تعليقا على المذكرة الصادرة باسم وزير الداخلية و التي تفيد بمنع كل الأنشطة التي لها علاقة بتقديم مساعدات للفقراء و المحتاجين طيلة الفترة الممتدة إلى حدود انتخاب أعضاء مجلس النواب بمبررات واهية لعل أهمها استغلال تقديم الدعم للمحتاجين و الفقراء بغرض كسب أصواتهم أو بالأحرى القيام بحملات انتخابية سابقة لأوانها أو غيرها من المبررات التي قد يحتج بها صانعو مثل هذا القرار. هنا لابد من توضيح مجموعة من الآمور في مقدمتها أننا في دولة ينبغي أن تحترم ثوابتها ومرجعيتها كأمة و يأتي على رأس ذلك الدين الإسلامي فنحن مقبلون على شهر من أعظم الشهور، شهر رمضان، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه و سلم : " أوله رحمة و أوسطه مغفرة و آخره عتق من النار"، بل أن نبينا عليه أفضل الصلاة و السلام كان أجود ما يكون في شهر رمضان، كان عطاؤه كالريح المرسلة، و لن نحتاج التفصيل في هذا الأمر فعلماؤنا الأجلاء تحدثوا عن أشياء كثيرة بهذه المناسبة وبينوا فضل شهر رمضان و قيمة الصدقة و أعمال البر و الاحسان. عفوا السيد الوزير...، لا نحتاج أن نذكركم بالتجربة التي راكمتها بلادنا منذ حصولنا على الاستقلال و لعل المحطة البارزة و الفاصلة كانت مبادرة 9 مارس التي أعلن من خلالها جلالة الملك عن قواعد جديدة لبناء حياة سياسية ترتكز على احترام حقوق وحريات المواطنين و تؤسس لثقافة جديدة ووعي مجتمعي ينخرط فيه الجميع : أحزاب سياسية، نقابات، منظمات شبابية و نسائية، جمعيات المجتمع المدني، فالكل معني بمقتضى دستور 2011 ببناء الدولة الامة و صناعة القرار السياسي، قرار يخدم الفقراء و الأغنياء، قرار يهدف إلى بناء التلاحم و التعاون بدل تكريس الطبقية والصراع. عفوا السيد الوزير...، نحن في الصحراء نقول لكم بأن مذكرتكم لن يكون لها أي أثر على أرض الواقع، فعاداتنا و أعرافنا و قيمنا أصيلة، ترتبط بفطرة الإنسان الصحراوي، ومادام الإنسان إبن بيئته فكيف تطالبون بأن ينسلخ الإنسان من قيمه التي تعتبر جزء لا يتجزأ من حياته وكينونته، فالأمر لا يمكن أن يحل بالقانون و إصدار المذكرات، بل يتجاوز ذلك إلى الغوض في العلاقات الاجتماعية بين الناس التي ترتكز في عمقها و جوهرها على التلاحم و الترابط و التعاون و التماسك، و هي أمور و نتائج تتحقق تلقائيا داخل المجتمعات ذات الارتباط القبلي و تتطور داخل باقي المجتمعات عبر مؤسسات و هيئات لها مشاريع تستهدف العمل الاجتماعي و تؤسس لثقافة سياسية تشكل حماية للبناء المجتمعي ككل. عفوا السيد الوزير...،فمثل هذه القرارات تشكل كوابح للفاعل المدني الذي اشتغل منذ سنوات عديدة في العمل الاجتماعي و لأجل ذلك إرتبط بمشروعه فئات عريضة من المواطنين، فكيف تستطيعون تحديد خيوط الربط في تداخل تام مع نوايا و سلوكات الفاعلين سواء كانوا سياسيين أم مدنيين؟ نعتقد أن الحاجة أصبحت ملحة لنقاش مجتمعي نعيد من خلاله تحديد أدوار مختلف الفاعلين سواء كانوا مدنيين أو سياسيين يلائم طبيعة الثقافة والتراكمات التي عرفتها تجربتنا السياسية .