لا يكاد يمر أسبوع إلا و تنغص الأخبار حياتنا بانتحار فلان أو محاولة أو تهديد بذلك ،و هي ظاهرة استشرت كثيرا في مجتمعنا المغربي مؤخرا ،و على الدولة أن تستنفر علماء النفس و الاجتماع و غيرهم لدراسة الظاهرة و الوقوف على أسبابها ،و إيجاد الحلول الناجعة للحيلولة دون استفحالها أكثر . أما المنتحر فقد رحل إلى عالم آخر و أمره إلى الله،و أما من حاول ذلك و نجا فأمامه فرصة لمراجعة حساباته والانطلاق في هذه الحياة رغم كل المطبات و العراقيل ،وأما من يهدد بالانتحار فهو يدق ناقوس الخطر معلنا وجوده في تركيبة هذا الوطن ،ولم تكن صرخة عائشة البوزياني أو مي عيشة كما يحلو للبعض تسميتهاإلا واحدة من هذه الحالات و دليلا قاطعا على حجم الفساد الذي ينخر المنظومة القضائية لتبقى عاجزة دون تطلعات المواطنين أمام شهود الزور و الأساليب الملتوية لمحترفي الاصطياد في الماء العكر ،لذلك لابد من تطعيم الجسم القضائي بآليات تعينهم في مهمتهم كالاستعانة بالشيوخ و المقدمين في مثل هذه القضايا و على القضاة أن ينزلوا من بروجهم العاجية و يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام مع العامة حتى يسبروا أغوار المجتمع ويتعرفوا أحواله عن قرب. فبعد أن طرقت مي عيشة كل الأبواب لكي تنصفها من جور الجائرين لم تلق آذانا صاغية ،فعقدت العزم أن تبث شكواها عبر الأثير على مرأى و مسمع المغاربة قاطبة ،فكيف لامرأة عجوز قد غطى الشيب رأسهاو بلغت من الكبر عتيا وغير الزمان و قسوته كثيرا من معالم وجهها أن تفعل فعلتها تلك؟ إن حرارة الظلم الذي تعرضت له منحتها قوة الفرسان لتتسلق العمود الكهربائي في مغامرة لولا لطف الله لانضافت لمآسينا،جاءت لتحارب موتها أمام أعيننا و تحت إشراف عدسات الهواتف والمهووسين بالتقاط الصور بسرعة البرق محققين إنجازات بطولية،(يا له من عالم احمق ، يصورون كل شيء حتى اللحظا ت الأخيرة للموت)،لتقرر العجوز المقهورة النزول بعد مفاوضات طويلة تلقت إثرها وعودا بتحريك ملفها و إعادة دراسته . لقد تعبنا من لعبة (التسكيت ) كالأطفال والحلول الترقيعية التي لن تزيد الطين إلا بلة ،بل ينبغي معالجة ذلك كله بمقاربة شمولية ينخرط فيها الجميع لتحقيق رؤية واضحة تجنبنا في غالب الأحيان مثل هذه المهزلة. مي عيشة لن يحل عقدة ملفها أي اتصال هاتفي من فلان أو ظرف دسم بالأوراق المالية، لذلك ينبغي متابعة ملفها عن كثب حتى لا تكون صرختها في وادي صداها كبير و لا مجيب.