لا يختلف اثنان على أننا نعيش في عالم متقدم ومتطور بفضل التكنولوجيا المنتشرة والمتنوعة،عالم أشبه بالقرية الصغيرة التي يعرف فيها الجميع بعضهم البعض،نتيجة لما لعبته هذه التكنولوجيا من تقريب للمسافات بين الشمال والجنوب والشرق والغرب وكذا من تحطيم للحدود الثقافية للبلدان والمجتمعات، ويدخل في نطاق هذه التكنولوجيا كل من الوسائل التقليدية كالتلفاز والراديو والحديثة كالهاتف النقال والانترنيت وكذا وسائل التواصل الاجتماعي، ولا شك أن لهذه الوسائل كلها تأثيرات ايجابية وسلبية على حياة الأفراد تتفاوت حدتها بحسب الشخص المستعمل لها ومدى قدرته على ضبط نفسه أمامها، وتكون هذه التأثيرات أكثر حدة على الأطفال وبخاصة السلبية منها، فترك الطفل وحده في مواجهة هاته الوسائل دون رقابة صارمة من الأبوين قد يؤدي إلى نتائج وخيمة عليه، بحيث تؤثر على تحصيله الدراسي وكذا على مستواه الأخلاقي،ويا للأسف حينما ترى أو تسمع أن أبا انصاع إلى رغبة طفله واشترى له هاتفا ذكيا بدل كتاب أو قصة يغذي وينمي بهما عقله وقدراته الفكرية والمعرفية، فما الفائدة التي سيجنيها طفل في الثانية عشرة أو الرابعة عشرة من عمره من هاتف ذكي؟ خاصة في وقتنا هذا الذي انتشرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي كما تنتشر الطفيليات في جسم مريض معفن. فإذا كنا نعتبر أن ذاك الطفل هو المستقبل أو هو رجل الغد، فمن الواجب علينا أن نحميه من كل هذه المؤثرات السلبية وأن لا نتركه وحيدا في مواجهة هذه الوسائل الهدامة إن نحن أردنا أن نرى طفلا سويا متزنا ومجتهدا في دراسته وبالتالي رجل المستقبل الذي ننتظره جميعا والذي ينتظره هذا الوطن، وتبدأ المسؤولية في ذلك من الأسرة باعتبارها النواة الأولى للمجتمع والمحيط الصغير الذي يترعرع فيه الطفل، وبالتالي فعلى عاتق الأسرة وخاصة الأبوين المسؤولية الكبرى في صيانة وحماية هذا العنصر الهش في المجتمع، ويا للعجب والأسف معا حين ترى الأطفال يشاركون الأبوين في مشاهدة مسلسلات أجنبية أو أفلام سينمائية تحوي ما تحويه من مشاهد خليعة الكل يعرفها ويتم الترويج لها تحت ما يسمى الرومانسية أو الحب،ويا للأسف كذلك حين تسمع المراهقين وهم يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم حول مسلسل من هذه المسلسلات التي أصبحت كالفطر في تلفازنا الوطني والعربي (وسأروي لكم في آخر هذا المقال قصة صادمة كنت قد قرأتها في إحدى المجموعات الفيسبوكية)، وتأتي بعد الأسرة جمعيات المجتمع المدني باعتبارها صاحبة دور كبير في تأطير المواطنين وخاصة الشباب منهم وتحصينهم من كل الآفات المجتمعية،ثم يأتي بعد ذلك دور الدولة باعتبارها صاحبة السلطة المعنوية والزجرية وهي الوحيدة التي يمكنها أن تحمي هذه الفئة الهشة من التأثيرات السلبية لهاته الوسائل، عبر فرض رقابتها على ما يتم بثه في التلفاز الوطني الذي يدفع المغاربة ضريبة لمشاهدته وفي نفس الوقت يدفعون ضريبة أخرى أكثر سوءا من الأولى،وكذا القيام