تقديم: لا أحد يجادل في كون التعليم والتعليم وحده هو محرك التنمية الشاملة، بحيث أنالدول التي حققت نموا اقتصاديا ولا تتوفر على مصادر الطاقة هي الدول التي اعتنت بالتعليم. كما أن الدول التي تشهد أدنى معدلات الجريمة هي الدول الموجودة في المراتب الأولى في التصنيف العالمي لجودة التعليم. وعليه فالتعليم يكتسي أهمية إستراتيجية بالنسبة للأمم والأفراد لذلك تتم مراجعته وإصلاحه بما يخدم مزيدا من النماء والتقدم للدول ذات سيادة واستقلالية. لكن التعليم في بلدنا مختلف تماما لا يخدم متطلبات التنمية بل يمكن اعتباره معيقا لها؛ لأن المغرب بلد متخلف وتابع لا يمكن أن يكون له نظام تربوي ينمي الاستقلالية وروح المواطنة والبحث العلمي بقدر ما يكرس هذه التبعية والتخلف. فما طبيعة الأزمة التعليمية بالمغرب؟ وكيف السبيل للخروج منها؟ 1-طبيعة أزمة التعليم ببلادنا إننا في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، ندرك، جيدا، أن الاختيارات المتبعة من قبل الطبقة الحاكمة، هي اختيارات رأسمالية تبعية، لا ديمقراطية، ولا شعبية، ولا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، ومن يدور في فككها، وتلحق الكثير من الأضرار بكادحي الشعب المغربي. ومن نتائج هذه الاختيارات المتبعة في بلادنا، التدهور المتسارع للتعليم، إلى درجة الحكم بإفراغ المدرسة العمومية من محتواها الوطني / الديمقراطي / المعرفي، والعلمي، والفلسفي، وانخراطها المتسارع في إعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية القائمة في بلادنا، وبشكل رديء، ومتخلف. إن أزمة التعليم بنيوية مرتبطة بالإفلاس العام في جميع القطاعات و بالسياسة التعليمية التي تعكس تصور ورغبة نظام الحكم في استمرار مجتمع الرعايا الخانع لإرادة الحاكم. وبالتالي فلا حديث عن الإصلاح إلا بما يضمن تكريس السيطرة: أبناء الحاكمين وحلفائهم الطبقيين( رجالات الدولة في المستقبل) يتلقون تدريسا عصريا حديثا في الخارج أوفي مدارس البعثات، وبالمقابل يتلقى أبناء عموم الشعب تعليما رديئا محافظا في مدرسة عمومية متخلفة تنتج الأمية والهدر والفشل، وبما أن: فإن الأزمة التي يعيشها تعليمنا هي اختيار له جذور وأصول منذ فترة الاستعمار – مقولة جورج هاردي« يجب إخضاع العقول بعد إخضاع الأبدان « 2-من أجل إصلاح حقيقي للمنظومة التربوية أي تعليم نريد؟ وأية مدرسة ؟ وما هي مواصفات مخرجات التعليم في 2050؟ بكل مسؤولية يرى حزب الطليعية الديمقراطي الاشتراكي أنه لا حديث عن أي إصلاح حقيقي بدون المنطلقات الأساسية الآتية: الإرادة كفعل واع ينسجم فيها الخطاب بالممارسة؛ لأن المغاربة سئموا من خطاب الإصلاح وشعاراته بدون أن ينعكس إيجابا على واقع المدرسة المغربية كما أنهم خبروا على مدى قرون بأن نتائج الإصلاح تكون عكسية لأهدافه المعلنة ( الإصلاح شعار للاستهلاك فقط). كما أننا في حزب الطليعية متأكدون من أن الإرادة السياسية للحكم هي استمرار تعليم مخرجاته "رعايا" خنوعين متناقضين في مواقفهم مستلبين لا رأي لهم... اعتماد المدخل الحقوقي (المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة بالحق في التعلم) في كل العمليات وفي جميع مراحل الإصلاح يعد المعيار الأساسي للحكم على سيرورات هذا الإصلاح ومدى جدية الإرادة السياسية في الإصلاح. يرى الحزب استفادة المغرب من التجارب الدولية الناجحة في مجال التعليم خصوصا الدول التي تتصدر المراتب الأولى في التصنيف الدولي ( فلندا،...) مسألة لها قيمتها بالنظر إلى كون الفكر الإنساني لا حدود له ( الحق في التراث المشترك للإنسانية) شريطة توفير الظروف السياسية والوسائل المادية واللوجستيكية لإنجاح الإصلاح. موجهات أساسية للإصلاح: 1- تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص: - تكافؤ الفرص بين جميع التلميذات والتلاميذ في الحصول على نفس التعليم وبنفس الشروط وفي الظروف نفسها؛ - توحيد التعليم والقضاء على التعدد الذي تعرفه المنظومة التربوية ( تعليم البعثات، التعليم الخصوصي بمختلف درجاته، التعليم العمومي، التعليم العتيق) من اجل توحيد المخرجات من حيث القيم 3) لان تعدد أنماط التعليم وتعدد المناهج المعتمدة، يؤدي إلى تشويه شخصية الإنسان المغربي، الممزق بين نمط التعليم العصري، ونمط التعليم العتيق / الأصيل وأنماط تعليم البعثات الدبلوماسية، التي تدرس لأبناء المغاربة برامج دراسية لا علاقة لها بالمغرب، وأنماط التعليم الخصوصي، التي تعتمد برامج متعددة المصادر. وهو ما يؤدي، بالضرورة، إلى تعدد شخصيات الإنسان المغربي المتمدرس، إلى درجة التناقض أحيانا ؛ - تمكين تلاميذ الوسط القروي من نفس ظروف وشروط التعلم في الوسط الحضري(تعميم المدارس الجماعتية، توفير الداخليات لمحاربة الهدر المدرسي في الوسط القروي، النقل المدرسي، إطعام مدرسي جيد كما وكيفا...