عند كل قضية سياسية يتبعها إعتقالات و أختطافات ،يتابع الرأي العام معاناة المعتقلينر وأنتهاك حقوقهم .ولكن الكثير منا يجهل معاناة الشريك الثاني، الاسر و العائلات .معاناة الأب و الأم و الزوجة و الزوج و الأبناء. فالأختطاف و الاعتقال و الأختفاء و الأضراب عن الطعام و المحاكمة و الترحيل من سجون مدنهم… كل هذا تعيشه العائلات لحظة بلحظة إلى جانب أبنائها . فالاختطاف و الاعتقال لم يختطف حرية المعتقل فقط بل تتجاوزه لتطول لخطف فرحة الأم بأبنها الذي نزع بقسوة من حضنها .ويهدم آمال وأحلام الزوجة التي بنتها مع زوجها..وتجعل الزوج يعيش في ريبة مما سيقع لزوجته داخل المخافر . و تخطف من الأطفال حنان الأبوة و الأمومة و الإحساس بالآمان و الاستقرار. فأذا أقتربنا من هذه العائلات المجروحة ، ستجد الأم تبكي إبنها وهي تحكي لك في ذلك اليوم الأسود الذي تهجم عليهم أشخاص و أخذوا منهاكبدتها. فتتوقف لأن سيل الدموع زاحمت الكلمات. وبنفس القرحة ستكلمك زوجة حامل أختطف زوجها من أمام بيتهما . ثم رجعوا لتفتيش البيت دون مراعاة حملها ولاذعر أطفالها الصغار .وكم تكون قسوة المعانات أكبر إذا أختطف او أعتقل أحدهم للمرة الثانية . وقد حكى لأسرته كل طرق التعذيب أثناء التحقيق . فالأسرة تعيش كل هذه اللحظات بتفاصيلها. قد تقضي الاسر أياما و أسابيع وربما شهورا في البحث عن معتقليهم .يجوبون مخافر المدينة دون جدوى .وفي آخر المطاف يخبرون أنهم رحلوا إلى مدينة بعيدة بمئات الكليموترات ..مدينة الدارالبيضاء التي لم تطئها يوما رجل أحدهم .فتبدأ الرحلة التي بدل أن تكون إستجمامية بزيارة ساحة النافورة و الحمام ،تصبح زيارة لسجن عكاشة و المحاكم. بعد معانات كبيرة للحصول على ترخيص الزيارة ،يأتي أول ألتقاء بين المعتقل و أسرته بعد مدة من التيهان و البحث ..تختلط الدموع بالفرح و الحزن ..الفرح للقاء و الحزن لعدم تحمل رؤيته في حالة صحية غالبا أقل ما يمكن وصفها به أنها مزرية .لا تتعدى الزيارة غالبا دقائق معدودة تخرج منها العائلات بصدمة أكتشاف مغرب آخر كان بعيدا عنهم ،مغرب السجون التي كانوا يعتقدون أنه لا يدخلها إلا المجرمون و القتلة ومافيات المخدرات .. فإذا بأبناءهم داخلها. ويأتي يوم المحاكمة..يوم الفاجعة التي تتقاطر فيها الأحكام على الشباب .أحكام قاسية تنزل كالصاعقة على الأباء و الأمهات والزوجات و الأزواج و الأبناء.أحكام تتسبب في صدمات نفسية للعائلات.فقد تصاب الأم بالتمتمة طيلة حياتها ،و قد تكون سببا في مرض وموت الأب تحث هول الصدمة. فبعد المحاكمة تبدأ رحلة معانات جديدة .رحلة توفير كلفة القفة و تمن التذاكر ومصاريف التنقل على الأقل مرة في الشهر . و تتبع تنقلات الأبناء من سجن إلى سجن و من مدينة ألى مدينة. فتصبح العائلات من المساهمين في تنشيط السياحة الداخلية رغم عنها بعدد الرحلات التي يقومون بها.رحلات قد تقطع في اليوم الواحد مسافات طويلة قد تصل ل 400كلم .وقد يكتشفون مدنا جديدة عليهم .تبدأ العائلات وغالبا ماتكون الأم او الزوجة الرحلة ليلا محملين بقفة لايعلم إلا الله كيف وفرونها . قد يصلون للمدينة قبيل أوبعيد الفجر .فيضطرون البقاء في محطات النقل إلى أن يبزغ نور الصباح . قد تمر عليهم خصوصا النساء لحظات خوف وذعر .وكم تكون الخيبة كبيرة عندما تقطع من مكناس إلي آسفي زوجة حامل تضع فوق رأسها قفة و تجر أطفالا صغارا متشوقين لرؤية أبيهم ،وعند وصولها للسجن تخبر أن زوجها نقل إلي سجن القنيطرة أو لسجن مدينة أخرى. فترجع منهارة لمدينتها تحت أسئلة الصغار لماذا لم يلتقوا بأبيهم.فاحتجاجا على هذه التنقيلات التعسفية أو للحصول على حقوق لهم ،يدخل الشباب في إضراب عن الطعام ،فكم تكون حالة الأسر جد محزنة.يعيشون في خوف وصول خبر وفاة أحدهم خصوصا إذا انقطعت عنهم أخبارهم ومنعوا من زيارتهم. و أما أطفال و أبناء المعتقلين فمعاناتهم حدث ولاحرج ..فمنهم من يرضع من ثدي أمه الخوف و الفزع . و منهم من لايفهم غياب أبيه المفاجئ. ومنهم لا ينسون مشهد أعتقال أبيهم ليلا عندما أستيقظوا مفزوعين على صوت صراخ والدتهم وجدتهم وتسمر جدهم. و منهم لايعرفون مكانا لأبيهم إلاوراء القضبان أو هو الصوت الذي يضاحكه ويداعبه عبر الهاتف.ومنهم لا يرسم إلا لحظات بالسجن التي يقضيها مع أبيه بدل أن تكون بالحدائق و الملاهي . ومنهم من أوقف دراسته ليعين والدته و يخفف عنها عناء ومصاريف الحياة. بهذه التجربة الأليمة تتعرف العائلات على السياسة و حقوق الإنسان .فرغما عنهم يتعرفون على عالم الصحافة و جمعيات حقوق الإنسان ،و يتمرسون على تنظيم الوقفات و المسيرات و إصدار البلاغات.ويصبح بعضهم و بعضهن قيادات نضالية بعد أن كانواز يستحيون ولا يحرؤون على الكلام أمام الغرباء. يطرقون جميع الأبواب للتعريف بقضية أبناءهم و المطالبة بإطلاق سراحهم .وقد يعتقلون وهم يناضلون من أجل ابناءهم وأزواجه. وبعد هذه المعانات..كم تكون الضربة موجعة عندما يروج لخبر عفو ملكي بمناسبة عيد ديني أو وطني .فينتظرون و الأمل يكبر بين ضلوعهم الذي تربع عليه الأمل .ولكن يصل الخبر اليقين …. لاعفو لفلدات أكبادهم و أزواجهم و آباءهم .فبين الإنهيار و الصبر والصمود و إلى عفو ملكي جديد يواصلون رحلة معانات قديمة متجددة.. فهذه صورة مصغرة لمعاناة أهل معتقلي الرأي وبدون شك لن تختلف عن معاناة أسر شباب الحراك الريفي.فطوفان الإعتقال يجرف معه بنيان عائلات بكاملها ..