانتخابية .لذلك فالذين يراهنون على السيد حصاد – لإعادة هيكلة الحزب وجعله إحدى الأرقام الأساسية في سياق سطع فيه حزب العدالة والتنمية وتراجعت فيه أسهم جل الأحزاب السياسية- يدركون جيدا صحة ما قاله ROBERT REZETTE روبرت ريزين في كتابه : "الأحزاب السياسية المغربية" ان : "تاريخ الأحزاب المغربية هو تاريخ بعض الرجالات أكثر منه تاريخ التنظيمات " . مهمة حصاد صعبة لكن ليست مستحيلة لتحديد خارطة طريق جديدة لحزب الحركة الشعبية بعيدا عن إرضاء الخواطر والرضوخ لثقافة الريع السياسي والكولسة السياسية التي جعلت من الحزب رقما انتخابيا ليس الا.صحيح ستخرج قوى الريع السياسي والاقتصادي والانتخابي بالحزب – بطرق ملتوية وخفية-للتشويش على أهلية ترشح حصاد بمبرر عدم توفره على شرط الترشح للأمانة العامة لكونه لا يتوفر على عضوية ولاية كاملة بالمكتب السياسي كما ينص على ذلك النظام الأساسي للحزب لكن اعتقد ان هذه المسالة تبقى شكلية ما دام ان المؤتمر سيعدل قوانين الحزب وستسمح لحصاد الترشح للأمانة العامة في ظل سياق دخول سياسي مأزوم يعيش فيه حزب الحركة الشعبية على انتظارية قاتلة.. حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: لا يختلف اثنان ان وضع هذا الحزب لا يخرج عن وضع الأحزاب اليسارية المغربية التي فقدت الكثير من جاذبيتها ومصداقيتها عند المواطن حتى أصبح البعض يصف الحزب بالاتحاد الاشتراكي لكن بدون قواعد شعبية مبرهنين على ذلك بالنتائج المخيفة التي حصل عليها الحزب في الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية الأخيرة حيث ان الاتحاد الاشتراكي كان من اكبر الخاسرين في هذا المسلسل الانتخابي.وبسبب هاته النتائج المخيبة عرف الحزب هزات داخلية في المؤتمر التاسع و تصدعات وصراعات قوية في المؤتمر العاشر بين ادريس لشكر الذي يصفه خصومه بانه انهك قوة الحزب بصراعات هامشية وتحميله مسؤولية التراجع السياسي والنقابي والتمثيلي والمجتمعي معتبرين أن المنهجية التي يتبعها الكاتب الاول في تدبير الحزب تتسم بالانفرادية في اتخاذ القرارات والإقصاء الممنهج للكفاءات القوية والمنافسة له وعدم الالتزام بتوصيات المؤتمرين الوطنيين التاسع والعاشر. الوضع الحالي لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان مدرسة في النضال، وصوغ القيم، والالتزام قواعد العمل السياسي النبيل،والدفاع المستميت عن الطبقات الشعبية يعيش – اليوم- وضعا صعبا، يتمثل في ضعف كاريزما قيادته، واهتزاز أركانه وهُزال أدائه وتآكل شعبيته وتفكك هياكله محليا وجهويا ومركزيا. صحيح ان لشكر نجح في الدخول الى حكومة الإسلاميين- بطرق غير واضحة- رغم نتائجه الهزيلة في الانتخابات لتشريعية الأخيرة كما قالت أسبوع الصحيفة الفرنسية "جون أفريك" لشكر ‘'فاز ‘'لكن ماذا عن حزب الاتحاد الاشتراكي؟ يدرك المتتبع للشأن الحزبي الاتحادي بان هناك عدة مؤشرات سلبية تنخر كيفية تدبير شؤون الحزب الاتحادي لكون الكاتب العام عجز عن تحقيق تدبير صراعاته مع خصومه بطريقة ديمقراطية؛ خصوصا في ظل اتساع فجوة تباين المواقف والرؤى بين صقور الحزب والقيادة الحالية و سعي كل طرف منهم إقصاء الطرف الآخر للتحكم في أجهزة الحزب بدون رؤية إستراتيجية بهاجس تحقيق انتصارات تنظيمية تكتيكيا على حساب الالتزام بقيم الديمقراطية التشاركية والتقدمية ،هاجس التحكم بهدف الإقصاء على حساب الحفاظ على تماسك الحزب جعلت السيد ادريس لشكر يفشل ككاتب عام للحزب لعب دور القائد الموحد والجامع لشمل الاتحاديين مما جعل الحزب يعرف أزمات