بالتوعية والتحسيس من المخاطر التي تنتظر الأطفال في وسائل التواصل الاجتماعي ك"التطرف بنوعيه،التغرير،وغسل الأدمغة،الخ...". إننا اليوم جميعا مسئولون أمام الله وأمام أنفسنا في حماية أولادنا من سلبيات هذه العولمة المتوحشة ومن تأثيرات الثقافة الأجنبية التي نستهلكها بكل ما تتضمنه من إباحية وقلة أدب،فاخرجوا إلى الشارع وتمعنوا في سلوك الأطفال والشباب ليتبين لكم المنحدر الخطير الذي يسلكه مجتمعنا،فإما أن نعيد النظر في طريقة تدبيرنا لهذه المؤثرات الأجنبية بأن نأخذ الإيجابي منها ونستفيد منه وننمي به قدرات أطفالنا أو ننتظر الانهيار الأخلاقي وبالتالي الانهيار المجتمعي لا قدر الله . وكما قلت لكم في وسط هذا المقال المتواضع،سأروي لكم قصة صادمة عن فتاتين صغيرتين كنت قد قرأتها في إحدى المجموعات الفيسبوكية،وكان قد كتبها أحد الطلبة الجامعيين وهي تعتبر بمثابة مظهر خطير من مظاهر التأثيرات السلبية لهذه الوسائل،حيث يقول هذا الطالب الجامعي " كنت خارجا من الكلية وفي طريقي إلى المنزل مررت بالقرب من إحدى المدارس وكان الوقت يشير إلى منتصف النهار وهو نفسه الوقت الذي يخرج فيه التلاميذ من المدرسة،فشدني حوار جرى بين فتاتين حيث سمعت إحداهن تقول إلى الأخرى لا تنظري إلى فلان "احد أصدقائهن في الدراسة" فردت عليها وقالت،ولماذا لا انظر إليه؟وهنا سيصعق الطالب حين يسمع جواب الفتاة الأولى حين ردت وقالت بالمصطلح العامي "حيت كنبغيه" أي أنها تحبه،لكن ليس هذا هو الإشكال في حد ذاته،بل الطامة الكبرى حين تعرف أن السبب في ذلك هو تلفازنا العمومي للأسف،حيث أن الفضول جعل ذاك الطالب يذهب إلى الفتاتين ويسألهن عن معنى كلمة "كنبغيه" ،وعندما سألهن ردت عليه أحداهن بالعامية بما يفيد " ليس من شانك،اذهب وإلا سأنادي على أمي" وبعد سماع الطالب لهذا الجواب انصرف في حال سبيله،لكنه لم يبتعد كثيرا عن الفتاتين حتى سمع إحداهن تقول له (وهنا سيصعق للمرة الثانية) مثل فلان وفلانة من المسلسل الفلاني وهنا تقصد المسلسل التركي المدبلج إلى العامية المغربية والمعنون بعبارة "سامحيني" ،حالة هاتين الفتاتين تختزل لنا التأثيرات السلبية للثقافة الأجنبية على الأطفال والتي تنساب لنا يوميا عبر وسيلة التلفاز، ففي الوقت الذي ينبغي أن يكون عقل هاتين الفتاتين منصبا على الدراسة والتحصيل العلمي نجده يفكر في أشياء بعيدة عن الواقع وعن أعمارهن،والمبكي في الأمر أن حالة هاتين الفتاتين ليست الوحيدة بل هناك حالات عديدة وفي نفس أعمارهن أو اقل . فمن إذن يتحمل المسؤولية في ذلك؟ سؤال ربما ساذج إلى ابعد الحدود،لأن المسؤولية هنا واضح "وضوح الشمس" من يتحملها،الأسرة بالدرجة الأولى التي سمحت لفتاتين في مثل عمرهن بأن يشاهدن هذا المسلسل، ثم الدولة بدرجة ثانية التي تسمح لقنواتنا الوطنية ببث مسلسلات من الدرجة العاشرة لا فائدة منها غير الترويج لكل ما هو تافه،إذن فلنتدارك ما يمكن تداركه قبل أن يأتي علينا يوم لا ينفع فيه الندم.