في تقرير حديث صادر عن منظمة الصحة العالمية، تبوأ المغرب مرتبة جد متقدمة في لائحة الانتحارات على مستوى العالم العربي. النتائج المخيفة للتقرير كشفت أن نسبة الانتحار عندنا محددة في 5.3 لكل 100 ألف نسمة، وهي ثاني أعلى نسبة في العالم العربي بعد السودان المتصدر ب 17.2 لكل 100 ألف. وأشار التقرير الذي أنجز أواخر العام الماضي إلى أن عدد المنتحرين المغاربة تضاعف بين سنتي 2000 و 2015، ليرتفع خلال 15 سنة بنسبة 97 في المائة، لينتقل العدد من 2.7 إلَى 5.3 حالات انتحار بين كل مائة ألف مغربِي. مؤخراً أصبح الانتحار وسيلة احتجاج لمن لا صوت لهم، صرخة ألم لا تنطلق نحو السماء، بل للأسفل باتجاه الأرض، فتذهب بصاحبها إلى قبر موحش يتقلب فيه، ولو كان هناك من يسمعه ويحنو عليه لما انتهى به الحال هكذا. فلطالما كان الدين والأخلاق حاجزاً وسداً منيعاً للانتحار في بلادنا ، ورغم ذلك تخبرنا الإحصائيات بأن نسبة الانتحار في تزايد مستمر وقوي، تحديداً في السنوات الأخيرة حيث بلغت حالات الانتحار درجة مقلقة. والأسباب كثيرة ومختلفة أولها ؛ الحالة الإقتصادية المتردية التي تعاني منها الشعوب العربية كافة، لذلك نجد أن حوادث الانتحار تحدث بشكل أكبر بين الطبقة الفقيرة بحكم أنها الأكثر تأثراً ومعاناة . تأتي الأمراض النفسية في المرتبة الثانية، ويعتبر الاكتئاب الخطوة الأولى على طريق الانتحار، حيث أن 50% من مرضى الاكتئاب يحاولون الانتحار مرة واحدة على الأقل في حياتهم ، وينجح 15% منهم في الانتحار فعلياً. إن الشخص الذي قرر الانتحار هو في الحقيقة يعاني من ألم نفسي حاد لا يقوى على تحمله، فيقرر وضع حدً لحياته مهما كان الثمن، يجاهد بين قوتين متضادين هما قسوة القاتل وضعف القتيل وألمه، ويؤكد علماء النفس ان المنتحر في لحظة الانتحار يعيش حالة واحدة من ثلاث حالات، تكون هي مصدر قوته التي تمكنه من الاستمرار والمضي نحو حتفه بخطوات صارمة وجادة دون ارتباك .. أولها الحالة الانتقامية؛ وفيها يوجه المنتحر عدوانه نحو شخص في مخيلته قد يتسبب له في ألم معنوي، حيث يكون قتل الشخص لنفسه في هذه الحالة هو قتل للشخص الذي بداخله، فيوجه طعنته إلى ذلك الشخص عن طريق قتل نفسه ! الحالة الثانية هي الاستسلام؛ وفيها يكون المنتحر بلغ من اليأس أشده حتى تساوى عنده الموت والحياة، لم يعد هناك ما يجذبه للحياة يوما واحداً آخر، فقد انتهت كل أسبابه للحياة، وعطبت كل آماله، وهذه الحالة هي الأكثر انتشاراً في عالمنا العربي .. أما الحالة الثالثة والأخيرة حالة عدوانية؛ حيث يقدم الشخص على الانتحار بدافع الرغبة في القتل، الرغبة في ممارسة العنف حتى لو كان تجاه نفسه .