بعد مرور مائة عام على سايس بيكو بعد مرور مائة من تقسيم الدولة العثمانية التي كانت تشكل الغول المخيف على الصلبية والبعبع المهدد لكيانه. بعد الربع العربي وانتفاضة الشعوب وتصدر الإسلاميين المراتب الأولى في الصناديق عن العلمانيين، أعاد النظام الدولي حساباته بعد فشله في تدمير روح الأمة الإسلامية وحضارتها المعرفية بعد انحطاط المادي منها. لكن غايته التخطيطية الاستكبارية لم يقعدها اليأس والإحباط بل زادت من شدته وتكالبه وتوافقه وتصويب وجهته نحو التهديد الصاعد وهو الإسلام بكل تجلياته. فقد كان الفشل في تدمير روح الشعوب وطمس هويتها الإيمانية عنصر محرك للنظام الدولي ليعيد أوراقه ليتوحد ويصطف جنبا الى جنب ضد الأمة الإسلامية ليعيد تقسيمها وتفتيتها من جديد بعد فشل تقسيم السايس بكو الأول في ضرب عمق الشعوب المسلمة. دون أن نغفل أن الاستكبار العالمي نجح في النكبة المعرفية وتدمير العقول وتخريب الإرادات وتحقيق الغثائية والوهن في الأمة ونكأ أصبعه في جرح الأمة إثخانا. وهذا الوفاق شهدناه في الحرب على منطقة الشرق الأوسط وزرع بؤر الفتن فيها وتمكين الجماعات والميلشيات الأجنبية من نخرها وإضعافها. وهذا ما شهدناه من وفاق ونفاق سياسي وتكالب أممي تختفي وراءه إيران و أمريكاوروسيا وأوروبا وروسيا بروح الصليبية والصهيونية والصفوية لتقدم الدعم الدولي والقانوني لطائرات روسيا ولقوات بشار الأسد لقصف حمص وحلب وسوريا بذريعة محاربة الجماعات المسلحة الإرهابية. وحدة المستكبرين بعد الثورات إنه وفاق وتوحد ليس له نظير جمع النبوءات الصليبية والفارسية واليهودية في بوصلة واحدة وروح واحدة دينية سماوية أسطورية، لم تكتف بنبوءة احتلال بيت المقدس، بل صار أسمى مراميها القضاء على التهديد الباقي والسرمدي المجسد في العروة الوثقى الباقية المتجذرة في غرز المسلمين، وهو الإيمان الباعث الأساس -بعد المعرفة والعلم - على الانعتاق من رقبة الاستعباد، والمحرك الأول لرفض الظلم والذل، والاستعباد يأت والديكتاتورية، وهو الإسلام ومشروع الإسلاميين. إن الاصطفاف اليوم غير المسبوق على الأمة بعد تجاوز مرحلة التكالب على الأمة بصراع وتنافس ونهم نفطي ومادي، وحَّدَ السياسة بين المتكالبين بما لا يُبْقي متنفسا للمستضعفين. فضاقت ثغرة الاستفادة من الصراع بين العملاقين واستحكمت حلقات الدعم من قبل دول الديمقراطية بما فيها الاروبية لتصطف هي الأخرى بجنب العملاقين والعملاق الثالث وهو إيران ليوجهوا الجهود نحو القضاء على ما يؤرق مضاجعهم وهو مشروع الإسلام المتزن المتئد. ويجمع هذا المفهوم للتوافق الاستكباري العالمي رؤية الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله في قوله :"كان الحِلف الغربي ضدَّ الشيوعية مُحَرِّكَ «الناطو» وعامِلَ التلاحم بين الأغنياء الأقوياء. أما اليومَ فالمحرك في النظام العالمي الجديد هو العِداء للإسلام. الإسلام هو «دولة الشر»." (1) الإسلام يهدد النظام الدولي كان الرئيس الأمريكي السابق ريجان منذ بضع سنوات يصف الاتحاد السوفياتي بأنه «دولة الشر». وقد انتهت تلك الدولة إلى السقوط في أحضان عدو الأمس. وبذلك فقدت الحضارة الرأسمالية مِرآة تعكِس لها حقيقتها لترى وجهَ نفسها في عدوٍّ مطلق، "في «دولة شر». ولا تجد الحضارة المادية في تاريخ عِدائها للإسلام، ولا في حاضر استعمارها لمنابع النفط، ولا في مستقبل تخوفها من الصحوة الإسلامية «دول شر» أشرَّ من الإسلام."(2( وما صار يسرح به علنا ومؤخرا رؤساء الدولة وقادتها الغربيين من رفضهم للإسلام والمسلمين بذريعة أنهم مصدر الإرهاب والرعب، له دليل صريح على الحقد الدفين على الأمة الإسلامية، و برهان بارز على بروز عصبيتهم وحميتهم الصلبية، وخوفهم المتنامي من تمدد الإسلام وصحوته واستيقاظ أربابه. ولقد استخلص المستكبرون في الأرض من دروس الرببع العربي ومن تصدر الطرف الإسلامي المصاف والمقاعد والتجربة الديمقراطية بمظاهرها الإيجابية والسلبية أن الإسلام الحركي هو العدو المهدد للاستقرار الاستكباري في العالم، القادر على تقويض العروش الصنيعة الظالم أهلُها. تركيا من الشر وأظن أن تركيا الديقراطية كما هي مرمى المطاعم ومشاريع النظام الدولي لتسقط في غياهب الفوضى، ومطمح ومطمع القوى الاستكبارية، فهي كذلك تشكل آخر الحصون والحاضنات القوية للأمة الإسلامية، التي علا صوتها سياسيا وديمقراطيا لتصطف في مصاف الدول الحرة والديمقراطية بامتياز، وتتبَنّى قضايا الأمة الكبرى وتعبر عنها بثبات وصدق. وأظن أن النظام الدولي يفقه تقدم تركيا وتغلغل التوجه الإسلامي الاردوغاني، ويعي خطورة عدم مذاق تركيا من الفوضى الدمائية ونجاتها من مؤامرة الفتن الطائفية. وإنه حقا مؤخرا بعد فشل مؤامرة الانقلاب التركي في 15 يوليوز فشل بزج تركيا في نافورة دماء المنطقة. وقد ظهرت تجليات المؤامرة لإسقاط هذا الحصن الحصين من الأمة في المؤامرة المكشوفة قبل وفي وبعد الانقلاب من قبل القوى الغربية وحى العربية المتآمرة من خلال المواقف السياسية والتحريض الإعلامي الحاقد يقول ديفيد هيرست: "لقد كان رد الفعل التركي بالأمس تعبيرا عن ديمقراطية ناضجة. بينما كان رد الفعل الغربي تعبيرا عن ديمقراطية فاسدة، شوهها وأصابها في مقتل الدعم العسكري والسياسي الذي تقدمه الدول الغربية للاستبداد والدكتاتورية". 1-عبد السلامياسين، العدل ص298.دار الأفق. الطبعة الأولى . 2-عبدالسلامياسين، العدل ص298.دار الأفق. الطبعة الأولى .