بعد دوريات بنك المغرب التي سمحت للأبناك التقليدية بإطلاق "منتوجات بديلة" سنة 2007 والتي لم تكن ناجحة لدواع متعلقة بالإرادة وكلفة الضرائب والتي بالمناسبة لم تحقق أي نجاح يذكر، خرج أخيرا القانون البنكي الجديد في نسخته المعدلة بداية 2015 متضمنا لقسم كامل عن البنوك التشاركية وبذلك يكون المغرب آخر ملتحق بهذه الصناعة الواعدة بعد سلطنة عمان. يتحدث القانون البنكي عن الأبناك الإسلامية بلفظة "الأبناك التشاركية" وهي التي حدد لها إطار العمل في عمل مصرفي لا يدخل في عمليات فيها ربا أخذا ولا عطاء وهو بذلك يشتغل "بتوافق مع الشريعة". لم تأت الأبناك التشاركية في قانون مستقل ولكن جاءت ضمن القانون البنكي الجديد، ولئن كان هذا على مستوى الجوهر لن يغير الشيء الكثير لو جاء القانون مستقلا بذاته، فإن الإشارة واضحة في إرادة الجهات التنفيذية والمشرع جعل المالية التشاركية مكملا للنظام البنكي التقليدي وليس بديلا عنه. لا يؤكد هذا إلا تصريحات والي بنك المغرب التي تصب في هذا الاتجاه، الذي يظهر أن المراد انعاش سوق العقار، ولنا في قانون المالية خير شاهد. فالمرابحة والإجارة من أجل السكن الرئيسي هي التي شهدت إمكانية تخفيض الضريبة على الدخل في حدود 10% من الدخل الإجمالي القابل للتضريب (RGI)، وهذا توجيه ضريبي واضح. ستتجه الأبناك التشاركية القادمة إلى قنوات المداينات، وبالخصوص المرابحات والإجارتين لأنهم منتجات مصرفية منخفضة المخاطر ونظرا للإطار الضريبي المحفز خاصة بالنسبة للسكن الرئيسي، فالقانون الجديد يحدد المنتوجات البنكية التشاركية التي ستقدمها الأبناك التشاركية وفق دوريات ستخرج لاحقا في المرابحة والإجارة التشغيلية والمنتهية بالتمليك والمضاربة والمشاركة والسلم والاستصناع وهي أهم المنتجات التي تقدمها الأبناك الإسلامية عبر العالم. لكن القانون يسمح لهذه الأبناك بإطلاق منتوجات أخرى بشرط الرجوع إليه وبعد إعطاء الرأي بالمطابقة من طرف هيئة العلماء المشكلة على مستوى المجلس العلمي الأعلى وهي التي ستشكل المرجعية الشرعية للأبناك التشاركية ببلادنا وكانت قد عينت بظهير ملكي بعد خروج القانون البنكي في الجريدة الرسمية. "الرأي" بالمطابقة هو المصطلح الذي اختاره المشرع بخصوص ما هو عمليا فتوى وقرار بجواز أو عدم جواز المنتوج المطلق من طرف البنك التشاركي، لكن ما أبعاد "الرأي بالمطابقة"؟ مادرجة إلزاميته؟ لن يعدم بنك المغرب ولا الأبناك القادمة خاصة وأن أغلبها قد دخل في شراكات مع مصارف دولية ذات تجربة، أن أهم المخاطر التي تعيشها المؤسسات المالية الإسلامية هي المخاطر الشرعية (Sharia Risks)، ذلك أن فتوى لعالم مشهور وذي أتباع ومريدين قد تهد خطط مؤسسة دخلت في معاملة غير متوافقة مع الشريعة أو حتى أحيانا في معاملة خلافية، فللعلماء سلطان في هذا المجال، ولنا في تجربة اكتتاب بنك البلاد السعودي قبل عامين تقريبا خير تجربة، فعملية ضخمة تمثل رهانا اقتصاديا واستراتيجيا لدولة واقتصاد قد تجد نفسها في خضم جدل فقهي لن ينتهي حتى يؤثر بالسلب على عملية كبيرة كاكتتاب في بنك عمومي ضخم رغم إقباله على التحول النهائي إلى بنك إسلامي كامل، كل ذلك راجع لفتوى عالم كبير له وزن في المجتمع السعودي. لن تبتعد الآراء عن الفقه المالكي وقد تنفتح على مذاهب وآراء أخرى وهذا ضروري، لكن حبذا لو أشار القانون إلى التوافق مع معايير الأيوفي AAOIFI فهي الأكثر شمولية وعملية وعليها شبه إجماع بين الأبناك الإسلامية خاصة على مستوى دول الخليج، يمكن لبنك المغرب تدارك الأمر بإدراج هذه المعايير في الدوريات التفصيلية الذي سيطلق بخصوص المنتوجات التشاركية التي نص عليها القانون البنكي. بقي أن طول الانتظار داخل السوق يبعث على القلق، فخرجات بنك المغرب التواصلية قليلة وتكرار التأجيل من يونيو إلى مارس إلى مايعتقد أنه انتظار مرور الانتخابات التشريعية أكتوبر المقبل لإعطاء التراخيص الأولى - رغم ما هو معلوم من إكراهات تقنية موضوعية - يثير أسئلة مشروعة. المالية الإسلامية بالمغرب صناعة واعدة دون شك ورهان مجتمع ودولة من أجل إدماج مالي وتمويل للاقتصاد وفق نموذج جديد مستقر، وبنك المغرب مدعو لتشجيع هذه الصناعة الفتية ببلادنا، إن لم يكن، فالحياد على الأقل. هشام بن لامين / مدير مكتب استشارات وتكوين