هناك من يتحدث عن التعددية الايديولوجية والسياسية دون ان يقبل بكل ما يترتب على موقفه منها في مختلف المجالات العملية، مع ان الموقف الايجابي العام منها يقتضي موقفا مماثلا له على المستوى التطبيقي. وهكذا فعندما تكون المسألة مرتبطة بالمستوى النظري تجده سباقا الى القبول المبدئي بكل الأفكار والآراء، بما في ذلك تلك التي تعلن مناهضتها لقيم المجتمع والأمة الاساسية، باسم حرية الرأي او الاعتقاد او التعبير او غيرها من القواعد المرجعية التي يتم استحضارها في هذه الحالة، والتي يتم الذهاب في تأويلها مذاهب لم يكن ليخطر على بال من وضعوا أسسها انها ستكون رافعة لمثل هذه المواقف في يوم من الأيام ، لكن ما ان يتم الخروج من المستوى النظري المحض، حيث الخطاب مرسل، وغير مقيد، في الأغلب الأعم، الى المستوى العملي الذي يعتبر المحك الفعلي لما يتم الإعلان عنه بخصوص الموقف من التعددية، حتى يجد المرء نفسه أمام مشهد آخر تماماً، قد يصل في مستوى جدته الى درجة التناقض الجذري مع الخلفية النظرية التي قيل انها هي الداعمة الاساسية لموقف البعض من التعددية. وبطبيعة الحال، فإن هذا اللاتلاقي بين خطاب النظر وممارسة الواقع يجد تجسيده الملموس في كل ما يتعلق بالعمل الحزبي. وهذا هو ما يمكن اعتباره عاملا مفسرا لمواقف بعض الأحزاب السياسية من غيرها حيث يتم توزيع العلامات الإيجابية والسلبية عليها انطلاقا من لحظة الميلاد مرورا بمراحل الممارسة انتظارا لموتها الذي هو في الواقع انتظار دائم لأنه لا يعترف لها أصلا بشرعيتها وبحقها في الممارسة في واضحة النهار. وهذا يسري في الواقع على الأحزاب اليسارية التي لا ترغب في ان ترى اي حزب جديد على الساحة قد ينافسها على يسارها او على يمينها في اي استحقاق من الاستحقاقات كما يسري على احزاب يمينية لم تر قط في فكر اليسار وأحزابه غير جيوب للأجنبي بمختلف مسمياته. وهذا يسري أيضاً وايضاً، وربما قبل غيرها، على فئة من دعاة احترام التعددية الفكرية والسياسية المقرونة بمعاداة اي شكل من اشكال التنظيم السياسي الحزبي، كما لو ان لسان حالهم يقول : ما الحاجة الى الأحزاب السياسية؟ فها نحن نتحدث في جرائدنا ومواقعنا الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ونحن نجسد التعددية المنشودة، بشكل حصري. فلماذا هذا التشويش علينا؟ فقد ماتت الأحزاب او ينبغي عليها ان تموت، تلقائيا او اننا سنتكفل بها. وللتذكير فإن هذه الفئة لا تتوقف عن الهتاف: عاشت الحرية عاشت التعددية؟ تماماً كما نرى ان تنظيم داعش الإرهابي لا ينسى التكبير وهو يقطع رؤوس الأبرياء، مع فارق كبير، بالطبع، هو ان فئتنا"الإعلامية" تلك تعوزها سيوف داعش فتوسلت سيوفا اخرى لا يسمح المجال بذكرها خاصة انها معروفة لدى الجميع تقريبا.