بعد أن كانت الجامعة المغربية بكل مكوناتها العلمية والفكرية فضاء خصبا و فعالا للفكر وكسب العلم ، حيث كانت هذه الأخيرة أرض السلام والحوار بين جميع الأطياف والتوجهات السياسية والإيديولوجية بين الطلبة. عناوين خضراء كلها كانت عوامل بارزة ساهمت في بناء جسم طلابي جاد يضرب له ألف حساب، لكن للأسف فالزمن لم يمهل كثيرا ليفقد هذه العناوين بريقها ،وتنقلب الآية رأسا على عقب ليصير السيف والتعصب والعرقية سيد الموقف، فقد أضحت الجامعة مرتعا للمرتزقة والمدججين بالأسلحة , ساحة وفضاء للصراعات والتطاحنات الإيديولوجية المسيسة من طرف المخزن , وفق نظام بيداغوجي فاشل متردي يخدم الأجندة الخفية , و في غياب تام لأدنى شروط التعليم و التغطية الصحية , ومنحة جامعية مقزمة يستثنى منها الأغلبية ويستتمرها أصحاب النفوذ والأفضلية ويبقى الطالب البسيط دائما ضحية لهم. العلم نور والجهل عار شعار لم يعد صداه يرن في أذني الجامعة المغربية وكأنه دفن في بئر عميق ، ليترك لنا حرما جامعيا يضم تركيبة من الفصائل الطلابية التي تنوعة بأشكالها وألوانها بين من تختار المنطقة الجغرافية، أو العرق واللغة، أوالإيديولوجية كعوامل محددة للإنتماء، فصائل طالما عاهدتنا بمواجهات حامية الوطيس حصدت في الكثير من الأحيان أرواح عدد من الطلبة الذين تمنت أسرهم أن يعودوا إليها ذات يوم بفخر الشهادة الجامعية، فعادوا إليها ملفوفين في أكفان بيضاء . إنتكاسة حقيقية يعيشها الحقل الجامعي، تطرح علينا تساؤلات جوهرية بدون عنوان، نلوح بها مستنجدين بالإتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي تم إقباره وجعله مجرد أناشيد يتغنى بها الكل في الساحة الجامعية ، غياب هذا الأخير بإعتباره آلية نقابية ناجعة وفعالة في تنظيم الوسط الطلابي والدفاع عن مكانة الجامعة. لم يزيد الطينة إلا بلة حيث تحول إلى سم زعاف من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى الصراع الوطني لطلبة المغرب ثم إلى الإرهاب الوطني لطلبة المغرب. هذا الوضع الهش من الناحية التنظيمية خلف انعكاسات وخيمة على مستوى التأطير والتعبئة و التحسيس بالأدوار المباشرة و غير المباشرة لمساهمة الجامعة كتعبئة بشرية شابة في مسار البناء الديمقراطي ببلادنا و كذا القدرة على متابعة الأحداث من الناحية الكمية و النوعية السارية على المستوى المجتمعي. فالحركة الطلابية المغربية فوتت فرصة من ذهب أتاحها الربيع الديمقراطي بجمعه بين جميع الأطراف من أجل المصلحة العامة، ومن المؤسف أن صورة النضال في المؤسسات الجامعية تشوهت وصارت نوعا من الفوضى والعنف والاستغلال السياسي لنضالات الجماهير، الأمر الذي يعود إلى أسباب ذاتية تتحمل فيها الفصائل والمكونات الجامعية مسؤوليتها، وإلى أسباب خارجية تتجلى في تغليف الجامعة أي السياسة المخزنية التي نهجتها الدولة لضرب المكون الطلابية عبرعسكرة الحرم الجامعي . إن ما يهدد مستقبل الجامعة كوسط فكري تعددي منفتح و ديمقراطي هو خلق بيئة جامعية من الناحية الفكرية و الثقافية و السياسية تزكي التطبيع مع الإرهاب الفكري الإيديولوجي والسياسي ، مرض صار علينا لزاما استئصاله، وعدم ترك أعراضه تستفحل، شيئا فشيئا، إلى أن يستعصي على كل علاج . وفي الواقع، فإن إعادة أمجاد الجامعة ، غير ممكن إلا بالإقدام على عدد من الخطوات الجريئة، على أكثر من مستوى، من مستويات المجتمع والطبقة السياسية ذات المصلحة الأكيدة ، في إبعاد بلادنا من أهوال ثقافة الإلغاء والإقصاء التي تؤدي، حتما في نهاية مطافها إلى العنف الدموي كما نعاين اليوم في عدد من البلدان . إن الوفاء للإتحاد الوطني لطلبة المغرب، والحفاظ على الجامعة المغربية، والعمل على إعادتها إلى سابق حيويتها الهادفة، يكمن في الوفاء لأهم دروس تجربتها الفذة .