ليست الحسيمة وحدها من تحتج، ليست حناجر أهل الحسيمة وحدها من تصرخ ضد التهميش والإقصاء، ليست الحسيمة وحدها من تحتاج ثورة إجتماعية واقتصادية وحقوقية لتلبية حاجيات المواطنين، ليست الحسيمة وحدها من سأم أهلها ضعف مؤشرات التنمية فيها وتأخر استجابة المسؤولين لمطالب سكانها المشروعة، إنه إحساس عام وشامل يقتسمه كل المغاربة ممن يكتوون بقساوة ظروف عيشهم وتردي مستواهم الإجتماعي وتفشي الفساد وغياب المحاسبة وتفعيل ميكانيزمات الحكامة بكل تجلياتها، إنه كذلك وضع إجتماعي لا يختلف بخصوص قتامته وهشاشته وضعفه إثنان. فهل تحتاج الدولة للتصعيد والضغط لتستجيب للمطالب المشروعة للمواطنين؟ وهل يلزم المواطنين التكشير عن أنيابهم والخروج للشوارع والإضرابات لكي تنصت لهم أجهزة الدولة والآلة الحكومية لتلبية انتظاراتهم؟ من حق إخواننا من أبناء الحسيمة أن يخرجوا ويتظاهروا ومن حقهم كذلك التعبير عن غضبهم وسخطهم على أوضاع منطقتهم التي طالها التهميش وتعاني ما تعانيه رغم الجهود التي قامت بها الدولة لتنمية المنطقة وكل مناطق المغرب. من حقهم كذلك الصراخ في وجه كل مسؤول يتقاعس في تأدية مهامه طبقا لما تفرضه المسؤولية التي يتولاها، ومن حقهم كذلك المطالبة بتوفير كل الخدمات الأساسية التي تضمن كرامة كل مواطني المنطقة وكل المملكة. كل مناطق المملكة ترزخ تحت وطأة التهميش وضعف الخدمات الصحية والإستشفائية وهشاهشة البنيات التعليمية من مدارس وتجهيزات التربية والتكوين، كل مناطق المملكة تعيش على وقع احتقان اجتماعي واقتصادي لا يحس بوقعه سوى من يتجرعون مرارته وتأثيره المباشر وغير المباشر على أوضاعهم اليومية. إنه حال يستوجب المعالجة بشكل عام وشامل لكل مناطق المملكة بغض النظر عن حجم وقوة وتنظيم الإحتجاجات. الخطأ الذي قد تسقط فيه الدولة في تعاطيها مع مطالب المواطنين في كل مناطق المملكة هو عدم المساواة بين كل جهاتها ومواطنيها في الإستجابة لمطالبهم واحتياجاتهم والعمل بمنطق الإطفائي الذي يخمد نيران حراك هنا وحراك هناك والتنازل تحت الضغط والإستجابة لمطالب كل من يستطيع لي ذراعها وتأجيل كل ما من شأنه أن يحارب العزلة والهشاشة التي تعاني منها مناطق لم تحتج ولم تخرج للتظاهر ضدها بالشكل الذي خرجت حشود المواطنين للإحتجاج في الحسيمة. الحراك الذي يجب أن تنتبه إليه الحكومة والمسؤولين على شؤون البلاد هو الحراك الصامت الذي تمثله أغلبية كادحة من عموم المواطنين التي تعاني في صمت وتتذمر من هول الضغوط الإجتماعية الملقاة على عاتقها في مواجهة صعوبات الحياة. إنها مخاطر صامتة يتوجع أصحابها بعيدا عن منطق الإحتجاج والتظاهر وتحتاج تفكير عميق على أعلى مستوى لاستباق المفاجآت التي قد تترتب عن مظاهرات قد تزيغ عن سكتها ويركب عليها أعداء الوطن لتأليب فئات غاضبة ومقهورة من المجتمع المغربي لزرع البلبلة والفوضى في كل ربوعه. وحتى تتجنب الدولة تفاقم الوضع في الحسيمة وانتقال فتيل الحراك ليشمل مناطق أخرى من المملكة تعاني نفس ما تعانيه المدينة عليها كخطوة أولى اجتناب كل ما من شأنه تصعيد الإحتقان الإجتماعي بهذه المدينة عبر ضبط النفس وعدم الإنزلاق وراء استفزازات من يقود هذه التظاهرات والإحتجاجات و عدم السماح لمسؤوليها الحكوميين والإداريين بالإدلاء بتصريحات تزيد الطين بلة على غرار ما أفرزه إجتماع الأغلبية المشؤوم في بحر الأسبوع الماضي والعمل على تعميم المشاريع التنموية لتشمل كل مناطق المملكة وألا يقتصر تدخلها فقط على إخماد نيران التظاهرات والإحتجاجات والعمل تحت الضغط لأن التنمية حق الجميع بدون استثناء.