" اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم" ويقول الحق أيضا " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" ويقول كذلك " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". إن المتأمل جيدا في هاته الآيات القرآنية سيجد أن الله سبحانه ربط أولا بين العلم والكرامة، ثم ربط ثانيا بين العلم والرفعة، ثم أقر سبحانه بعدم التساوي بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، جاعلا الصنف الأول أعلى درجة وأرفع مقاما، وقد نظر كثير من أهل التفاسير في شرحهم لهذه الآيات نظرة ضيقة، حيث تحدثوا عن تمييز الله للفرد العالم على غير العالم متناسين أو غافلين على أن هذا الفرد هو جزء من دولة وأمة، إذا شاع فيها العلم وجعلته شغلها الشاغل ارتقت وارتفعت فوق الأمم ، وإذا شاع فيها غير العلم تخلفت وقبعت في ذيل الأمم والدول ف"هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" ؟ فالعلم هو المدخل الأول والأساس لنهوض الدول والأمم وتحضرها، وهو المدخل الأول كذلك للاصلاح والتغيير والتحرر، إذ لا يمكن لأمة لا تنتج علمها الخاص بها الذي ينسجم مع هويتها ومطامحها أن تتقدم، لأنها ستظل دائما مستهلكة لعلوم غيرها من الأمم وتابعة لها. ولقد كان التخلف العلمي والمعرفي الذي طال الأمة الإسلامية ابتداء من القرن السادس عشر الميلادي، في مقابل صعود نجم العلم والمعرفة في أوربا سببا رئيسيا في تشتت الأمة وضعفها واستعمارها بعد ذلك من طرف القوى الأوروبية، فقد دخل المحتل وخرج ، لكنه خلف وراءه عوامل السقوط وبواعث الفشل وأزمة في كل القطاعات المنتجة والحيوية وعلى رأسها قطاع التعليم. وتعتبر بلادنا المغرب من أكبر دول العالم الإسلامي التي عانت في ماضيها ( مرحلة الإستعمار وما بعدها ) ولا زالت تعاني في حاضرها من أزمة حادة في هذا القطاع الحيوي. فما هي أسباب الفشل ؟ وما هي بواعث النهوض من أجل وطن الرفعة والكرامة وأمة الشهود الحضاري ؟ عوامل الفشل أو لماذا فشلنا ؟ يمكننا أن نقسم هته العوامل إلى قسمين، الأول هو العامل الخارجي والثاني هو العامل الداخلي. العامل الخارجي في الفشل: لقد عاش المغرب تحت نير الإستعمار أربعة وأربعين سنة فقد فيها سيادته السياسية والإقتصادية والقضائية وحتى التعليمية حيث دخلت المناهج الفرنسية في تعليم أبناء المغاربة وشيد الإستعمار مدارسه ، وخط مقرراته في قطاع التعليم الهادفة لتخريج جيل فرانكفوني مغترب عن قيمه المغربية وهويته الحضارية، ولما حصل المغرب على استقلاله الإداري الترابي لم يتطلب الأمر وقتا طويل حتى وعى الوطنيون ومعهم المغاربة أن الإستقلال الإداري غير كافي في ظل غياب استقلال القرار السياسي المرتبط باستقلال القرار الإقتصادي، فمن لا يملك قوت يومه لا يملك قراره ومصيره، أي أن المغرب لم ينتزع استقلاله السيادي رغم انتزاعه لاستقلاله الإداري، حيث ظلت التبعية لفرنسا واضحة وجلية في كل القطاعات الحيوية وعلى رأسها قطاع التعليم، إذ لم يستطع المغرب التخلص من هذه التبعية حتى يومنا هذا ، فقد أصدر