بعد اجتماع الدول في قمة المناخ بكوبنهاجن أواخر عام 2009، خرجت، من بين ما خرجت به، بإشراك الدول النامية في النقاشات المصيرية حول مستقبل الكوكب في ظل ارتفاع درجة حرارته وبإنشاء صندوق المناخ المدعوم من طرف الدول المتقدمة لمساعدة الدول الفقيرة على خفض انبعاثاتها، حيث تم تخصيص 30 مليار دولار للأعوام الثلاثة التي تلت على أن تصل المساهمات إلى 100 مليار دولار بحلول 2020. غير أن الحصول على المنح والتمويلات الخارجية يتطلب إرادة سياسية قوية واستراتيجيات طموحة. نستعرض في هذا الصدد، آليات تعبئة الموارد المحلية في التمويل المناخي في المغرب، وكذا دور المنح والقروض الخارجية وكذا استثمارات القطاع الخاص في هذا التمويل، في بلد، تبدو طموحاته بشأن مكافحة التغيرات المناخية أكبر من إمكانياته بكثير. الانتقال إلى الطاقة المتجددة تعتمد الإستراتيجية التي ينهجها المغرب على إحداث تحول جذري في قطاع الطاقة والانتقال إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية. لكن هذا التحول وضع البلد أمام تحدي صعب، نظرا للإمكانيات المالية المحدودة، وبالتالي لم يكن أمامه سوى خيار تحويل الدعم المُخصص للطاقة التقليدية إلى الطاقة البديلة (المتجددة)، حيث رفعت الحكومة، سنة 2014، الدعم عن كل المحروقات باستثناء غاز البوتان (غاز الطهي)، على أن يتم، في المقابل، دعم الكهرباء المنتَج من الطاقة الشمسية المركزية ذو التكلفة المرتفعة، ذلك أن دعمه ضروري ليصل إلى المواطن بسعر مقبول اجتماعيا. وفي المستقبل، تعتزم الحكومة إقامة عدد من مشاريع الطاقة الشمسية المركزية بالتعاون مع الوكالة المغربية للطاقة الشمسية MASEN التي تقوم بشراء وبيع الكهرباء. في الوقت نفسه يسعى المغرب إلى تقوية تعاونه الدولي بشروط مُيسرة بُغية تقليل تكاليف الاستثمار، فالتقديرات الأولية تشير إلى أن محطة نور 1 حققت أدنى تكلفة (5300 دولار للكيلو واط). آليات التمويل الدولي كالصندوق الأخضر للمناخ التابع للبنك الدولي، والتمويل الثنائي مع الوكالة الفرنسية للتنمية أو البنك الألماني للتنمية، يلعبون دورا محوريا في إنجاح الانتقال إلى الطاقة المتجددة التي تستهدف الشراكة بين القطاعين العام والخاص. التمويل ا لدولي لمشاريع المناخ في المغرب تنفيذ المغرب لتعهده في قمة المناخ باريس (كوب 21) القاضي بتقليص انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون بنسبة 13% في أفق 2030، مرهون بآليات التمويل. وقد حُددت حاجة الاستثمارات في مبلغ 35 مليار دولار. وحسب قاعدة بيانات موقع Climate Funds Update، فإن المغرب، منذ 2003 إلى غاية أكتوبر 2016، حصل على أكثر من 655 مليون دولار على شكل قروض لتمويل ما يناهز 30 مشروعا (631 مليون حصل عليها عن طريق الصناديق المتعددة الأطراف فيما حصل من الصناديق الثنائية الأطراف على 24 مليون). الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات كان موجها للتصدي للتغير المناخي من خلال مشاريع الطاقة الريحية والطاقة الشمسية المركزية، في إطار صندوق التكنولوجيا النظيفة Clean Technology Fund CTF، التابع لمجموعة صناديق الاستثمار المناخي التي يديرها البنك الدولي. ويتضح من الشكل أسفله، أن 4% فقط من مبلغ التمويل، أي ما يعادل 29,48 مليون دولار خصصت لتدابير التكيف. لكن في