النجاح الملحوظ للترشيحات المغربية سنة 2024 تجسيد للرؤية الملكية السامية المتبصرة من أجل حكامة متعددة الأطراف    الأزمي ل"برلمان.كوم": الدستور والقانون يمنعان على شركات رئيس الحكومة الفوز بصفقة تحلية الماء (فيديو)    الفواتير المتأخرة في الأداء اعتبارا من فاتح دجنبر 2024: احتساب الغرامة حسب سعر الفائدة الرئيسي الجديد لبنك المغرب عن الشهر الأول من التأخير (مديرية)    بيان ختامي: مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيان يعربان عن شكرهما للمغرب على جهوده لإنهاء الأزمة وإعادة الاستقرار لليبيا    ماكرون يشكر الملك محمد السادس بعد وساطته لإطلاق سراح أربعة فرنسيين محتجزين في بوركينافاسو    سلطنة عمان .. باحثة مغربية من جامعة ابن زهر تفوز بجائزة "أطروحتي في 1000 كلمة"    ابن كيران يطالب برفع دعم الدولة عن مشروع تحلية مياه البحر بالدار البيضاء الذي فازت به شركة أخنوش            مصدر ل"القناة": خبر التقسيم الإداري الجديد للمملكة مجرد تكهنات    الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات تنظم عملية انتقاء العاملات الفلاحيات للعمل بإسبانيا    اِسْمَايَ الْعَرَبِيَّانِ الْجَرِيحَانِ    «بذور شجرة التين المقدسة» لمحمد رسولوف.. تحفة سينمائية تحط الرحال بمهرجان مراكش    ميرامارْ    دعم إنتاج الأعمال السينمائية.. الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة برسم الدورة الثالثة من 2024    الدشيرة الجهادية تحتفي بفن الرباب الأمازيغي    إدارة الدفاع الوطني تحذر المغاربة من ثغرات خطيرة تهدد مستخدمي متصفح Google Chrome    مصدر: معطيات التقسيم الإداري الجديد للمملكة المتداولة لا أساس لها من الصحة    المديرية العامة للأمن الوطني تطلق بوابة الخدمات الرقمية وخدمة الطلب الإلكتروني لبطاقة السوابق    أحكام بالحبس على مسافرين مغاربة خدعوا طاقم طائرة للهروب في مطار إسباني    المنتخب المغربي ينهي سنة 2024 في المركز 14 في ترتيب "الفيفا"    ألمانيا تمول السياسة المناخية للمغرب    بوتين: سقوط الأسد ليس هزيمة لروسيا    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    أطباء بلا حدود تتهم إسرائيل بتنفيذ حملة تطهير عرقي في غزة    محكمة فرنسية تقضي بسجن بيليكوت 20 عامًا بتهمة اغتصاب زوجته السابقة    فتاة تلقى مصرعها إثر سقوط مروع من سطح منزل بطنجة    بنكيران مخاطبا رئيس الحكومة: 'يا تلعن الشيطان يا تقدم استقالتك'    جدل الكرة الذهبية الإفريقية.. حكيمي: لقد أوهموني أنني الفائز!    الخطوط الملكية المغربية تستعد لاستئناف الخط المباشر الدار البيضاء – بكين بتوقيع 16 اتفاقية        ماكرون يشكر جلالة الملك على دوره في الإفراج عن 4 فرنسيين محتجزين في بوركينا فاسو    المغرب – ألمانيا: التوقيع بالرباط على اتفاقية بقيمة 100 مليون أورو لتمويل برنامج دعم السياسات المناخية    ‮«‬خطوة ‬حقوقية ‬جريئة‮..»‬‬ في ‬مسار ‬تعزيز ‬حقوق ‬الإنسان ‬بالمملكة    غدا ‬تنطلق ‬أشغال ‬المناظرة ‬الوطنية ‬الثانية ‬للجهوية ‬المتقدمة    بعد تراجع تحصيل تلامذتنا في العلوم.. هل تحدث الصدمة التربوية؟    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    في اليوم العالمي للغة الضاد…مقاربة اللغة العربية من زاوية جيو سياسية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأخضر"    موتسيبي يقوم بزيارة الدول المستضيفة ل "الشان"    من هو نَسيم كليبات الذي تم تَسليمه للسُلطات الإسرائيلية؟    رامي إمام يطمئن الجمهور عن صحة عادل إمام ويكشف شرطًا لعودة الزعيم إلى الشاشة    تركيا تدعو المجتمع الدولي لإزالة "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب    كأس الرابطة الانجليزية: ليفربول يواصل الدفاع عن لقبه ويتأهل لنصف النهاية    بطولة فرنسا: ديمبيليه يقود باريس سان جرمان للفوز على موناكو والابتعاد في الصدارة    الأندية المشاركة في بطولة القسم الممتاز لكرة القدم النسوية تعلن استنكارها لقرار العصبة الوطنية وتأثيره السلبي على مسار البطولة    فريق مستقبل المرسى ينتزع فوزًا ثمينًا على حساب فريق شباب الجنوب بوجدور    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوبكري يكتب..رأسمالية المحسوبية
نشر في العمق المغربي يوم 26 - 07 - 2016

يعتقد البعض أن بلدنا يعتمد الاختيار الليبرالي، لكنه، في الواقع، يظل بعيدا عن هذا النهج، لأنه يعمل ب"الرأسمالية الاحتكارية"، أو بما يسميه "البنك الدولي" نفسه ب "رأسمالية المحاسيب".
