"زهير لهنا" طبيب مغربي عرّض نفسه لمخاطر كثيرة، ليؤدي مهمته متخصصا في أمراض النساء والتوليد في أكثر من عشر دول بعضها يشهد حروبا وأخرى محفوفة بالمخاطر. سافر "لهنا" (51 عاما) إلى سوريا خلال الحرب الراهنة بين قوات النظام والمعارضة، وقطاع غزة أثناء الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين عام 2014، وإلى أفغانستان خلال الحرب، التي قادتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، على تنظيم القاعدة عام 2001، وساعد مرضى في أكثر من أربع دول إفريقية، منها دول تعيش حروبا أهلية. "لهنا" من مواليد عام 1966، في حي "درب السلطان" بمدينة الدارالبيضاء، درس في مسقط رأسه إلى أن حصل على شهادة البكالوريا، ثم شهادة الطب عام 1992 من جامعة الحسن الثاني في المدينة، قبل أن يتوجه إلى باريس للتخصص في مجال طب النساء والتوليد، وبعد الدراسة استقر في فرنسا. حصار وقصف ورغم عمله التطوعي لسنوات، إلا أن الرأي العام المغربي والعربي عامة تعرف على "لهنا" للمرة الأولى خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، صيف 2014، خصوصا عبر تصريحات له كان يدلي بها من مستشفيات القطاع لوسائل إعلام دولية.الطبيب المغربي كان من الأطباء القلائل الذين نجحوا في دخول غزة رغم الحصار، وظهر على شاشات القنوات الدولية لينقل ما يتعرض له أهالي غزة من قصف وتدمير من الجيش الإسرائيلي، ويطلب الإغاثة والتدخل الدولي لوقف المأساة الإنسانية.ثم زادت شهرة "لهنا" بعد نشره، على مواقع التواصل الاجتماعي، ليومياته من مستشفيات المدن السورية الحدودية مع تركيا، حيث عمل تحت القصف وإستهداف المقرات التي اتخذها الأطباء مستشفيات لعلاج الجرحى. خدمات للفقراء الطبيب المغربي قال للأناضول "اختياري للعمل التطوعي منذ 18 سنة نبع من إيماني بأن الطب مهنة تعتمد على العطاء اللامحدود ,نحمل مسؤولية إنقاذ الأرواح التي يمكن التدخل لإنقاذها، وكذلك المساهمة في تغيير الواقع الصحي للمرضى كيفما كانت ظروفهم، وضمان حقهم في العلاج أينما كانوا، وكيفما كانت أختلافاتهم العرقية والدينية والثقافية". ولم يتوقف عمل الطبيب المغربي عند الإغاثة في بؤر التوتر، وإنما أفتتح قبل عام مركزا صحيا تحت اسم "مركز إنجاب" في حي الألفة، أحد أفقر أحياء الدارالبيضاء، العاصمة الإقتصادية للمغرب، بهدف تقديم الخدمات الصحية الأساسية للمهاجرين واللاجئين والفقراء في بلاده.ومؤخرا إنتقل إلى مجال تدريب المولدات والجراحين، لتقليص حالات وفيات الأطفال حديثي الولادة والأمهات أثناء الولادة، فنجح في تدريب أكثر من 180 مولدة في المغرب تعملن في القرى النائية، حيث حسّن مهاراتهن وأداءهن المهني ومكنهن من التدخل بنجاعة لإنقاذ النساء والرضع في بلد ما زال يشهد نسبا مرتفعة في وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة.وبلغ معدل وفيات الأمهات في المغرب 72.6 حالة لكل 100 ألف ولادة خلال عام 2016، وفق المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، في يوليو/ تموز الماضي. ويستعد "لهنا" للانتقال بتجربته في تدريب المولدات والجراحين في المغرب من مبادرة فردية إلى مركز للتدريب، مطلع سبتمبر/ ايلول المقبل، ليتحول هذا العمل التدريبي إلى مؤسسة قائمة بذاتها ومنظمة. طبيب لا يخاف الموت أبرز ما تعلمه الطبيب المغربي من عمله في بؤر الصراع حول العالم، وفق قوله، هو "عدم الخوف من الموت".وتذكر "لهنا" أصعب المواقف خلال عمله، وهي "لحظة مواجهتي مع عناصر من الجيش الإسرائيلي خلال العدوان على غزة، وخلال عملي في سوريا، حيث كان القصف ممنهجا ودائما للمستشفيات والمرافق، التي تقدم خدمات صحية". وتابع بقوله "ردهات المستشفيات الميدانية السورية كانت تزدحم بحالات مستعصية تستدعي عمليات جراحية عاجلة ومعقدة، في واقع يصطدم بمحدودية الأطقم الطبية وتواضع المعدات "كنت أتجاوز الصدمة من هول ما أرى، وأنتقل من ردة الفعل إلى الفعل، محاولا إستثمار ما أملكه من علم وتجربة في محاولة مساعدة الضحايا". وبجانب عمله كطبيب متطوع، أطلق "لهنا" عددا من الحملات الإنسانية، بينها حملة دعم اللاجئين السوريين، الذين علقوا على الحدود المغربية الجزائرية لأكثر من ستين يوما (بدأت أزمتهم منذ 17 أبريل).فقد نظم قافلة لإغاثتهم وهم في المنطقة الحدودية بالصحراء، وراسل مسؤولين مغاربة لوقف مأساة اللاجئين الإنسانية، وتابع قضيتهم إلى حين إستقبالهم داخل المغرب (في 20 يونيو). نداء للأنظمة العربية ومنطلقا من تجربته الطويلة في عدد من الدول، دعا "لهنا" الأنظمة العربية إلى "تحسين الخدمات الصحية المقدمة في المرافق العمومية". وفي الوقت ذاته، دعا الأطباء العرب إلى "تجاوز نظرتهم للطب كمهنة مربحة فقط، وجعلها مهنة تحمّل الطبيب مسؤولية تقديم يد العون بشكل تطوعي على اعتبار أنها باب من أبواب توفير الكرامة للمواطن العربي".ورغم مشاركته في مداواة جراح مرضى في عدد من أخطر مناطق العالم، إلا أن الطبيب المغربي لم يلق بعد تكريما رسميا في بلده، بخلاف أطباء أوروبيين رافقوه في أسفاره الإغاثية وكرمتهم دولهم.لكن "لهنا" يقلل من أهمية عدم تكريمه رسميا في المغرب، مشددا على أن "القيمة التي أستمدها من حب الناس لي عبر عملي التطوعي أكبر من أي تكريم".