؛ - توفير شروط النجاح لكل التلميذات والتلاميذ بتوفير الوسائل التعليمية وباعتماد الطرائق والمقاربات البيداغوجية الفعالة لتمكين جميع التلميذات والتلاميذ من بلوغ نفس الأهداف بطرق مختلفة؛ 2. إضفاء المتعة على التعلم : - مراجعة جذرية للمناهج باعتماد مدخل القيم فعلا لا تصريحا فقط وخلق التجانس بين المواد المتنافرة، إدراج مواد فنية ( المسرح، الموسيقى...) وتعميمها في جميع المؤسسات والأسلاك، - توحيد لغة تدريس المواد العلمية في التعليمين المدرسي والجامعي ( تعريب التعليم الجامعي) - الاعتناء بالتعليم الابتدائي من حيث البنية التحتية والمناهج باعتبار كل خلل في هذا السلك ينعكس سلبا على الأسلاك العليا، وفي هذا الإطار العودة إلى تفعيل مشروع جيل مدرسة وتطويره لأنه أبان خلال سنة واحدة فقط من تطبيقه على إمكانية الرفع من المردودية في التعليم الابتدائي ( لماذا تم إقباره؟)، - تخفيف المواد الدراسية (مواد كثيرة ومتنوعة في التعليم الابتدائي) وعقلنة توزيع تدريسها في جميع الأسلاك مع مراعاة التدرج في الصعوبة وحاجات المتعلم(ة) وخصوصية المرحلة النمائية؛ - إعطاء الأهمية لمادة الفلسفة وتدريسها للشعب العلمية وإدراجها في كليات العلوم والمدارس العلمية الأخرى؛ 3- المدرسة الناجحةبيئة حاضنة: لا أحد ينكر أن نجاح التربية والتعليم والتعلم، رهين بكفاءة ونموذجية وقدرة الأستاذ، على القيادة والتدبير والتوجيه، فمهما بلغت درجة جودة منهاج ما فإنه يصبح غير ذي قيمة إذا أسند أمر تنزيله لأستاذ لا يتوفر على الكفاءة المهنية المطلوبة وغير متوافق مهنيا ولج المهنة هربا من البطالة: - وضع شروط دقيقة ومواصفات معينة واعتماد روائز لاختيار من سيكلف بالتربية والتدريس ( يمكن الاطلاع على التجارب الدولية في هذا الشأن)، - تكوين أساس متين وجيد يؤهله للمزاوجة بين المهنة والرسالة؛ - توفير ظروف العيش الكريم: راتب جيد يواجه به متطلبات الحياة لإسقاط مبرر البحث عن مدخول آخر(الدروس الخصوصية أو الأعمال الحرة الأخرى)؛ 4-عقلنة العمل الإداري: يعاني قطاع التعليم، كقطاع له خصوصية، من طغيان الجانب الإداري وتحكمه في الجانب التربوي. فإسناد المسؤوليات الوطنية والجهوية والإقليمية لا يتم على مدى قدرة المسؤول على تحسين جودة التربية بقدر ما تتدخل فيها عوامل أخرى كالولاءات والزبونية.. لذلك فإصلاح التعليم رهين بإصلاح إداراته مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا. هذه الإدارة التي يجب أن تكون ميسرة للعمل التربوي لا معيقة له. وبالتالي ضرورة اعتماد آليات لإسناد المناصب الإدارية. كما حذف الامتيازات التي تدفع إلى اعتماد الطرق غير المشروعة لتولي المنصب. - غياب المحاسبة عن الاختلالات والنهب جعلت المسؤولين يتمادون في ممارساتهم لدرجة أن بعض المسؤولين يرقون رغم فضائحهم المالية والإدارية لذلك فمطلب مساءلة الجميع بدون استثناء إحدى الشروط للحديث عن الإصلاح؛ - مكافأة التجارب الناجحة والاجتهادات الشخصية وفق معايير دقيقة ومحددة لأن تهميش هذه التجارب والمبادرات الفردية من شانه أن يدفع إلى الانكفاء والكسل؛ الخطوات الإجرائية للإصلاح خاتمة: إن موضوع إصلاح التعليم ضرورة مجتمعية لم تعد تقبل التأجيل, فإما أن نقبل بعملية علاجية للمنظومة التربوية أو نعيش خارج التاريخ وذلك لأن التعليم والتربية من الحقوق الثابتة لبناء مجتمع المعرفة وهو أيضا التعليم استثمار لتحقيق التنمية و مرتكز أساسيلتحقيق السلم والأمن والتواصل بين الشعوب... هذه هي مرتكزات حزبنا لإصلاح التعليم وقد سبق لنا أن نبهنا في عدة مناسبات من حالة الانهيار التي يشهدها نظامنا التربوي ولم نجد آذانا صاغية وباسم المصلحة العليا للشعب المغربي وللوطن نضع هذه المساهمة للخروج من الأزمة إذا كانت فعلا إرادة صادقة لذلك. الرباط في15 /10/ 2013