بداية، رغم عيوب الرأسمالية، يجب الاعتراف بأنها قد خلَّصَت المجتمعات التي اعتمدتها من كسل القرون الوسطى ورتابتها وجمودها، فأكسَبَت أفرادها قيمة"العمل" الشاق، ورسَّخت في أذهانهم الانفتاح على الجديد، وحفَّزتهم على ركوب المخاطر والمغامرات والتحرر من ثبات المكان والزمان... كما أنها أبدعت مفهوما جديدا للزمن مليئا بالنشاطات الإنسانية وإبداعات العقل البشري وفتوحاته... وإذا كان الربح هو وازع الرأسمالية ومحرِّكٌها، فإنه لم يكن الدافع الوحيد للناس، حيث يرى ماكس فيبر Max Weber أنها قد تطورت في إطار نسق جديد من الأخلاق مرجعه المسيحية البروتستانية، وهدفه التقشف والاستثمار في مشاريع جديدة، وتنمية الثروات، واعتبار العمل قيمة عليا...
لقد مكنت هذه الأخلاق أوروبا الغربية وأمريكا من إحداث تراكم سريع للثروة، حيث قامت الرأسمالية في أنجلترا على الادخار والاستثمار وتطبيق نتائج البحوث والاكتشافات العلمية، واعتمدت معيارًا لتقييم كل فكرة أو شيء استنادا إلى أدائهما ونتائجهما...
لم ينجم الاحتكار عندنا عن ظروف نشأة الرأسمالية، لكنه القانون الأساسي الذي تنهض عليه "رأسمالية المحاسيب". وهذا ما يحول دون إجراء إصلاحات ليبرالية حقيقية في اقتصادنا. لقد تم الزج ببلدنا في نهج خاص جدا للتطور الرأسمالي يتسم كثيرا بملامح الإقطاع أو القرون الوسطى، مما أفضى إلى إرساء "رأسمالية المحسوبية" التي تتعارض جذريا مع النمط الرأسمالي الفعلي.
وحسب ما قرأناه في مختلف الكتب التي تُنَظِّر للرأسمالية، فإن "رأسمالية المحاسيب" لا تقوم على المنافسة الحُرَّة، بل تنهض أساسا على المنافسة الاحتكارية أو على المنافسة المغشوشة، حيث تُوظِّف السلطة إدارتها لاختيار "نخبتها الاقتصادية"، وذلك كما تفعل عند تحضيرها للانتخابات من أجل صنع "نخبتها السياسية"، إذ تقوم بيروقراطية السلطة بعملية فرز دائمة لترتيب منافسة غير ديمقراطية في مجالي الأعمال والسياسة. ووفقًا لعملية الفرز هذه، يتم باستمرار تقريب وإبعاد رجال الأعمال الكبار والزعامات السياسية، حيث يتوقف الانتقاء والإقصاء على القرب من السلطة المفضي إلى التقارب معها أو التواجد خارج دائرة الامتيازات التي توزعها. على هذا النحو تتم صناعة رجال الأعمال الذين يسيطرون على نصيب مهم من الأسواق، وينسحب الأمر نفسه على "السياسيين" الذين يتم تأثيث "المؤسسات المنتخبة" بهم.