منتصف أكتوبر 2016، وافق الصندوق الأخضر على منح المغرب 39,3 مليون دولار لتمويل المشاريع التي تهم التكيف. وكما يتبين من مشاريع نور 1،2،3 فإن الأموال الدولية لا غنى عنها في تنفيذ المشاريع المناخي. * مشروع الطاقة الشمسية المركزية – ورزازات تقدر كلفة المخطط المغربي للطاقة الشمسية بتسعة مليار دولار لبناء خمس محطات للطاقة الشمسية المركزية عبر البلاد بين عامي 2015 و2020 بقدرة إجمالية تصل إلى 2000 ميغاواط. بدأت أشغال بناء محطة نور 1 في أواخر عام 2012 بقدرة وصلت إلى 160 ميغاواط لثلاث ساعات من التخزين، واعتُبر المشروع، الأهم من نوعه في العالم. في فبراير 2016، تم ربط المحطة بالشبكة الكهربائية، وستزود، بواسطة 537 ألف لوح شمسي، 350 ألف شخص بالكهرباء. وسيتم إنشاء، خلال الأربع سنوات القادمة، ثلاث محطات إضافية بالقرب من المدينة، لتزويد 1,3 مليون شخص بالكهرباء، وسيتم تقليص انبعاث 800 ألف طن من ثنائي أكسيد الكربون. في سبتمبر 2016، قام البنك الدولي بتقييم الكلفة لهذه المحطات ب2,67 مليار دولار، تساهم فيها الأطراف التالية: ويتشارك حاليا، في إدارة محطة نور، كل من الدولة والقطاع الخاص بموجب اتفاق بينهما، تضمن الدولة بموجبه الاستقرار المالي للوكالة الوطنية للطاقة الشمية MASEN وتعويضها عن الفرق بين سعر الإنتاج والبيع، على أن تنتقل ملكيتها للدولة بعد 25 سنة. * مشاريع الطاقة الريحية يعتبر صندوق التكنولوجيا النظيفة أقوى صناديق البنك الدولي للأنشطة المناخية. وقد بلغت الاستثمارات التي تلقاها المغرب من هذا الصندوق 750 مليون دولار، بالإضافة إلى سيولة قدرها 250 مليون دولار من البنك الإفريقي للتنمية المكلف ببرامج توسع الطاقة الشمسية المركزية في خمس بلدان من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي، بالإضافة إلى المغرب: الجزائر، مصر، الأردن وتونس. وكانت محطة ورزازات للطاقة الشمسية هي أهم مستفيد من هذا الاستثمار. في يونيو 2012، وافق الصندوق على منح قرض للمغرب، بشروط مسيرة، بقيمة 125 مليون دولار لفائدة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب من أجل تمويل مشاريع الطاقة الريحية. حيث كان المغرب قد وضع إستراتيجية وطنية للطاقة الريحية تقضي بإنتاج 2000 ميغاواط من توربينات الهواء بحلول 2020، حيث يتولى القطاع الخاص إدارة 1000 ميغاواط، بينما يتكلف المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بالألف ميغاواط المتبقية. على أن يتم تنفيذ الخطة عبر مرحلتين: تنطوي المرحلة الأولى على إقامة مزرعة للرياح بتازة، بينما سيطور المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب خمسة مشاريع في مختلف أرجاء ا لبلاد؛ أحد هذه المشاريع (طنجة) استفاد من تمويل الصندوق، المشاريع الأخرى توزعت بين ميدلت وتيسكرافت (بين مدينتي طرفاية والعيون) والصويرة وبوجدور. * صندوق التكيف تأسس صندوق التكيف Adaptation Fund بموجب قرار الأممالمتحدة في قمة كيوتو، بهدف تمويل مشاريع التكيف في البلدان النامية. وقد قدم الصندوق إلى المغرب عشرة ملايين دولار، لفائدة وكالة التنمية الفلاحية، لتمويل مشروع يهدف إلى تحسين القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية لفائدة 1,73 مليون شخص يعيشون في الواحات (جنوب البلاد)، نتيجة تدهور النظام