سانطلق في تطرقي لمسألة المساواة في الفعل النضالي من خلال بعض المواقف من معركة الاساتذة المتدربين علما ان موضوع ملاحظتنا كان غنيا من حيث المواقف و المتغيرات، كما ان كلمة اساتذة هنا نعني بها الاساتذة و الاستاذات على حد سواء. الموقف الاول: منع الاساتذة المتدربون باحدى المراكز من ولوج مركز تكوينهم لتجسيد اعتصام من داخله، و بعد اعتصامهم امام باب المركز لساعات و استمرار تطويق المركز من طرف القوات، اضطر مجموعة من الاساتذة الى الدخول للمركز بالقوة، لتتم محاصرتهم بالداخل، و من بين الاساتذة الذين اقتحموا المركز كانت هناك استاذات، حينها طلب احد الاساتذة المتدربين من القوات ان يرفع الحصار بدعوى ان هناك استاذات، الشيء الذي لم تستسغه احداهن، فنهرته لتطلب منه ان يتحدث عن نفسه و ان لا يتكلم عنها بالوصاية. الموقف الثاني: يوم 8 مارس و الذي يصادف اليوم العالمي للمرأة، قرر الاساتذة المتدربون في مجموعة من المراكز الجهوية ان يسلموا مهمة السهر و تنظيم الاشكال النضالية، بما يتماهى مع الصورة النمطية التي جعلت هذا اليوم ثقافيا و اعلاميا يوم للنسوة، و قامت الاستاذات باللازم كواجب نضالي و كاحتفاء باليوم و فرصة لابراز قدرات تنظيمية بنون النسوة، قامت الاستاذات بتجسيد مسيرة و كان غالب الاساتذة يتساءلون في حالة التطويق او التدخل كيف ستواجه الاستاذات ذلك، و البعض منهم اعتبر ذلك اليوم يوم عطلة بالنسبة له، و انه لن يتدخل الا في حالة طارئة استدعت منه ان يمارس رجولته، الا ان الاستاذات نظمن المسيرة، و رفعن الشعارات، و اللحظة التي كانت فوق العادة بالنسبة للكثيرين، حين تجاوزن جدار القوى التي حاولت قمع المسيرة، بطريقة خلفت استغرابا و ذهولا، لدى الاساتذة انفسهم ناهيك عن باقي المتضامنين و المتفرجين... الموقف الثالث: دخل احد الاساتذة المتدربين الى حلقية، و تحدث عن لجنة الصمود، و بعد ان وجه التحية لمجموعة من الاستاذات اللواتي يتطوعن لهذه اللجنة، اشار الى رفضه ان تتصدى بعض الاستاذات باجسادهن النحيفة للضرب و الدفع. الموقف الرابع: سألت احدى الاستاذات عن رايها في الحل الذي تم التوصل اليه، فاخبرتني انها التزمت الصمت لان البعض قال لها انك لازلت صغيرة في السن و تؤثر عليك العاطفة في مواقفك و تأويلاتك. من خلال المواقف الاربعة نستخلص الاتي: اولا: موقف القوة (التواجد في الميدان) بالنسبة للاستاذة المتدربة، جعل من المساواة واقعا، بحيث انها لم ترض بالوصاية عليها من احد، بل هي تتساوى مع كل من يشارك في الفعل النضالي. ثانيا: لا تقتصر النظرة الدونية للمرأة فقط على الجنس، بل تتعداه الى متغيرات اخرى، كالسن (في الموقف الرابع) و لم تسلم الاستاذات المتدربات من تلك النظرة الدونية رغم تمسكهن بموقف قوي و الدفاع عنه و تبنيه (في الموقف الثالث) بل تم الزج ببعضهن في مقارنة فزيونومية بدعوى انه ليس من الصائب ان يصمدن امام الضرب و السحل الذي يتعرض له الفاعلون في الاشكال النضالية، بل ان التمييز في هذا المستوى يشمل السن و الجسد و الشخصية و يتعداه الى مجال الانتماء، فالحس المشترك السائد يجعل من نسوة ينحدرن من منطقة معينة ذات صيت في القوة و الصبر، في حين يصف اخريات بانهن مدللات و خانعات. ثالثا: يوضح الموقف الثاني، كيف يساهم المهيمن عليهم في تكريس الهيمنة بطريقة لاواعية، فالاستاذات المتدربات عندما انفردن بزمام الامور في يوم 8 مارس، باعتباره اليوم العالمي للمرأة، جعلن من الفعل النضالي النسوي، لدى العامة و كذا في ذهنية زملائهم، يطغى عليه شيء من اللامألوف، علما ان الاستاذات كن يناضلن منذ بداية المعركة. اخيرا تجدر الاشارة انه من بين ما يفوق 70 عضو في تنسيقية الاساتذة المتدربين، نجد استاذة الى استاذتين، الشيء الذي يوضح ان الهيمنة الذكورية لا تقتصر على الفعل من خلال التصور الذكوري للنضال، بل تشمل كذا طبيعة التنظيم، و لا تستثني هذه الهيمنة حقلا من الحقول الاجتماعية، كحمولة ثقافية حاضرة في ذهنية المهيمن و المهيمن عليه.