في المجرة الموازية ، و كلما كنت أحتاج إلى النقاش و تبادل الآراء ، كنت أقصد أحد الأساتذة اليهود ، و الذي كان متخصصا في التأريخ و مقارنة الأديان ، و بغض النظر عن ديانتي و ديانته ، فقد كانت تلك الأوقات التي كنت أقضيها معه ، من أنفع الأوقات التي قضيتها في حياتي ! و إني أذكر أنه قادنا الحديث في يوم مثلج بارد ، أن سألته : في رأيك ، ما هي الأسس التي تقوم عليها كل دولة ، من أجل أن تدوم و تزدهر ؟ أجاب و كأنما خمن سبب سؤالي : العرب ببساطة لا يتعلمون ! و إني مجيبك عن سؤالك : هناك ثلاثة قواعد ، إذا اختلت واحدة منهن ، أوشك المجتمع كله على الإنهيار ، فما بالك إذا كانت كلها مختلة ! ما هي يا أستاذ ؟ التعليم ، الصحة و العدل ! و ما رأيك في بلاد العرب ؟ مشكلة العرب أنهم لا يتعلمون من تاريخهم ! أطرقت لدقيقة ، و أومأت بالإيجاب ، ثم استأذنت ، و مذ تلك اللحظة ، لا أنسى هذه المحادثة بالذات ، لأنها تلخص كل معاني النجاح بالنسبة لمجتمع يحترم نفسه ، و لأننا في مجتمع العربان ، لا نحترم أنفسنا بالضرورة ، فقد سمحنا لهذه الأسس أن تبدأ في الإختلال ، حتى قبل أن نرسخها في مجتمعاتنا ! و إني إذ تطرقتُ إلى قاعدة الصحة ، و التي ستأتي معنا تباعا في حلقات قادمة ، سأتطرق اليوم للتعليم في مجرة العربان البئيسة ، و التي سطر في دستورها الوجود عند باب الدخول : القاعدة الأولى : اللي بغا يقرا العام طويل ، و ما فاز إلا النوم ! … و لأن صاحب الكوثر صلى الله على سيدي ، حض على التعليم و التعلم ، و لأن آدم صلى الله على سيدي ، قد علمه الله كل شيء ، كان حريا بنا كمجرة عربان ، أن نسلك طريقا آخر فريدا ، و نؤسس نظاما تعليميا غريبا ، كي نكون مختلفين عن باقي المجرات ، حتى ، و إن كانت النتيجة ، أشكالا مشوهة تأخذ بتلابيب هذا البلد ! يحدث في بلاد المغرب الأقصى أن تطلب معلمة في المرحلة الإبتدائية في مدرسة خاصة من طفل ، أطال شعره ، أن يقصه ، و تمارس ضغطا نفسيا عليه ، لأنه يحب هو و والديه شكله هكذا ! يحدث في بلاد المغرب الأقصى أن تطلب المعلمات في مدرسة خاصة ، رشوة على عملهن من أولياء أمور التلاميذ ، و حينما لا تتحقق أمانيهن ، يفرغن كبتهن ، و مقتهن في التلميذ ! يحدث أن يظن صاحب المدرسة الخاصة ، أن ما يلقنه للتلاميذ في مدرسته ، مناهج تساعدهم على التلقين و بناء الشخصية ، و ما هي في الحقيقة إلا أشياء تهدم ، و ترسخ في نفسية الطفل واقعا غريبا لا يعيه إلا بعد فوات الأوان. القاعدة الثانية : اصرخ ، اضرب ثم رمم في إحدى المدارس الخاصة ، يعلمون التلاميذ مثلا ، أن المدرسة هي مكان للسعادة ، أقابل فيه أصدقائي ، و معلمي ، و هذا في حد ذاته شيء جميل ، و في من الحقيقة ما فيه ، و لكن إذا أضيفت له جملة : و أما في بيتي فإني أشعر بالملل و الكآبة ، فهنا ، تصبح اللعبة غير مسلية بالمرة ! الأساس يا أصدقائي أن يكون البيت هو أول الأماكن المسلية ، و المليئة بالحنان و الدفئ و الحب لا العكس ! أما في القطاع العام ، الذي يتجه له أغلب أطفال الطبقة الغير النافعة في هذا البلد ، فحدث عنه ، و لا ينتابنك الحرج ! أصبح هذا القطاع ، أشبه بفضاء لتصريف العقول في مجاري الخواء ، فحين نعلم أن معلمة في المرحلة الإبتدائية ، لا تستطيع تكوين جملة مفيدة باللغة العربية ، و لا حتى باللغة الفرنسية التي يُفترض أنها فيها تلقت التكوين المطلوب ، فهانا ، يمكن للولي أن يتخيل ، كيف سيكون تكوين طفله ، الذي يلقي به أمانه في هذا المكان المسمى مدرسة ! في مكان ، يفتقر في الغالب على أدنى شروط التكوين ، فضلا عن المراحيض ، التي لا وجود لها إلا بالإسم ! مكان ، يمارس فيه الأساتذة ، شتى أنواع الإنتقام من هؤلاء الأطفال ، يمارس فيه التعذيب