وزير التربية الوطنية قبل أيام مذكرة تقضي بجعل اللغة الفرنسية لغة لتدريس المواد العلمية في السلك الثانوي التأهيلي، هذه المذكرة التي تخالف نص دستور المملكة الذي نص على أن اللغة العربية واللغة الأمازيغية هما لغتا البلاد الرسميتين، مما يجعلنا أمام حالة يمكن أن نسميها بالإستعمار المعنوي للمغرب من قبل فرنسا. العامل الداخلي: من خلال كرونولوجيا الإصلاحات التي عرفها التعليم بالمغرب يتضح أنها بقيت رهينة النظرة الأحادية والفوقية، وذلك تماشيا مع سياسة الضبط والتحكم التي انتهجها النظام السياسي في تعاطيه مع السياسات العمومية وقضايا الحكم، وفي مواجهته للمعارضة التي كانت تصارعه حول المشروعية، هذه السياسة المفتقدة للنهج التشاركي والصياغة الديمقراطية والمقاربة الشمولية، ولغياب النقاش العمومي وآليات المحاسبة، تحول معها مجال التعليم إلى حقل تجارب بامتياز واعتمدت الأمية كوسيلة للحكم، مما أنتج لنا سياسة تعليمية معطوبة. ويمكننا أن نحصر المقاربات التي اعتمدتها الدولة مند الإستقلال من أجل إصلاح قطاع التعليم في أربع مقاربات أساسية: 1- المقاربة الأحادية الفوقية ويتجلى ذلك في عدم اشراك كل الفاعلين والمعنيين بقطاع التعليم كالمنطمات الطلابية وجمعيات الآباء وبعض نقابات الأساتدة والموظفين، مما يجعلنا أمام تشخيص وتقييم غير متكامل، أنتج حلول جزئية وترقيعية. 2- المقاربة القطاعية والمتمثل في فصل إصلاح التعليم عن إصلاح باقي القطاعات المجتمعية، وغياب منظور نسقي متكامل يخدم مشروعا مجتمعيا. 3- المقاربة السياسوية حيث تم إخضاع إصلاح قطاع التعليم للتقاطبات الإديولوجية والصراعات السياسية. 4- المقاربة العبثية التهميشية التي تظهر جليا في غياب المحاسبة والمساءلة لمشاريع الإصلاح، أمام غياب إرادة سياسية سيادية حقيقية للإصلاح في ظل عدم إخضاع التعليم للعقلنة المستقبلية، إضافة إلى تهميش النخب وخريجي الجامعات الوطنية. فإذا كانت هذه هي عوامل الفشل التي تجعل تعليمنا تعليما هشا ومتهافتا لا يخدم مطامح الشعب في وطن الكرامة والرفعة، فما هي بواعث الأمل أو مقدمات الإصلاح؟ بواعث الإصلاح: بعد هذا التشخيص المقتضب لواقع التعليم المغربي وأزمته وعوامل فشله، لا بد أن نعرج على بواعث الأمل ومقدمات الإصلاح، التي نرمي من خلالها الإسهام في النقاش حول قضية اصلاح التعليم باعتبارها قضية مركزية ووطنية، فلا نهضة شاملة بدون نخبة عالمة، ولا نخبة عالمة بدون تعليم متقدم يراعي أصالة المغرب وهويته وانفتاحه على عصره ومحيطه، حيث نرى أن إصلاح التعليم في المغرب يحتاج إلى مدخلين تتفرع عنهما أربعة مقاربات أساسية للإصلاح. إذ أن المدخل الأول لإصلاح التعليم هو وعي الأمة وأقصد به وعي الشعب بمحورية ومركزية التعليم في حياة الأمم والشعوب، فلا تقدم للوطن ولا ازدهار للمواطنين بدون تقدم علمي، ولا رفعة ولا كرامة للأمة من غير اهتمام بالعلم والعلماء وإعطاء العلم والتعليم قيمة عليا في المجتمع. أما المدخل الثاني فهو وعي الدولة وأقصد بها السلطة الحاكمة بمحورية ومركزية التعليم