في فصل الربيع الماضي، كانت سعيدة بأشعة الشمس الدافئة التي تضمن لها بيع الحلوى و "البغرير" في باب السوق دون أن يطردها المطر؛ لكنها كسائر الباعة المتجولين تناور كل مرة خطرا آخر؛ كبهلوان يرقص على الحبل و النار تحته، تبيع حلالا محرما في لغة الاقتصاد و تناور كل يوم القوة العمومية.. هذه المرة صادروا قوتها الحلال الحرام فأحرقت نفسها.. مي فتيحة تحكي قصة نساء تناور كل يوم الجوع الحلال بالبيع الحرام مثل الكثير من أبناء هذا الوطن! في رمضان و نحن نهفو للطيبات و لعمرة في تلك البقاع الطاهرة، كانت تغتصب في واضحة النهار هناك و تهان، فجردوها من أوراق السفر و أدخلوها لمصحة الأمراض العقلية ثم اعتقلوها، و لولا اختراع الكفار للهواتف الذكية لما استطاعت ان تسجل فيديو من السجن في البقاع المقدسة لتستنجد من جحيم ابتدأ بزواج كان خبره الفقر و الهجرة.. لمياء تركت خلفها أخريات من بنات الوطن بنفس القصة تترقبن صليل الزنازن هل هو الإفراج عنهن أم الحد عليهن.. المرأة التي أنقذناها ربما هي ابنة لمياء أما لمياء بعد الذي عاشت مهما ترمم لن تجاوز الرميم! في فصل الصيف بعد أن انتهى من حفل زفاف صديق له تواعد معها لكنه أحضر معه ما يكفي من شهيته ليلتهمها في العراء؛ سيدة في الخمسينات من العمر انتهت في مخفر الشرطة؛ تدخلت زوجته لتخرجه في حين بقيت في جحيم الإهانة و حين خرجت جلدناها جميعا و لم يرحمها حتى أهلها و مقربوها... فاطمة واجهة سكيزوفرينيا مجتمعية أدت جملة واحدة ثمن حرب تخوضها أطراف سياسية بالتقسيط! و نحن نودع الصيف كان العيد سعيدا عندها و استطاعت الحصول على أضحية في الوقت الذي صعب ذلك على العديد من الأجراء و الموظفين؛ كان حدثا يستحق الاحتفال و البوح، فرقصت و زغردت و وجدت في نفسها من الوفاء ما يكفي لتصرخ بهذا الكرم في الشارع العمومي... مي مليكة وجه الجياع و وجه الاعتراف و عرفان البسطاء بأبسط القوت، تحملت مسؤوليتها و شاركتنا جميعا فرحتها في مسيرة لم يتحمل أي أحد مسؤوليته عنها أو اعترف بها! فصل الخريف ابتدأ ساخنا على وقع الانتخابات؛ الشابة البرلمانية الطموحة، وجدت نفسها خارج كل اللوائح في حزبها بسبب شبهة علاقة بزميل لها بينما يحتفظ هو بمركزه و يتمم مسيرته..كان قرار حزب يرفع سقف العدالة في وجهنا عاليا.. اعتماد الوجه الصارخ لقسمة ضيزى في تحمل تبعات الخطيئة حيث تجلد المرأة نصيبها و نصيب الرجل فيما يستمر الذكر لينعم بمزيد من العدالة و التنمية! قبل انطلاق قيامة الانتخابات بساعات، بدا الأمر واضحا حين تسرب شريط لا يحمل ماركة صانعيه، يصور امرأة تطلب من رجل بلحية و عباءة أن يفسح لها طريقا تبدو كافية للمرور و تنزل بعد المشاداة معه لتصرخ في وجه امرأة أخرى "صوتي لتعيشي حرة"... "لا اسم لها" تكشف أن القيامة انتهت أصلا لأن القيامة حساب يتبعه جزاء و عقاب؛ و لا يبدو الأمر كذلك إذ اليوم لا حساب و لا جزاء، إنه الجحيم و الغوغاء بحماقاتهم من حيث لا ندري إلينا ينسلون! في الفصول القادمة من جحيم اختار له مهندسوه المرأة حطبا، كم تكفي من النساء!!! امرأة واحدة لا تكفي لتعري عوراتنا و بؤسنا في هذا الوطن!