الجسدي و الذهني على أوسع نطاق ، مكان ، تتمم فيه المعلمات أعمالهن المنزلية ، ليس علينا بالضرورة إطلاق اسم مدرسة عليه ! من أجل ذلك كله ، لا يجب على المجتمع أن يتعجب من طالب باكالوريا مثلا لا يمكنه تحرير نص بلغته الأم اللغة العربية الفصيحة ، و لا من طالب لا يقدر على تحرير نص باللغة الفرنسية بدون أخطاء إملائية ! لا يجب علينا أن نتعجب من المستوى الركيك ، لطلابنا ، لأن الأساس أصلا مريض ، و يوشك على الإنهيار ! في المجرة الموازية ، و لأن بلدانها ، يعلمون جيدا أن مستقبلهم يكمن في هذه الثروات المسماة أطفال ، كونت جل بلدانها ، نظاما تعليميا أقل ما يمكن أن يوصف به هو التكامل ، و أساس هذا النزام التعليمي هو التكوين الذي يخضع له المعلمون و المعلمات قبل التحاقهم بالمدارس لتكوين مستقبل المجرة بأكملها ! يتلقى المعلم ، تكوينا ، مرفوقا بدراسة معمقة في علم النفس ، و التعامل مع الأطفال ، مرورا بالفلسفة و التأريخ ، و النظريات التربوية ! لتضحى المدرسة بحق مكانا للمتعة و التعلم ، و الأشياء المفيدة ، و إذا لوحظ على الطفل علامات تدل على عدم ارتياحه في المنزل ، يتم استدعاء أولياء أمره من أجل مناقشة المشاكل التي يعاني منها المنزل بأكمله ، بإشراف مستشارة من وزارة التربية ، و طبيب نفسي للأطفال ! و في حين استعصاء إيجاد حل للمشكلة ، تخبر إذاك المعلمة و المدية مركز رعاية الطفولة في البلاد من أجل التدخل ! في المجرة الموازية ، تعتبر المدرسة ، من الأماكن التي تدر عليها الدولة ميزانيات ضخمة من أجل تحسين خدماتها ، و من أجل البحث عن الراحة اللازمة ، للأطفال ، عبر مراجل التعليم المهعددة في النظام الجهوي التعليمي ! في المجرة الموازية ، لا تتمم المعلمات واجباتها المنزلية داخل القسم ، و لا تشهد أركانه تعذيبا جسديا ، و سادية في التعامل مع الأطفال ، و إذا حدث أن اكتشف شيء من هذا ، فالعقاب يكون قاسيا جدا على المخالف ! في مدارس المجرات الموازية ، توجد مراحيض ، تليق بآدمية أطفال هذه المدارس ! في مدارس المجرات الموازية ، يأكل المدير مع التلاميذ مع المدرسين في فترة الغذاء ، و يتعرف الأطفال على مدرسيهم بشكل أقرب ، و تقر الدول هناك ، حصصا للنقاش العام ، و تبادل الآراء بين الأطفال و المدرسين ! و الأهم من هذا ، أنه و في المجرات الموازية ، لا يوجد شيء اسمه المدارس الخاصة ! التعليم هناك إجباري على كل طفل بلغ السن المطلوب ، و في مدارس الدولة التي تفوق في جودتها المدارس الخاصة التي نجدها هنا في مجرتنا ! في مدارسهم ، هناك توقيت عمل يروق للمدرسين ، و يلبي في نفس الوقت احتياجات الأطفال التعليمية ، لأنهم يعلمون بكل بساطة ، أن مستقبل دولهم ، رهين بالتكوين الجيد لأطفالهم ، الذين لا يدخلون الإمتحانات فقط من أجل الحصول على نقطة جيدة ، و لكن يعلمون أنهم مستقبل الدولة التي يعيشون في أحضانها ، و أنهم بنقاهم الجيدة سيساهم كل منهم على قدر استطاعته في بناء لبنات هذه الدولة ، التي و عبر الأجيال كونت جيوشا من كفاءات نهضت باقتصادها ، و أصبحت من الدول الكبرى في مجرة تنظر إلى مجرتنا ، و يشعرون بالإرتياح أنهم استطاعوا الخروج من النفق الذي أصبحنا فيه نحن نعيش ! في مدارس المجرات الموازية ، لا يوجد هناك إضراب عن التعليم من طرف المعلمين إلا فيما ندر ، لأن الحكومات هناك ، تخصص ميزانية ضخمة جدا لرواتب المعلمين ، و إني لأذكر كيف أن القضاة طالبوا يوما في ألمانيا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن تساوي بين مرتباتهم و مرتبات المعلين فكانت إجابتها كالتالي : كيف أساوي بين مرتباتكم أنتم ، و مرتبات من علموكم ، و كانوا سببا لوصولكم إلى هذه المناصب ؟ طيب الله صباحكم !