أن تعيش أحزاب المعارضة وإعلام التحكم والسلطوية حالة من الخوف من نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة، فهذا أمر مشروع وطبيعي. ذلك أن انتخابات السابع من أكتوبر يتوقع أن تكون حاسمة في اختيارات الناخب المغربي، الذي سيجد نفسه محررا من تأثيرات عوامل عامة مثل التي أطرت انتخابات 2011، والتي طبعتها مطالب الشارع المغربي بالتغيير ومحاربة الفساد والاستبداد، ومقررات الدستور الجديد، وهي الأجواء التي جعلت من برامج الأحزاب أمرا ثانويا مقارنة مع ما تمثله هي في نظر الناخب من مصداقية وأمل في تنزيل الدستور ومحاربة الفساد والاستبداد. واليوم بعد أزيد من خمس سنوات عن الحراك الشعبي لسنة 2011 وعن اعتماد الدستور، على الأحزاب أن تواجه انتظارات الناخبين وتقييماتهم فقط ببرامجها ورصيدها لديهم. وسيجد الناخب المغربي نفسه أمام خطابين سياسيين رئيسيين، خطاب أحزاب شاركت في الحكومة عليها أن تتسلح بالمنجزات وتتقدم بمقترحات واعدة، وخطاب أحزاب في المعارضة عليها أن تنتقد حصيلة الحكومة وتبدع في اقتراح البدائل. وهذا المعطى الهام هو العامل الضاغط على أحزاب تعرف قدرها الهش لدى الناخبين. في الانتخابات التشريعية المقبلة، ووفق وضعيتها العامة المشار إليها سابقا، إذا توفرت شروط المنافسة والنزاهة الحقيقيتين، وكانت نسبة المشاركة مناسبة، ستعبر النتائج بالفعل عن الخريطة السياسية الأقرب إلى الحقيقة الموضوعية. وهذا بالطبع ما يصوغ أن تخاف الأحزاب من تلك النتائج، خاصة الأحزاب التي ليست لها مصداقية شعبية ولا برامج انتخابية قوية ولا قدمت مرشحين أقوياء، وهذه هي الحالة الغالبة على أحزاب المعارضة. لكن أن يتحول خوف بعض أحزاب المعارضة الحالية من صناديق الاقتراع إلى حالة هستيرية تهدد الاستقرار بنشر خطابات التخويف المجاني من خصمها السياسي الذي يقود التحالف الحكومي، فهذا انحراف خطير لا يمكن فهمه إلا في إطار "فقدان الصواب". إن دعوة حزبين في المعارضة ووسائل إعلام عرفت بخدمة التحكم والسلطوية، للحذر والاستعداد ل"حماية البلاد" في حال لم يفز الحزب الذي يقود الحكومة الحالية بالمركز الأول، دعوة ينبغي أن تستوقف الجميع. ذلك أننا بتلك الخطابات أصبحنا أمام أحزاب أظهرت استعدادها المقلق واللامسؤول للجوء إلى التهم السياسية الثقيلة فقط لأنها عاجزة عن المواجهة الشريفة وتخشى نتائج صناديق الاقتراع. وهو ما يثير علامات استفهام مقلقة عن ردود فعلها الحقيقية التي ينبغي توقعها في حال لم تفز هي بالمركز الأول في تلك الانتخابات. إن وضع حزب وطني مارس اللعبة الديمقراطية بجدارة واستحقاق مند تأسيسه، في خانة من ينبغي حماية البلاد من رد فعله على نتائج الانتخابات، يكشف ليس فقط مستوى الانحطاط السياسي الذي بلغته تلك الأحزاب ومن يدور في فلكها من إعلاميي السلطوية، ولكن يكشف أيضا استعدادها اللعب بقضايا الأمن العام في سبيل تحقيق مكاسب سياسية ضيقة. إن التخويف بما بعد اقتراع 7 أكتوبر أمر خطير للغاية، يؤشر على نوايا استئصالية وفوضوية مغامرة تستوجب المساءلة. لكنه في الآن نفسه يحمل عدة دلالات سياسية مخربة، يتعلق بعضها بالمراهنة على عامل الخوف لتحقيق أكبر نسبة ممكنة من العزوف عن الانتخابات، لرفع حظوظ الأصوات المتحكم فيها بالمال والسلطوية والتخويف وغيرها من أساليب الضبط. ويتعلق البعض الآخر بتوفير إطار اتهامي يقمع بشكل استباقي أية محاولة لفضح الفساد الانتخابي بجعله في خانة تفرض "حماية البلاد" منها. إننا أمام إرهاب سياسي مزدوج، واحد موجه للدولة والمجتمع، والثاني موجه لغريم سياسي شهدت تلك الأحزاب وإعلامها نفسهم بكونه أكثر الأحزاب ديمقراطية في المغرب. اللعبة الديمقراطية واضحة سواء في التنافس أوفي تقبل النتائج مهما كانت. وإذا كان حزب المصباح قد كبر بشكل طبيعي إلى أن احتل مركز القيادة في المشهد الحزبي، فإن "تحالف" أحزاب تراجعت مواقعها وأصابها اليأس وحزب صنع على عجل ويستعجل الوصول بأي ثمن، هو ما يطرح مخاوف حول طبيعة ردود فعله (أي "التحالف") حول نتائج اقتراع 7 أكتوبر، وحدود ردود الفعل تلك. إن خطاب التخويف بتهديد الاستقرار الذي أشهرته بعض الأحزاب وروجت له وسائل إعلام معينة، لا يمكن اعتباره مجرد مزايدات انتخابوية، بل يطرح أسئلة مقلقة عن نوايا الجهات الواقفة وراء "مشروع حماية البلاد" فيما يستقبل من الأيام. وعلى الدولة تحمل مسؤولياتها الكاملة في حماية الاختيار الديمقراطي، وحرية المواطنين في التصويت، ونزاهة الانتخابات في كل مستوياتها، والصرامة في تطبيق القانون، والقيام باللازم تجاه خطابات مغامرة تسيء إلى سمعة المغرب وصورته.