داخلية عنيفة أدت بالحزب الى فقدان قواته الشعبية الحقيقية. وظهور بوادر عدة انشقاقات داخل البيت الاتحادي. وأمام هذا الوضع اتسعت مساحة شخصنة الصراع بين لشكر وخصومه وتأجيل مناقشة المشروع الجديد اليساري والتحول الهوياتي وعدم التفاعل مع أسئلة الواقع وتعطيل اجتماع المؤسسات وإجهاض دينامية التنظيمات الموازية الشبابية والنسوية والنقابية مما دفع بالبعض بالمطالبة بطالب عقد مؤتمر استثنائي ليس للإطاحة بلشكر الذي تم انتخابه في المؤتمر العاشر كشخص بل لجمع شمل الاتحاديات والاتحاديين لإجابة عن أسئلة مشروعة : اين يسير ويتجه حزب الاتحاد الاشتراكي ؟ أين يتموقع هل على يسار اليمين ام على يمين اليسار ؟ هل يعيش الاتحاد الاشتراكي -كمشروع وكمؤسسة – انسدادا هوياتيا ومؤسساتيا وديمقراطيا؟. وهل ما زال الحزب مستقلا في قراراته ام تم اختراقه في زمن الانبطاح الحزبي المخيف.؟ حزب التقدم والاشتراكية: وضع الحزب في هذا الدخول السياسي لا يختلف عن وضعية أحزاب اليسار بصفة عامة خصوصا بعد بلاغ الديوان الملكي حول تصريحات نبيل بن عبد الله حول مسالة التحكم وما أفرزته من ردود فعل داخل الحزب. هذا الحزب الذي يتهمه البعض بانه حزب تقدمي على يمين اليسار لسبب تعلقه دوما بالقاطرة التي تقود الحكومة- كما قال الباحث حسن اوريد- بغض النظر عن المرجعية الأيديولوجية. تعلق أولا بأحزاب الكتلة حينا كانت تقود حكومة التناوب ثم بحزب الاستقلال الذي قاد الحكومة في عهد عباس الفاسي ، ثم بعدها بحزب العدالة والتنمية الإسلامي في حكومتي بنكيران والعثماني.والأكيد بان الحزب يعرف في هذا الدخول السياسي الجديد نقاشات داخلية حادة حول مسالة الديمقراطية التشاركية في تدبير شؤون الحزب وحول شرعية تحالفه مع حزب إسلامي، وحول هوية الحزب وتموقعه في المشهد الحزبي في سياق سياسي مأزوم أصبح يتطلب إعادة هيكلية جديدة طبيعية للحزب وغير متحكم فيها.وحسب مصادر متعددة فالسيد نبيل بنعبد الله مطالب بشكل قوي من طرف اجهزة الحزب بعد الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش لتقديم المحاسبة وفك الارتباط بحزب العدالة والتنمية والتموقع الى جانب أحزاب اليسار في ظل دخول سياسي استثنائي . باختصار تعيش جل الأحزاب السياسية المغربية على إيقاع تصدعات وأزمات داخلية تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل انتظارية قاتلة للقرارات المرتقبة التي سيعلن عنها ملك البلاد في ظل دخول سياسي باهت لا بداية ولا نهاية له زمنه روتيني وإطاره العام غامض وأحزابه السياسية تائهة وخائفة بعد صب الملك جام غضبه على الأحزاب وقادتها في خطاب عيد العرش الأخير الذي اكد فيه ان : ‘' التطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة.' مضيفا: » فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للإستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة.أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الإختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه .« نفهم من رسائل الخطاب الملكي ااننا امام معادلة متناقضة: ملكية دينامية تقود ثورة هادئة على صعيد السياسة الداخلية والسياسة الخارجية ،مقابل احزاب ما زالت : » تعتقد أن عملها يقتصر فقط على عقد مؤتمراتها، واجتماع مكاتبها السياسية ولجانها التنفيذية، أو خلال الحملات الانتخابية » .مضيفا جلالته : » إذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟ » سؤال وجيه أجابت عنه نسب المشاركة في الانتخابات التشريعية الجزئية الجارية.