نجد اهتمام الحزب اليساري بالوضعية السياسية، لأن المجال السياسي، يعتبر امتدادا للصراع الذي تعوده اليسار على المستوى السياسي، الذي يعبر عن قيام صراع أيديولوجي، وتنظيمي، وبه تكتمل حلقات الصراع، الذي قد يتخذ طابعا ديمقراطيا، وقد يتخذ طابعا تناحريا ضد الطبقة الحاكمة، وكافة المستغلين، وجميع المستفيدين من الاستغلال. والصراع الذي يقوده اليسار في المجال السياسي، يهدف إلى: 1) فرض الاستجابة لمطالب الجماهير الشعبية الكادحة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في افق تحسين أوضاعها المادية، والمعنوية، حتى يحتل اليسار مكانة خاصة، في صفوف الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة. 2) فرض تصور معين للشروط التي يجري فيها انتخاب المؤسسات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، ومن أجل أن تكون الانتخابات خالية، بسبب الشروط المفروضة من كل أشكال الفساد، التي طبعت أي انتخابات عرفها المغرب، ولضمان أن تصير النتائج معبرة عن إرادة الجماهير الشعبية الكادحة. 3) فرض اعتماد ديمقراطية حقيقية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لجعل الجماهير الشعبية الكادحة، منتجة فعلا، إلى هذا الوطن، الذي يحتاج منا إلى المزيد من العطاء كيساريين، وكعاملين على تفعيل الرؤيا السياسية للحزب اليساري، على مستوى تفعيل الممارسة الديمقراطية، كما يتصورها اليسار. 4) النضال من أجل فرض دولة ديمقراطية مدنية علمانية، تعمل على جعل الحكم، في هذا الوطن، يستند إلى الشرعية الشعبية، التي تفرض سيادة الشعب، الذي يصير مصدر السلطات. 5) النضال من أجل أن تصير البرامج السياسية، في المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية من الشعب، وإلى الشعب، أي أنها تصير مستجيبة لإرادة الشعب المحروم من كل شيء، بما في ذلك الشعور بالانتماء إلى هذا الوطن، كما هو حاصل الآن. وفي ظل التصور السياسي لليسار، نجد أن الاهتمام بفرض احترام كرامة الإنسان، التي لا تتأتى إلا بتمتيع جميع أفراد المجتمع، بجميع الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، احتراما لإنسانية أي فرد من الشعب، بحكم انتمائه إلى هذا الوطن، وبحكم مطالبته بالتضحية، من أجل العمل على تطويره: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، خاصة، وأننا لا نستطيع أن نفرض على أي فرد، مهما كان، أن يضحي من أجل الوطن، بما هو محروم منه. وإذا كان العمل من أجل المجتمع المغربي، بكل فئاته، متفاعلا مع أطروحات اليسار الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والحقوقية، فإن العمل من أجل إعادة الاعتبار لإنسانية اليسار على المستوى السياسي، تصير من أولويات اليسار. فاليسار لا يصير يسارا، فعلا، إلا بكونه يصير مستحضرا في اعتناقه لأيديولوجية الطبقة العاملة، على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، وأن هذا الاقتناع، يمكن اعتباره مدخلا لتكريس إنسانية اليسار؛ لأن الطبقة العاملة، التي يعتنق اليسار أيديولوجيتها، لا يمكن أن تكون إلا إنسانية، في فكرها، وفي ممارستها، كما هي إنسانية في إنتاجاتها المادية، والمعنوية، التي تستجيب لحاجيات جميع أفراد المجتمع، لضمان استمرار حياتهم، في إطار التمتع بكافة الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. ومعلوم أن أيديولوجية الطبقة العاملة، هي الأيديولوجية المعبرة عن مصالح كل الكادحين، وفي إطار المساواة فيما بينهم، سواء كانوا عمالا، أو أجراء، أو فلاحين فقراء، أو معدمين، أو مثقفين، أو عاطلين، أو معطلين، أو طلبة، أو تلاميذ، أو أطفالا: ذكورا، أو إناثا، ومن كل الأعمار. وما ذلك إلا لأن أيديولوجية الطبقة العاملة، ذات حمولة إنسانية عميقة، لا تتجاوز أي فرد من المجتمع، ما دام مهضوم الحقوق الإنسانية، وما دام لا يهضم الحقوق الإنسانية للغير، بمعنى: أن أيديولوجية الطبقة العاملة، هي أيديولوجية إنسانية بالدرجة الأولى. وهذه الخاصية، هي التي جعلت الشهيد عمر بنجلون، يعتبرها أيديولوجيةالكادحين، لتختلف بذلك عن أيديولوجية المخزن القمعية، التي لا تعترف للإنسان بالوجود، وعن أيديولوجية الطبقة الحاكمة، التي تبالغ في استغلال الكادحين، إلى درجة الهمجية، وبدون حقوق، وعن الأيديولوجية البورجوازية، التي تقدس الرأسمال، وتدوس الإنسان، وعن أيديولوجية الإقطاع، التي تستعبد العاملين في الأرض، موظفة، في سبيل ذلك، كل خرافات الماضي، التي ترتدي رداء الدين، وعن أيديولوجية التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، التي تمزج بين الأيديلوجية الرأسمالية الغبية، وبين