الإيكولوجي بسبب الجفاف والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية. * الصندوق الأخضر للمناخ تم إنشاء الصندوق الأخضر للمناخ Green Fund for Climate change بموجب قرار الأممالمتحدة في قمة كوبنهاجن. في منتصف أكتوبر 2016، وافق الصندوق على مشروع اقترحته وكالة التنمية الفلاحية قيمته 50 مليون دولار، يهم زراعة شجر الأركان في مساحة قدرها 43 ألف هكتار، سيبدأ في 2017 وسيستمر 6 سنوات. * التمويل الأوربي طموح المغرب في أن تلبي الطاقة المتجددة 42% من الطلب على الكهرباء بحلول عام 2020، مكنه من نيل دعم مؤسسات مالية أوربية هامة، على رأسها البنك الألماني للتنمية، بالإضافة إلى الوكالة الفرنسية للتنمية والبنك الأوربي للاستثمار، حيث شكل مجموع قروضهم، 52% من رأسمال الوكالة المغربية للطاقة الشمسية، في مشروع نور1. ساهمت ألمانيا، عبر المبادرة المناخية الدولية International Climate Initiative ب24 مليون دولار على شكل منح تخص ثلاث مشاريع: 19,3 مليون دولار لمحطة الطاقة نور1، 2 مليون دولار لمشاريع الطاقة الريحية، بالإضافة ل 2,8 مليون دولار من أجل إحداث مركز الكفاءات لتغير المناخ الذي تترأسه نزهة الوافي، كاتبة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة. وقد تعهد البنك الألماني للتنمية بتمويل نور 2 ب330 مليون أورو ونور 3 ب 324 مليون أورو، كما أعلن أنه سيدعم نور 4 ب 95 مليون أورو. من جهتها، مولت الوكالة الفرنسية للتنمية، دراسة حول الآثار الاجتماعية والبيئية لنور 1 على مدينة ورزازات. كما قدمت قرضا تساهليا بقيمة 100 مليون أورو وإعانة قدرها 0,3 مليون أورو لفائدة نور 1، كما تعتزم منح 50 مليون أورو لمشروع نور 2. أما البنك الأوربي للاستثمار فيرى أن استثماراته في مجال قطاع الطاقة المتجددة في المغرب قد يعود عليه بالنفع، حيث من المحتمل أن يصدر المغرب، مستقبلا، الطاقة إلى أوربا عبر إسبانيا، لذا فهو يوفر تمويلا طويل الأمد (26 سنة) يقدر ب473 مليون دولار، بسعر فائدة مفتوح يعتمد على أسعار السوق. استثمارات القطاع الخاص في مشاريع الطاقة المتجددة تشجع الدولة على القطاع الخاص على الاستثمار في المشاريع المناخية من خلا توفير آليات اقتصادية وإطار قانوني مناسب، فضلا عن الحوافز المادية. وأحد الأمثلة على ذلك هو صندوق رأس المال كربون المغرب، الذي أنشئ من طرف صندوق الإيداع والتدبير بالتعاون مع البنك الأوربي للاستثمار وصندوق الإيداع الفرنسي، برأسمال أولي قُدر ب300 مليون درهم مغربي، بهدف تعزيز استثمارات القطاع الخاص في مشاريع الطاقة المتجددة. إلى حدود أوائل التسعينات، كان المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وهو مؤسسة عمومية، هو المؤسسة الوحيدة المُخول لها إنتاج الكهرباء، قبل تحرير القطاع وإشراك القطاع الخاص في إنتاج وبيع الكهرباء، الخطوة التي مهدت الطريق لمشاريع مثل عين مطهر والجرف الأصفر. في 2020، ينتظر المغرب أن يرتفع إنتاج الطاقة المتجددة إلى 6000 ميغا واط، أكثر من 70% منها يتولاها القطاع الخاص، حيث يخول القانون 13-09 للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بشراء الكهرباء الذي أنتجه القطاع الخاص. بوجود هذا الإطار القانوني، صار ممكنا بناء المزيد من مزارع الرياح يديرها ويتولاها القطاع الخاص.