كثيرة هي الأمارات التي تجعل من المرء راغبا في عيش حياة متحققة وممكنة. نحاول تشذيب معطيات الواقع لتتلاءم وجماع الأحلام التي يتم تشكيلها منذ فاتحة وعي. لكن سرعان ما نتأمل في مقولات كتلك التي أرسل فيها الأستاذ يوسف الإدريسي قائلا: "الخيال حقيقة لا تفنى والواقع وهم لا يعاش"، ولفرط ما تنطوي عليه هذه المقولة الرائدة من تعقيدات بحكم أنها تتمتع بروح فلسفية جادة تبعث على التأمل والاستشكال، نلفي ولو من زاوية بدئية أنه بالإمكان إثارة تلك الثنائية العميقة: حقيقة/ واقع. ثم هل الخيال هو مكسبنا عندما يرمي بنا الواقع نحو سدة الهامش؟ كيف نعيش أمانينا المستعجلة وأحلامنا التي قد تكبرنا بسنين؟ بل متى ينتهي الواقع ليبدأ الخيال؟ ومتى ينتهي الخيال ليسترجع الواقع أدواره ويعاود البروز إلى الواجهة؟ أسئلة عصية عن الإمساك فبالأحرى الإجابة عنها. تظل تلك الأسئلة الوجودية مطوقة بالتاريخ والسياسة والمجتمع بمؤسساته التي تظل تمارس قهرا لا مرئيا. المجتمع في الأخير هو الذي يؤشر على إمكانية من استحالة أو حتى صعوبة الانتقال من مقعد الحلم كيفما كان إلى خشبة الواقع المتحقق! كما أنه قد يبطئ الخطى بل وقد يعمل على إجهاضها. السياسة المبتورة أيضا مفسدة للأحلام أيما مفسدة، إنها تفسد الأشياء الجميلة عندما تحدث شرخا غائرا في الأماني وتعمل على اقتصاصها بمسميات عديدة، إن الدولة التي لا تستثمر في رأسمالها البشري هي دولة تحكم على نفسها بالموت البطيء... كم من شاب همام نقش حلما وأطلق عليه الساسة كم من رصاصة. إن الحالات العديدة التي صرنا نشاهدها في ربوع هذا الوطن تبعث على اجتراح كم من أسئلة، تبعث أيضا على القول بأن الخيال هو المكسب الوحيد عندما يتحجر الواقع ويأبى أن يعاش. بإمكاني أن ألمح للظواهر الكثيرة التي بدأت ولازالت تنتشر في نسقنا المغربي، إنها تضمر أكثر مما تعلن. يتم مثلا ارتياد الساحات العمومية لمحاولة خلق عالم بيني يراوح بين الخيال والحقيقة، ترى في الساحات الموسيقي الهاوي والمسرحي المبتكر والبهلواني..إلخ. تجد أيضا طرقا جديدة للعيش.. هؤلاء ممن أنزلوا أمانيهم إلى الأرض بعدما اختمرت وعلت، لا تحرك السلطة ساكنا، وفي الغالب الأعم لا تعمل على فض مثل تلك التجمعات لأسباب كثيرة، فبإمكان هذه الظواهر مثلا أن تقوم بصرف الناس عن أمور أخرى جوهرية تتصل بالبلاد والعباد. قد تتصل بقضايا " التشكيل" و "الرسوم المجحفة" و"الأطر " ... وللحديث بقية...