رغم وجود القليل من الفرق لا بأس في إجراء هذه المقارنة، حيث إن الكثير من مثقفي اليسار وعموم الديمقراطيين يعتبرون أن الاتحاد الاشتراكي ارتكب خطيئة كبرى كانت بداية بارزة لنهايته حينما وافق على المشاركة في حكومة يقودها التكنوقراط إدريس جطو سنة 2002 رغم تصدر حزب الوردة للانتخابات ورغم إقراره بأن تعيين الوزير الأول آنذاك من خارج الحزب المتصدر للانتخابات يعد خروجا عن المنهجية الديمقراطية، وطبعا فقد أجاب الزمن عن كل أسئلة تلك اللحظة بما فيها هل تم ذلك لمصلحة الوطن العليا؟ أو لفائدة مصالح خاصة جمعت نخبة من الاتحاد بنخبة من السلطة؟ اليوم وبعد أن قرر الملك إعلان توقف مشاورات تشكيل الحكومة الثانية بقيادة عبد الإله ابن كيران، وعزمه اختيار شخصية أخرى من الحزب نفسه، يتبادر إلى الذهن لحظة 2002 ومخاضها، وكأن التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف طفيف في السياق والإخراج والتسميات إلا أن الثابت هو إهانة إرادة شعبية ودستور حديث بعد ما فوت ابن كيران الفرصة عليهم بصموده المتبصر رغم كل المناورات المكشوفة منذ البداية، وأشهد العالم على حقيقة الحالة الديمقراطية التي يعرفها مغرب العهد الجديد وعلى حقيقة البنية الحزبية وتداخلات السياسي بالتجاري بالسلطوي، ولعل بيان "انتهى الكلام" الشهير كان صرخة عرى الفاعلين والمفعول بهم سياسيا. ما المطلوب من العدالة والتنمية اليوم الذي أدار المرحلة بالكثير من التبصر والتعقل والذكاء في واقع غاية في التركيب والتعقيد والصعوبة؟ وما السيناريوهات المطروحة أمامه؟ تتجه جل التحليلات ظاهريا إلى أن الملك باجتهاده هذا الذي استند فيه إلى الفصلين 42 و47 من الدستور لم يحد كثيرا عن الدستور كما عبر عن ذلك ابن كيران نفسه، فما الاختيارات والسيناريوهات المطروحة أمام العدالة والتنمية اليوم والتي عليها أن تراعي أساس وجوهر اللعبة والعملية ككل، وهي الإرادة الشعبية والخيار الديمقراطي وأيضا المرونة اللازمة لاستمرار وتعميق رؤيتهم للإصلاح مع مراعاة التوازنات والدوائر الصعبة، التي تفرض نفسها ولا تفسر دائما بلغة الصناديق فقط، وذلك ما لم تصل إلى الإجهاز على الأساسي والمبدئي والمرجعي. تغيير الشخص دون الشروط أعتقد أن حزب العدالة والتنمية سيستمر في التعبير عن حسن النية كما كان دائما حتى النهاية، كما أنه سيعمل منطق الإشهاد وإقامة الحجة، من هذا المنطلق سيقبل على مضض مبدئيا التعيين الملكي لشخص آخر غير ابن كيران – رغم البياضات الدستورية في الموضوع- لكن الذي لا ينبغي أن يغيره حزب العدالة والتنمية هو الشروط التي كان يعبر عنها ابن كيران بتشاور ودعم وتفويض من طرف كل قيادات الحزب، وهو ما يعني عمليا عدم تغيير أي شيء في شروط المعادلة إلا باختلاف الطباع والشخوص. فبالتأكيد ابن كيران ليس ولن يكون هو سعد الدين العثماني ولا مصطفى الرميد ولا العزيز الرباح ولا محمد يتيم ولا غيرها من القيادات، حينها والحالة هذه لا أعتقد أن وضع البلوكاج سيتغير، اللهم إذا أوحي لرباعي الحمامة والسنبلة والوردة والحصان بالتيسير الفعلي للمهمة، حينها سيكون فقط المشكل نفسي مع رجل اسمه بنكيران بكاريزما وخصائص أصبح يعرفها القاصي قبل الداني، وإلا سترواح المفاوضات مكانها ويتأكد من ما يزال لديه ذرة من شك أو حمق بأن العدالة والتنمية هو سبب العرقلة. وبهذا التوجه سيكون العدالة والتنمية حافظ على الكثير للوطن والديمقراطية والحزب بأن غير في التكتيكي فقط وليس في الإستراتيجي. وبه أيضا سيتأكد فاقدوا البوصلة أو مخربوها والمتفرجون وأصحاب الجهل أو الحقد الأعمى أن المستهدف ليس ابن كيران ولا العدالة والتنمية بل وطن غال وعزيز اسمه المغرب. السيناريو الأسوأ السيناريو الأسوأ والأسود هو أن يقبل العدالة والتنمية بالتغيير والتنازل في الإستراتيجي والمبدئي والقيمي وذلك بأن يتم التغيير في الشخص وفي الشروط، وحينها سيكون البيجيدي كرر خطيئة الاتحاد الاشتراكي التي ارتكبها في 2002 وما يزال يدفع ثمنها إلى اليوم ولن تتوقف حتى بعد موته البيولوجي، أما السريري فقد دخله عمليا منذ استقدام إدريس لشكر لقيادته، حينها ستكون بداية شق الحزب نصفين أو تشرذمه والعياذ بالله، حينها سيكون المصباح منطفئا ومساهما في التقهقر والردة والنكوص، حينها سيعطي الحزب الدليل على أنه لم يكن قيادة واحدة ومتراصة إلى جانب ابن كيران، وعلى أن للسلطوية شريك داخل العدالة والتنمية...وأنها بداية النهاية لا قدر الله على أكثر من مستوى وصعيد. في هذه الحالة ما على العدالة والتنمية إلا أن يرفع شعار المعارضة "أحب إلي مما يدعونني إليه"، وفي هذه الحالة أعتقد أن أمور كثيرة ستتغير وتعتمل لكن منحاها سيظل هو الأفق الديمقراطي الذي هو بالتأكيد في صالح البلاد والعباد. ولنترك حينها عقل الدولة العميقة يتعرض للصدمة تلوى الأخرى حتى يرشد ويستوعب أن زمن السلطوية انتهى وأنه لم يعد ممكنا التحكم في أرواح وأرزاق العباد، وأن لا قيمة حقيقية للأوطان إلا بالديمقراطية والشفافية والنزاهة والانخراط الجاد في تجفيف منابع الفساد والاستبداد، لأن هذا التوجه وحده ضامن لسلامة الجميع حتى يعيش الجميع ولا نموت كلنا كأغبياء.