في الإصلاح المجتمعي، وبناء دولة الحق والقانون، ودوره في ازدهار الدولة واستقرارها واستمرارها. وعن هذين المدخلين تتفرع أربعة مقاربات أساسية للإصلاح: 1- المقاربة التشاركية عن طريق الديمقراطية والمقصود هنا هو اعتماد الديمقراطية كآلية يختار من خلالها الشعب ممثليه من أجل إصلاح قطاع التعليم، وإضافة الديقراطية هنا أراها ضرورية تعطينا تمثيل إرادة الأمة في مجالس إصلاح التعليم، من أجل تجنب الصراعات السياسية والتقاطبات الإديولوجية، إضافة إلى ضمان مشروع إصلاحي منسجم مع اختيارات الأمة، ومن هنا أدعو إلى جعل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مجلسا منتخبا، عوض الصيغة الحالية المعتمدة والتي تجعل منه مجلسا معينا، أو إلغائه واعطاء الحكومة الصلاحيات الكاملة من أجل رسم سياسات الإصلاح باعتبارها منتخبة من قبل المواطنين، وخاضعة للمحاسبة والمساءلة. 2- المقاربة الشمولية التي توجب النظر إلى ملف التعليم وأزمته بالموازات مع النظر إلى أزمة باقي القطاعات المجتمعية الأخرى، إذ لا يمكن فصل التعليم عن الواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي، فإصلاح التعليم لا بد أن يتم وفق رؤية شمولية للإصلاح وتكاملية، واعتبار التعليم رافدا من روافد التنمية لمختلف هذه المجالات، في ظل رؤية موجهة للإصلاح ومتكاملة مع مشروع مجتمعي وتربوي واضح المعالم، وما يتطلبه من تعبئة مجتمعية شاملة. 3- المقاربة العلمية فإذا كنا قد تحدثنا في عوامل الفشل عن المقاربة السياسوية و العبثية، فلا بد أن ما يقابلها من أجل الإصلاح هو اعتماد مقاربة علمية، من خلال الإعتماد على تقارير حقيقية وذات مصداقية صيغت بطريقة علمية، عوض التقارير السياسية المنطلقة من الخلفية الإديولوجية، واستحضار رأي الخبير العلمي، مما يجعل الإصلاح ذو سند علمي ومعرفي. 4- المقاربة القانونية وهي كذلك ضد العبثية، والغاية منها هي ربط المسؤولية بالمحاسبة، فكم من برنامج إصلاحي طبق في المغرب وانتهى بدون محاسبة المتسببين في فشل هذه البرامج، مما يجعلنا أمام حالة من الفوضى واللامسؤولية بسبب اللاقانونية، فلا إصلاح ولا ديمقراطية بدون محاسبة، وكم من الميزانيات التي صرفت بدون معرفة أوجه صرفها وبدون افتحاص للمؤسسات المعنية بصرف تلك الميزانيات من أموال الشعب. هكذا نكون قد عرضنا من خلال هذه المقالة المقتضبة لعوامل الفشل التي تجعل المغرب في تصنيف لا يرقى لبلد بمثل تاريخه ومكانته، وعرضنا كذلك لمقدمات من أجل الإصلاح، في ظل واقع سياسي جديد جاء على إثر إفرازات الربيع الديمقراطي، وعلى إثر خطابات الإصلاح المجتمعي ومحاربة الفساد، وفي ظل دستور جديد ربط المسؤولية بالمحاسبة، ولا بد أن مدخل الإصلاح الأساسي هو التعليم سواء المدرسي أو الجامعي، فيدا في يد من أجل جامعة ومدرسة الأصالة المنفتحة على العصر ومن أجل جامعة ومدرسة الجودة والديمقراطية والمعرفة والقيم. ------------------- المراجع المعتمدة الورقة التعليمية لمنظمة التجديد الطلابي كتاب: الجامعة والمشاريع الإصلاحية بالمغرب