إن الاحتكار في بلادنا هو ظاهرة مختلفة لا صلة لها بالاحتكار الذي يتسم به التطور الرأسمالي، إذ من الطبيعي عندما تبرز مشروعات جديدة في مجال من المجالات أن يسيطر على السوق رأسمالي شخص أو جهة يحتكران تسويق سلعة معينة أو تقديم خدمة ما. لكن لن يستمر هذا الأمر على حاله، لأن الرأسمالية الفعلية تقتضي تكسير هذا الاحتكار لاحقا. أما في بلادنا، فالاحتكار ليس مرحلة مؤقتة أو عابرة، بل إنه سياسة مقصودة وامتياز معين تمنحه السلطة لرجال أعمال محدَّدين أو شركات دون غيرها لتمكينهم من السيطرة المطلقة على أسواق إستراتيجية معينة. فالسلطة هي التي تُمَكِّن هؤلاء من الاحتكار وتحميهم لمدة طويلة حتى يستفيدوا من الريع ويراكموا ثروات ضخمة. ومن الناحية الاقتصادية، فهذا الريع ليس ربحا، وإنما هو أشبه بالفائض الإقطاعي.
يسود حُكم البلاد بهذا الأسلوب في جميع المجالات، حيث يتم توزيع المناصب الأساسية في مؤسسات الدولة والمجتمع على أساس الولاء وليس الكفاءة والجدارة والاستحقاق، ما ينجم عنه صراع محتدمٌ بين "نخب" السلطة حول المناصب المحتملة والامتيازات... وهكذا تتفشى المحسوبية والفساد، إذ يلاحظ المتتبعون أن أغلب المُعَيَّنِين على رأس مختلف المؤسسات العمومية ينتهي بهم المطاف عموما إلى الاعتقاد أنها قد أصبحت ملكية خاصة لهم، ما يجعل هذه الأخيرة تتعرض غالبا للنزيف وتسقط في أزمة خانقة يصعب حلّها، فتتم خصخصتها، أو تحميل المواطن كلفة إصلاح الأعطاب والخسائر التي ألحقها بها أولائك المستفيدون.
لقد تحوَّلت المحسوبية وتعميمها على كافة الأصعدة إلى قانون عام للاستفادة من خدمة بسيطة، أو الحصول على وظيفة، أو أرض، أو امتياز، فتعرَّض المجتمع كله للتخريب الأخلاقي والثقافي الناجم أساسا عن سيادة الاقتصاد السياسي لرأسمالية المحاسيب، أو ما يسمِّيه البعض ب "الإقطاع المالي".
ونظرًا لتفشي الفساد واتساعه في المؤسسات العمومية والمجتمع، نلاحظ احتدام الصراع بين أفراد "نخبة السلطة" على ما تبقى من مناصب وامتيازات، ووقوع انقلاب في القِيَّم، فترتب عن ذلك تفكيك مؤسسات العمل الاجتماعي والتضامني...
لذلك، يرى بعض الملاحظين أن المسؤولين لم تعد لديهم القدرة على مخاطبة الناس وتحفيزهم وإلهامهم، حيث خفت الخطاب الوطني المؤسِّس للدولة، وصار هؤلاء المسيرون بدون رأس ولا ذنب ولا شرعية أخلاقية، فساد فراغ إيديولوجي وفكري وثقافي كبير، ما سمح بانتشار الإرهاب التكفيري، وتفشِّي التزمت في تفسير الدين، فتغير مفهوم الإيمان لدى الناس، وساد الانغلاق والتقولٌبٌ والكراهية والعنف...
وعندما يغيب الالتزام الكامل بالخطاب الوطني، يسود الاستبداد وتختفي قنوات المشاركة الشعبية التي حتى وإن وجدت، فإنها تكون شكلية وبدون جدوى. ويدلُّ تفكيك مؤسسات العمل الاجتماعي والتضامن، الناجم عن الضغط الأجنبي وتَحَالُف قوى الفساد والاستبداد والطائفية، على أن أغلبية أفراد المجتمع الساحقة ليست شريكة في الوطن...
وعندما تُغلَقُ قنوات المشاركة الشعبية وتطلق يدُ الأنانية الفردية الخالية من قِيَّم المواطَنَة، تخفت نزعة الانتماء، ويغيب الالتزام بأي قِيَّم مشتركة، وقد يؤدي ذلك إلى التفرقة المضرَّة بالوحدة الوطنية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.