قدم الناشط الحقوقي عبد الرحيم الجامعي، استقالته من لجنة الحوار حول المجتمع المدني، معتبرا أن الحوار الذي دعت إليه الوزارة المكلفة بالعلاقات مع المجتمع المدني، في شخص الحبيب الشوباني وبإشراف رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، استثنى طرفا أساسيا، وأن هذا الحوار هو في الحقيقة ««حوار ما بين السلطة والسلطة لا يعني في اعتقادي في المحطة التاريخية اليوم إلا شيئا واحدا وهو استفراد الطرف الحكومي بموضوع ليس له حق الاستفراد به، بل ليس له حق مناقشته والتقرير في مساره ومستقبله إلا مع الطرف الأصلي والمعني وهو الهيئات والمنظمات ومكونات المجتمع المدني».» وفي ما يلي نص الرسالة التي بعثها الجامعي إلى الحبيب الشوباني: «السيد وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني تحية طيبة وبعد أود أن أشكركم بداية لاستدعائي بصفتي الشخصية للمشاركة في لجنة الحوار حول المجتمع المدني، وهي مناسبة أتمنى فيها لكم التوفيق لتحقيق كل النتائج التي ستعطي لهذه الفعالية مكانتها البارزة في الصيرورة النوعية التي أسستها منذ عقود، تضحيات ومصداقية الهيئات والجمعيات المشتغلة في كل مجالات التنمية وحقوق الإنسان والحريات والمواطنة، والتي صنعت لنا بالمغرب مجتمعا مدنيا يشهد العالم به ويفتخر. ولقد حددت وزارتكم أسلوبها في التحضير للحوار ولمنطلقاته، واختارت له أطرافه ومكوناته، ووضعت له برامجه وآفاقه، وأرست له قواعده ونظامه، وعينت له رئيسه ومقرره، وليس عليها في ذلك ضير ولا ملامة، مادام الموضوع مرتبطا بسياستها وخلفيات ثقافية خاصة بها في علاقاتها مع المجتمع ومكوناته رتبت له كما شاءت. وتعلمون من موقعكم كوزير مسؤول بالحكومة، أن لكل حوار قواعده وشروطه، خصوصا لما يتعلق الأمر بقضية مستندها الدستور وآثارها تعني المجتمع بعمقه وبأطرافه، وهذا ما كان يفرض في اعتقادي تلمس الحذر الكبير لتأسيس الحوار على قواعد صلبة، لا حساب فيها إلا المصلحة العامة ونبل الهدف والمبتغى. وكم كنت متشوقا للقاء تاريخي وحدث نوعي صباح الافتتاح وعشية أول لقاء يجلس فيه ممثلو الطرف الحكومي إلى جانب ممثلي المؤسسات الوطنية، يتقاسمون فيها لحظات انطلاق الحوار ومساره في الآتي من الأيام مع المنظمات غير الحكومية وحضورها ومكونات المجتمع المدني، ومشاركته الفعلية الاصيلة، التي يحدد بالاتفاق والشفافية عددها عبر معايير موضوعية ومقاييس متداولة دوليا كمعايير الأقدمية وخصوصية ومستوى الأهداف، وقيمة العطاء، وعمق الامتداد المجتمعي أو الجغرافي، وغير ذلك من المحددات التي يسهل التعرف على معاملها ما يبرهن على إرادة سياسية لبناء حوار حقيقي بعيد عن كل شبهة أو التباس. ولما اختارت وزارتكم أن تتعامل مع طرفين فقط، واستثنت طرفا أساسيا لا يتأتى في رأيي أي حوار دونه وهو منظمات المجتمع المدني، ولما ضمت وزارتكم للحوار وزارات وضمت مؤسسات وطنية واختارت ضم أشخاص لا يمكن التقليل من أهميتهم، ولكنهم لن ولا يمكنهم أن يعوضوا الهيئات والجمعيات أو يتحدثوا بلسانها أو يبلغوا حقيقة تجربتها أو يعبروا عن انشغالاتها أو تصوراتها، فإنه كان لهذا الأسلوب غير الموفق والخاص بوزارتكم، أثر سلبي أعطى ردودا تلقائية وسريعة أنتم على علم بها من خلال البلاغات الصادرة عن تكتلات وشبكات من المنظمات وشخصيات فضلت عدم تزكية منهجيتكم في هذا الحوار. وعلى هدي ما سبق، وانسجاما مع قناعتي أن الحوار هو بين الحكومة وبين المجتمع المدني وليس ضد المجتمع المدني، واعتقادي أن الحوار من أجل المجتمع المدني دون مشاركة منظمات وجمعيات هذا المجتمع ممن صنعوا ثقافة وتاريخ ومقومات المجتمع المدني المغربي طوال عقود، وشكلوا عبر نضال الأجيال والأجيال قوة معنوية ومجتمعية واجهت استبداد السلطة وتسلط أصحاب القرار، وأضحت في الضمير المجتمعي دعامة لصيانة حقوقه وسندا لحماية كرامته وقاطرة للمرافعة من أجل قيم الديمقراطية والحداثة، والمفاهيم الكونية والإنسانية كالمساواة والتسامح، ما هو إلا حوار ما بين السلطة والسلطة لا يعني في اعتقادي في المحطة التاريخية اليوم إلا شيئا واحدا وهو استفراد الطرف الحكومي بموضوع ليس له حق الاستفراد به، بل ليس له حق مناقشته والتقرير في مساره ومستقبله إلا مع الطرف الأصلي والمعني وهو الهيئات والمنظمات ومكونات المجتمع المدني. إنه لا يحق لكم السيد الوزير مهما كانت مبرراتكم، أن تمارسوا التحدي لحضارة القرن الواحد والعشرين القائمة على تقاسم السلط حتى المعنوية منها، وتحدي الشراكة والانفتاح والاعتراف بالآخر والتنازل عن علامات الأنانية، ولا يحق لكم في اعتقادي أن تختاروا ربح مباراة سياسية وحزبية بدلا من ربح رهان مجتمعي وكسب تحدي تعزيز مكانة المجتمع المدني، والانتصار إلى تقويته وعدم وضعه تحت نفوذ الحسابات التي لا تقود إلا للانزلاقات التي كانت ويلا ووبالا على الوطن وعلى المواطنين، ولا تزال بكل أسف جاثمة على بعض العقول إلى اليوم. السيد الوزير، إن حوار وزارتكم قد انطلق وأنا أتمنى أن يصل إلى نهايته بسلام، لكنني آسف أن أخبركم أن وجودي ومشاركتي في هيئة الحوار التي تصدت لهيئات المجتمع المدني منذ الانطلاق بالتهميش والتحدي، هو اختيار أرفضه ولا أقبله، وبالتالي فإنه يتعذر علي السير معكم في مشروع يهدد في بعده مضمون الدستور حسب رأيي، ويقوض مكتسبات مسيرات شباب العشرين من فبراير، ويسيء لانتصارات وتضحيات المنظمات والجمعيات المدنية ويحاول المساس بشرعيتها، ويشكل عنوانا جديدا يؤكد أزمة الطبقة السياسية بالمغرب. وتقبلوا السيد الوزير اعتباري وتقديري».