دخلت في فترة موت إعلامي سريري وتوقفت عن الكتابة منذ أن أوصاني الطبيب النفساني بذلك، وأكد أن مراحل مرضي بالكتابة متقدمة جدا وأن كتابة أي مقال جديد قد يزيد من خطر الإصابة بداء فقدان الشعر المكتسب (الصلع). وفعلا بدأت أحوالي الصحية تتحسن وأحسست أن شعيرات فقدتها أثناء الكتابة بدأت تنمو وأن أخرى صارت بيضاء فأضحت تميل للسواد مرة أخرى… غير أن خبرا مدويا زلزل عرش راحتي وهز أركان متعتي تلك، واضطرني أن أحمل قلمي مرة أخرى وأعود لحالة الإدمان التي كنت عليها و أفقد وزني وشعري من جديد… أتدرون ما الحدث الجسيم؟ أتعلمون ما الخطب الجليل؟ إنها احتجاجات في اغبالة! نعم إن صفحات العالم الأزرق مليئة بصور وفيديوهات ساكنة أيت سخمان وهم ينظمون مسيرة احتجاجية.. هل قلت مسيرة؟ نعم مسيرة!! وماذا يريدون يا ترى؟ يقولون إنهم عطشى!!! يال العجب! ساكنة اغبالة باقليمبني ملال التابعة لجهة بني ملالخنيفرة يحتجون على غياب "مادة الحياة" و فوق كل ذلك ينظمون مسيرة.. هذا مستحيل! فمنذ متى كان سكان الأطلس يحتجون؟ ومنذ متى كان سكان الجبال ينظمون المسيرات ويرفعون الشعارات؟ لماذا الاحتجاج على الماء وحده دون باقي الاحتياجات الضرورية الأخرى؟ ألا يعانون من الجوع أيضا؟ أيهما أخطر الجوع أم العطش؟ ماذا عن الطرق؟ وماذا عن المستسفيات والمدارس؟ لماذا لا يحتجون على انعدام الشغل؟ إنه شيء لايصدق! لا يمكن لذلك أن يحدث صدفة وتلقائية. لا بد أن هناك مؤامرة صهيو-أمريكية أو شيعية فارسية تستهدف زعزعة عقيدة أيت سخمان. إن ما جعلني أكتب عن هذا الموضوع الخطير ، رغم توصية الطبيب بعدم الكتابة، هو إيماني الراسخ أن احتجاج أيت سخمان يحمل بصمات واضحة للموساد الإسرائيلي أو الحرس الثوري الإيراني أو هما معا. فالهدف واضح وجلي وهو فصل اغبالة عن اقليمبني ملال والحاقه باقليم ميدلت. اذن فالتوجه الإنفصالي لا تخطؤه العين. ولذلك كان التعامل معه حازما وحاسما من طرف القوات العمومية، وهو ما أسمته بعض الصفحات الفيسبوكية والمواقع الإلكترونية ب"القمع"، وهي طبعا جاهلة لطابع المؤامرة الكونية التي تحاك في الخفاء. و الدليل القاطع على وجود مخطط لتقسيم اغبالة هي تلك الطائرة العسكرية التابعة للدرك الملكي التي تحوم حول المنطقة. ماذا كانت تفعل طائرة للدرك هناك لولا وجود "مجموعات ارهابية" تابعة لولاية الفقيه؟ إن المسيرة الاحتجاجية التي نظمها سكان اغبالة تشكل نقطة تحول خطيرة في جغرافية وتاريخ الأطلس المعروف بسلمه وسلامه وتسليمه. فالصبر صنع وعجن وخبز في الأطلس. ولا يمكن التفريط في هذه القيمة الرفيعة. كل ما عرف عن سكان الأطلس أنهم مقاومون شرسون ضد المستعمر ووطنيون حتى النخاع. فموحى وحمو الزياني وأحمد الحنصالي منهم. وأول وآخر مسيرة شارك فيها سكان الأطلس كانت المسيرة الخضراء المظفرة. ونسبة التصويت في جماعاته هي الأعلى وطنيا. وقالوا جميعا "نعم" لدستور 2011، فلماذا يحتجون الآن؟ إن الجواب بسيط: القوى الظلامية الانفصالية الخارجية أرادت التشويش على النجاح التاريخي لزيارة الوفد الحكومي لمقر جهة بني ملالخنيفرة الذي تنتمي إليه بلدة اغبالة. فالأمر واضح وضوح الشمس في كبد السماء. فلا يعقل أن تنطلق الاحتجاجات قبل أن تمحى أثار أقدام الوفد الحكومي الميمون! إن غيرة جهة درعة تافيلالت من نجاح زيارة العثماني ولفتيت وغيرهم لجهة بني ملالخنيفرة دفعتها للمساهمة في المخطط الانفصالي من خلال توفير الدعم الجغرافي عبر املشيل أملا في ضم اغبالة وفصلها عن بني ملال التي انتبهت للمخطط وأرسلت تعزيزات أمنية طوقت المحتجين و عالجتهم بالصدمة واعتقلت ستة منهم قبل أن تطلق سراحهم بعد أن تأكدت من سلامتهم العقلية. إن الاحتجاج بسبب الخوف من الهلاك عطشا مبرر غير منطقي وغير مقبول، من وجهة نظري، لأسباب وجيهة: أولا: اغبالة منطقة أطلسية وأهلها معروفون بالصبر والاحتساب وغير بعيدين جدا عن صحراء الراشيدية حيث يعيش الجمال. أتكون الجمال أكثر صبرا من سكان اغبالة؟ هذا مستحيل! ثانيا: اغبالة منطقة جبلية معروفة بالتساقط الكثيف للثلوج في فصل الشتاء. فلماذا لا يخزنون مياه الثلوج لفصل الصيف؟ ثالثا: هناك واد غير بعيد يصب في المنطقة فلماذا لا يستغلون الفرصة للشرب والاستحمام والتخييم؟ وبناء على كل ما سبق، فإن الاحتجاجات والمسيرة التي استغلت فيها قوى انفصالية أيت سخمان فعل خطير يجب ألا يتكرر و أن حجم القوة الذي تدخلت به قوات حفظ النظام كان مناسبا جدا لحجم خطورة الاحتجاج والصياح. و أن كسر عظام البعض كان حضاريا جدا. فوزير الداخلية كان متسامحا جدا مع مسيرة أرادت النيل من زيارة رسمية ناجحة كان مشاركا فيها شخصيا. وكانت الوعود وردية، ولكن عطش أيت سخمان حولها إلى واقع أحمر حمرة الدم وإلى معيش أسود كسواد ليل مظلم زاحف يبدو أنه ألف المقام..