حمل خطاب العرش بمناسبة الذكرى 18 العديد من الدلالات والإشارات القوية خصوصا وانه جاء في سياق ذو حساسية نوعية خطاب كالعادة سلط الضوء على العديد من مكامن الخلل التي تعيق مسار التنمية والتقدم ببلادنا. خطاب لم يحد عن مبدأ من المبادئ الأساسية للخطاب الملكي والمتجسد في تجديد روابط البيعة المتبادلة، وظل وفيا للهجته ووضوحه، متشبعا بالقيم، واصفا لواقع الحال، ومعبرا عن هموم المواطن المغربي، لكن بأسلوب استنكاري. وعموما يمكن القول إن الخطاب الملكي شكل نقطة تحول في التعاطي مع الشأن العام وله دلالات عميقة، سيما وأنه هذه المرة خرج عن المألوف زمنيا حيث تم تقديمه عن الموعد المعتاد، وبالنظر إلى هذا المعطى وهو أمر له دلالاته مقارنة مع مضامين الخطاب التي تزكي هذا التقديم وربما تفسر سبب تقديمه. أولا: مضامين الخطاب دون طبيعة المناسبة والتي عرت وبالملموس عما يعانيه المواطن باعتباره جوهر وغاية كل عمل أو إصلاح كيفما كانت طبيعته. ثانيا: مضامين الخطاب لا ترقى للطموح المغربي خصوصا بعد عودته للبيت الإفريقي من جهة وحجم الرهانات والتحديات التي يواجهها بالإضافة إلى الدور الريادي والاستراتيجي الذي يلعبه في إفريقيا، وسمعة المغرب تجاه شركائه من جهة أخرى. ثالثا: التطلع نحو تدشين قطيعة مع لحظة ما قبل 30 يوليوز والعمل على جعل 30 يوليوز مناسبة ينبغي أن تجسد مظاهر الاحتفال والالتحام بين كل المكونات والأطياف والمؤسسات. رابعا: ضخ دماء جديدة للوثيقة الدستورية والتي بقيت روحها حبيسة مرحلة التعديل، حيث عرفت شللا ملحوظا. وذلك من خلال تفعيل المبادئ التي جاء بهاو أجرأتها على أرض الواقع. كما أرسل الخطاب إشارات قوية للأحزاب السياسية من أجل إعادة النظر في الأدوار المنوطة بها ومن أجل تجاوز الصراعات الحزبية والحسابات السياسوية الضيقة، والعمل على عقلنة المشهد الحزبي وتخليق العمل السياسي. ودون الحاجة إلى لجان لتقصي الحقائق فقد عبر الخطاب بكل واقعية عن جملة من المفارقات الصارخة التي يعيشها المغرب في ظل التطور الذي يعرفه. و من أمثلة ذلك نجاح قطاعات بعينها على مستوى الفلاحة والصناعة … وفشل تلك التي لها صلة مباشرة بالمواطن اي برامج التنمية البشرية والترابية لافتقارها للالتقائية والانسجام والبعد الاستراتيجي والكفاءة …ناهيك عن جملة من الاختلالات التي تتصف بها الإدارة العمومية بالإضافة إلى ما يطالها من مظاهر القصور وضعف الأداء ومن ضعف الحكامة والمردودية وتدني جودة الخدمات … بالإضافة إلى حدة المفارقة بين القطاعين العام والخاص حيث يبقى هذا الأخير واحدة من بين نقط الضوء على قلتها بالنظر للإشادة والمكانة اللتين حظي بهما في الخطاب الملكي إن على مستوى نموذج التسيير – النجاعة – التنافسية – توفير فرص الشغل خلق ثروة وحركية اقتصادية… أهمية تنبدي في المقارنة البسيطة بين المناطق التي يتركز فيها أو ينعدم بها القطاع الخاص. فهل هذا الواقع سيعود بنا إلى اجترار خطاب أزمة القطاع العام من جديد في ظل عهد جديد؟ عهد تنموي جديد لكن بعقليات لا تساير التحولات و حجم التطلعات، ولذلك جاءت الدعوة صريحة إلى: تغيير العقليات والتحلي بالإرادة واستحضار روح المسؤولية والالتزام من أجل المسيرة الجديدة مسيرة التنمية البشرية والاجتماعية والعدالة الاجتماعية في مغرب ما بعد 30 يوليوز، مغرب ربط المسؤولية بالمحاسبة. مغرب المؤسسات والحق والقانون. فهل تستشعر الأحزاب السياسية وكل الفاعلين كل من موقعه حجم الرهانات والمسؤوليات؟ وهل سيتم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة فعلا؟ وهل من الممكن فتح اوراش جديدة للاصلاح الاداري؟ أم أن دار لقمان ستظل على حالها؟