فاجأ عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الكثيرين، بدعوته إلى إصلاح دستور البلاد، الذي جاء في سياق الربيع العربي. المفاجأة جاءت لأن بنكيران عمل في ظل هذا الدستور رئيسا للحكومة لمدة خمس سنوات، كما عرف عنه "نفورا" بيّناً من النقاش حول الدستور، مفضلا التركيز على "الإصلاح السياسي". بنكيران خاطب شباب حزبه 7 غشت الماضي، في ملتقاهم السنوي، بمدينة فاس، في ثنايا لقاء مفتوح معه بقوله "لابد لنا من إصلاح دستوري يوضح الأمور". وكما لو كان يريد أن يوضح موضوع التعديل المقترح للدستور، قال بنكيران إن "رئيس الحكومة رئيس الإدارة، ما ذا يعني هذا؟ وماهي حدود صلاحياته؟ وكيف ستكون علاقته مع جلالة الملك؟"، معتبرا أن "هناك فراغات في الدستور يجب ملؤها". ولأنه يعرف أن المعني بتعديل الدستور، ليس الشباب الذين يخاطبهم، فقد اكتفى بنكيران بما قاله على قلّته، مشيرا إلى أن الوقت "ليس وقت التفصيل" في التعديلات المقترحة "لكن المهم هو التوضيح والتحديد". خطاب بنكيران جاء بمثابة "إعلان عودة" إلى واجهة الأحداث والفعل السياسي في البلاد، بعد فترة "صمت" دامت بضعة أشهر، عقب إعفائه من رئاسة الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني خلفا له. دعوة جاءت، على غير مألوف زعيم حزب "العدالة والتنمية"، الذي لم يكن يأبه في خطاباته الكثيرة إلى تفاصيل منطوق الوثيقة الدستورية، فهو، بحسه السياسي، يعرف أن السلطة توجد في منطقة "رمادية" خارج الشكليات الدستورية، وهو الذي كثيرا ما اتهمه خصومه، بل وعاب عليه حتى بعض أنصاره، "تفريطه" في بعض صلاحياته الدستورية أثناء رئاسته للحكومة. كما جاءت الدعوة بعد حوالي 10 أيام من خطاب الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى 18 لاعتلائه العرش في البلاد، والذي انتقد فيه الطبقة السياسية والإدارة في المغرب، على خلفية "حراك الريف" بالحسيمة ومناطق الشمال. وشدد محمد السادس على "ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة". لذلك جاءت دعوة بنكيران لتعديل الدستور في سياق حديثه عن ربط المسؤولية بالمحاسبة و"تحديد المسؤوليات". ويرى مراقبون أن بنكيران، من خلال تصريحاته السابقة، يريد أن يقول إن الدستور لا يحدد المسؤوليات بدقة، كما لا يسمح بالمحاسبة السياسية. وأمر الملك بالتحقيق في أسباب تأخر إنجاز مشاريع "الحسيمة منارة المتوسط"، الذي أطلق في أكتوبر 2015 مع ترتيب المسؤوليات عن أي تقصير محتمل، كما قرر حرمان 10 وزراء من العطلة الصيفية الأخيرة للوقوف على سير هذه المشاريع. في المقابل، دعا بنكيران إلى توسيع دائرة التحقيق لتشمل الكثير من المشاريع الأخرى التي صرفت عليها مليارات الدراهم. ونقلت وسائل إعلام محلية عن بنكيران قوله إنه لم يكن على علم بمشروع "الحسيمة منارة المتوسط". كما لم يحضر حفل الإعلان عنه، الذي ترأسه الملك وحضره عدد من الوزراء في الحكومة، التي يرأسها بنكيران. في هذا السياق فهمت تصريحات بنكيران بضرورة "تحديد المسؤوليات" قبل المحاسبة، والتي مفادها أن المشكلة في جوهرها دستوري، ومعالجته تتم