أيديولوجية الإقطاع المتخلف، مدعية بذلك المزج بين الأصالة، والمعاصرة، وعن أيديولوجية البورجوازية الصغرى: التوفيقية، والتلفيقية، وغيرها من الأيديولوجيات، باعتبارها مريضة بالتطلعات الطبقية. وهذا الاختلاف النوعي، هو الذي لفت انتباه جميع المقتنعين بالأيديولوجيات الأخرى، إلى ضرورة أن ينخرطوا جملة، وتفصيلا، في الصراع ضد أيديولوجية الطبقة العاملة، باعتبارها الأيديولوجية الوحيدة، الحاملة للوعي الإنساني، حتى لا تتحول إلى أيديولوجية المجتمع برمته، ومن أجل أن يصير المجتمع تحت رحمتهم، ما دامت الشروط الموضوعية القائمة في مصلحتهم. وأيديولوجية الطبقة العاملة، باعتبارها حاملة للمسحة العلمانية، أو هي الأيديولوجية العلمانية نفسها، هي الوحيدة الحاملة لمقومات خوض الصراع ضد أدلجة الدين الإسلامي، أو ضد الأيديولوجية الظلامية، نظرا لقدرتها على تفعيل الشروط القائمة، من أجل تقويض الأسس التي تقوم عليها، وإزاحة سدود الظلام، والتي تحول دون الرؤيا الواضحة، من منطلق قيامها على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، التي تمكننا قوانينها: (المادية الجدلية، والمادية التاريخية)، من القيام بعملية التحليل الملموس، للواقع الملموس، من أجل العمل على تأطير الواقع، حتى يصير منتجا للإنسان المتنور، النافض للظلامية، والمنخرط في الصراع ضد الظلامية، من أجل إتاحة الفرصة أمام الفكر التنويري العلماني، وأمام انتشار الفكر الاشتراكي العلمي، الذي يعد الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، لخوض الصراع من أجل التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، باعتبارها أهدافا تمكننا من إقبار العبودية، والفساد، والاستبداد، وكل مظاهر التخلف، والاستغلال، والانتهازية، والظلامية، مما لا ينتج إلا إغراق الجماهير في المعاناة، التي لا حدود لها. وعندما يحرص اليسار على وحدته الأيديولوجية القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، وعندما يسعى إلى إشاعة أيديولوجيته في المجتمع، باعتماد التحليل الملموس، للواقع الملموس، كما فعل لينين في المجتمع السوفياتي حينذاك، وكما دعا إلى ذلك الشهيد عمر بنجلون، في تقديم التقرير الأيديولوجي، في المؤتمر الاستثنائي للحركة الاتحادية الأصيلة، المنعقد في يناير 1975، فإن اليسار، لا بد أن يعرف تطورا في اتجاه مواجهة ازدهار الأصولية، وهيمنتها على الجماهير الشعبية الكادحة، خاصة، وأن الأصولية تتوجه إلى طبقةن أو طبقات بعينها، كما هو الشأن بانسبة لليسار، بل إن الأصولية، باعتبارها توجها قائما على أساس أدلجة الدين الإسلامي، تتوجه إلى المجتمع برمته، وبجميع طبقاته، بما فيها الطبقة الحاكمة، والبورجوازية الصغرى، والتحالف البورجوازي الإقطاعي، وإلى الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والمعطلين، والعاطلين، والطلبة، والتلاميذ، خاصة في إطار المجتمع المغربي، المحكوم بمؤسسات منتجة للأصولية، وللأصوليين، من خلال جهاز التعليم، والأجهزة الإعلامية المختلفة، وكل المؤسسات المسماة (دينية)، ومن خلال أنشطة كل الأحزاب، والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، ومن خلال مجموعة من الأحزاب، والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، التي تدعي وصايتها على الدين الإسلامي، وحرصها على إشاعته في المجتمع، وكأنها تتحرك في مجتمع غير إسلامي، مع أنها تمارس السياسة باسم الدين الإسلامي، وتحمل تصورا نقيضا للدين الإسلامي، ينسجم مع أدلجة الدين الإسلامي، ومع ما تمارسه الأحزاب، والتوجهات الأصولية، من تحريف في حق الدين الإسلامي، حتى يصير الدين الإسلامي الممارس، في خدمة أدلجة الدين الإسلامي، وفي خدمة مصالح مؤدلجيه. ولذلك، فجميع الأيديولوجيات المثالية القائمة على الفكر الغيبي (الميتافيزيقي)، يمكن أن تخر أمام أدلجة الدين الإسلامي، ولأن مثاليتها، لا تمكنها من القدرة على التحليل الملموس، للواقع الملموس، التي لا تتأتى إلا باعتماد المنهج الاشتراكي العلمي، كوسيلة، وكهدف، من أجل القيام بالتحليل الملموس، للواقع العيني الملموس، في أفق بيان: من أين نبتدئ؟ وإلى أين ننتهي؟ في مواجهة ظاهرة الأصولية، التي صارت مهيمنة في الواقع، ومتحكمة في مساره، وجزءا لا يتجزأ من التناقض الرئيسي، الذي لا يفيد معه الصراع الديمقراطي، خاصة، وأنه يعتمد مبدأ التكفير، في حق كل المخالفين، وإعطاء الشرعية الإيمانية، لكل من يخضع خضوعا مطلقا لإرادة مؤدلجي الدين الإسلامي، معتبرا الخطابات التي يروجونها، هي الإسلام عينه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.