عبر تعديل الدستور. وبالرجوع إلى الدستور المغربي نجد أنه في الوقت الذي نص على ربط المسؤولية بالمحاسبة أغفل التدقيق في مسلسل اتخاذ القرار، كما أنه أفرد أبوابا خاصة بالملكية والبرلمان والحكومة، لكن لا توجد به تدقيقات في العلاقة بين هذه المؤسسات، وفق خبراء. بنكيران من خلال دعوته يرسم معالم الإصلاح الدستوري المقبل، والذي في حال حصوله يمكن أن تكون لرئيس الحكومة "مسؤولية حقيقية" على السلطة التنفيذية، وأن يكون شريكا فعلياً في السياسيات الإستراتيجية للبلاد إلى جانب الملك. وفي تفسيره لدعوة بنكيران لتعديل الدستور، اعتبر عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة القاضي بمراكش، أن الدعوة يمكن قراءتها من خلال مدخلين أساسيين. وأوضح العلام، في حديث للأناضول، أن المدخل الأول "تفاعلي" مع الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش "الذي كان فيه طيف بنكيران حاضراً بقوة، والذي فهم منه أن الملك يحمل بعض المسؤولية لبنكيران". وأشار إلى أن "الكثير من تصريحات بنكيران، منذ حوالي عام ونصف العام، إما رداً على محيط القصر الملكي أو تفاعل مع خطب ملكية". ورأى أن "بنكيران يريد أن يقول إن المسؤولية لا تقع عليه وعلى حكومته، وأن المنتخبين ليسوا وحدهم المسوؤلين، وإنما جزء من المسوؤلية يتحملها المحيط الملكي ومن عينهم الملك والذين هم من أشرفوا مثلا على مشروع (الحسيمة منارة المتوسط)، ولا يمكن لأمور – أشرف عليها الملك ويعلن عنها بعيدا عن رئيس الحكومة وفي غيابه – ثم يتحمل هو مسؤوليتها". أما المدخل الثاني، حسب العلام، فهو أن "التجربة أبانت لبنكيران، بعد خمس سنوات من رئاسة الحكومة، محدودية الفعل للفاعل السياسي المنتخب في ظل الدستور الحالي، رغم أن بنكيران وحزبه صوتوا في 2011 على هذا الدستور وتحمسوا له، ولم يلتفتوا إلى الملاحظات التي كانت تطرح آنذاك". واعتبر أنه "بعد خمس سنوات تبين أنه من الصعب العمل في ظل هذا الوضع الدستوري، الموسوم بإزدواجية السلطة التنفيذية، والذي يوضح العلاقة بين الولاة الموظفون بالحكومة والمنتخبين المحليين، وغيرها من الفراغات".
وأضاف أن "بنكيران، وبعد قضائه عمراً طويلاً في السياسة، اقتنع بأن المدخل الدستوري مهم وأساسي للإصلاح، بعدما ظل يعتقد ويصرح أن المغرب يحتاج أكثر إلى الإصلاح السياسي". دعوة بنكيران إلى تعديل الدستور، اعتبرها توفيق بوعشرين، المحلل السياسي، ومدير نشر صحيفة أخبار اليوم، "عرضا سياسيا جديدا" يعود به بنكيران إلى واجهة المسرح في السياسي لمواصلة مشروعه الإصلاحي، بعدما "أبعد عن رأسه فكرة الاعتزال السياسي، ولزوم البيت". وأوضح بوعشرين، في مقال له، أن دعوة بنكيران جاءت بعدما "اشتغل في ظل هذا الدستور رئيسا للحكومة ووقف – ليس فقط على طبيعة نصه الملتبس ومتداخل الصلاحيات – بل وكذلك على شكل تطبيقه". واعتبر أن "كلام بنكيران يكشف خطته للرجوع إلى فكرة التعاقد المكتوب عوض الشفوي"، بعدما كان – ولا يزال – يشدد على أن أساس العمل السياسي في المغرب الثقة والتوافق مع المؤسسة الملكية، على أهمية التعاقد والدستور.